كل ما يجري من حولك

السلفيّون ومعركة البقع.. “كإنّك يا بو زيد ما غزيت”؟

443

متابعات/ الوقت- فايز الأشول
ضبابية تحجب حقيقة سير المعارك في جبهة البقع، التي استحدثها “التحالف” الذي تقوده السعودية في صعدة. تتزاحم التساؤلات عن الهدف من فتح معسكر لـ”السلفيين” في نجران. هل الإنتماء المذهبي شرط للإلتحاق بالمعسكر؟ ولماذا السواد الأعظم من المقاتلين تمّ استقدامهم من الجنوب؟ وما مآلات الصراع هناك؟ في التحقيق التالي، يحاول “العربي” استقصاء ما يدور شمال شرق صعدة وجنوب نجران.
الطريق ليس معبّداً
150 كيلومتراً هي المسافة ما بين منفذ البقع الحدودي مع السعودية ومدينة صعدة، 50 كيلومتراً منها تلال مزروعة بآلاف الألغام إلى كتاف. بعدها، جبال شاهقة تضاهي جبال فرضة نهم ونقيل ابن غيلان، تمتدّ على مسافة 100 كيلومتر، وصولاً إلى معسكر كهلان شرق المدينة. وما بين مواقع “أنصار الله” في يتمة خب الشعف بالجوف، ومواقع أبو يحيى الرزامي في نشور والرزامات، خرجت كتائب السلفيّين من معسكر الخضراء بنجران، صوب بوّابة منفذ خباش المقابل لمنفذ البقع. رتل عسكري من المدرّعات المحمّلة بالمقاتلين المدجّجين بالسلاح، ومخزون من فتاوى “جهاد الروافض”، والثأر لهزيمة دمّاج، يشقّ طريقه في الخطّ الإسفلتي حتّى توسط المنخفض بين المنفذَين، وهناك تطايرت العربات مع الأجساد في مقدّمة الرتل والوسط والمؤخّرة، ليعلّق الناشط الإعلامي في صفوف السلفيّين في البقع، محمّد السليماني، على العملية قائلاً “لقد غدرونا الحوثيّين”، كان ذلك في مطلع أكتوبر الجاري.
السليماني، وهو نجل الشيخ السلفي أبو الحسن المأربي، قال، لـ”العربي”، “لقد زرع الحوثيّون آلاف الألغام في محيط المنفذ، وسوق ومطار البقع، ومعسكر اللواء 101″، مضيفاً أنّه “خلال الأسبوع الأوّل من المواجهات، تمكّنت الفرق الهندسية من نزع أكثر من ألف لغم من بين الرمال وجوانب الطريق الإسفلتي والطرق الترابية”، موضحاً أن “أغلب الألغام مضادّة للدبّابات والمدرّعات، لقد استخدم الحوثيّون أسطوانات الغاز وأنابيب المياه، وحتّى علب المشروبات الغازية تمّ حشوها بالديناميت”. تداعى مقاتلو “أنصار الله” من محافظات صعدة وعمران وصنعاء لتعزيز جبهة البقع
بين المنفذَين
أكثر من 3 أسابيع على بدء المواجهات بين “السلفيّين” ومقاتلي “أنصار الله”، يلفت السليماني إلى أن “الجيش الوطني تمكّن، خلالها، من التّقدم والسيطرة على مطار وسوق البقع، وعدد من المرتفعات”. وما يُطلق عليه مطار البقع، هو سياج حديدي على قطعة أرض بالقرب من المنفذ، تتوسّطها بقايا خطّ إسفلتي حطّت فيه آخر طائرة “أنتينوف”، كانت تقلّ مهندسين من شركة “سيمنس” الألمانية، عند وضعها للعلامات الحدودية، في العام 2000م.
ومع فتح منفذ علب وقبله حرض، فقد تحّولت منطقة البقع مع منفذها ومطارها الذي لم يحظ ببرج وصالة إلى مكان مهجور، لا تعبره سوى عدد من السيّارات الخاصّة بأبناء وايلة، القبيلة الموزّعة بين صعدة ونجران؛ أمّا سوق البقع فعدد من المحلّات الخربة تعود إلى عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، وهجره الباعة والمتسوّقون من ذلك الحين.
وعلى مسافة 5 كيلومترات من منفذ البقع باتّجاه صعدة، يتربّع معسكر اللواء 101 مشاة. عن هذا المعسكر، يتحدّث، إلى “العربي”، النقيب محمّد مهدي، موضحاً أن “الحوثيّين سيطروا عليه في العام 2013 وغادره الجنود والضبّاط حينها، ومع بدء غارات طيران التحالف على اليمن في مارس 2015، قام الحوثيّون بنقل العتاد من المعسكر إلى داخل صعدة”. وما بين منفذَي خباش السعودي والبقع اليمني لا تزال المعارك تراوح مكانها.
ثغرة في الجدار
تداعى مقاتلو “أنصار الله” من محافظات صعدة وعمران وصنعاء لتعزيز جبهة البقع، مع الأيّام الأولى للمواجهات. يشير القيادي عبد الله سيله، لـ”العربي”، إلى أن “الدواعش استغلّوا قلّة تواجد اللجان الشعبية في مناطق وايلة والمرتفعات بين اليتمه ونشور، لكن نحن لهم بالمرصاد”، مذكّراً بـ”أنّنا قدّمنا في دماج ووادي آل جبارة في 2013 و2014 عشرات الشهداء، حتّى أخرجنا التكفيريّين من صعدة واليوم يريدون العودة”، مؤكّداً أنّه “تمّ تأمين كلّ الثغرات ولم يتمكّن الدواعش من التقدّم خارج المنفذ، لقد قتلنا العشرات منهم وسنلاحقهم إلى داخل نجران”.
ثأر مذهبي
من يطلق عليهم سيلة “الدواعش”، يصفهم فيصل بن أثله بـ”أنّهم مجاهدون”، لن تتوقّف معركتهم حتّى “القضاء على الحوثيّين الذين يحاربون دين الله ويحرفون تعاليمه”. فيصل بن أثله، واحد من قيادات السلفيّين، يقاتل بجانب مشائخ قبيلته ومذهبه، مصلح بن أثله، وعبيد بن أثله، في جبهة البقع، ويأمل العودة إلى منطقته في كتاف التي أخرجه الحوثيّون منها في يناير 2014 م. يروي فيصل بن أثله، لـ”العربي”، “أنّني غادرت صعدة مجبراً إلى السعودية، ومع فتح جبهة في البقع، كنت في مقدّمة مستقبلي إخواننا المجاهدين من الجنوب الذين وصلوا كتائب إلى الخضراء في نجران، والآن نقاتل الحوثيّين جنباً إلى جنب تحت قيادة المشائخ بسام المحضار، وأبومهران القباطي، وعبيد، ومصلح أثله، وهادي خرصان”.
وعن احتشاد السلفييّن في معسكر خاص بهم، يوضح بن أثله أنّه “عند تهجيرنا من دمّاج وكتاف، لم يعرف الكثير منّا إلى أين يذهب، لقد تقطّعت بنا السبل مع عوائلنا، واليوم حان الوقت لنأخذ بثأرنا”، كاشفاً أنّه “بعد أن أكمل الشباب مهمّتهم في الجنوب، تعرّضوا للمضايقات ونشبت مشاكل بينهم وبين الحراك والقوّات الإماراتية، فتواصلوا معنا وأبلغنا الشيخ يحي الحجوري بذلك، والذي طلب لقاء الأمير محمّد بن سلمان، والتقاه مع الشيخ مصلح بن أثله، وهاشم السيّد، وتمّ الإتّفاق على فتح جبهة من البقع، وحشد تلاميذ دماج للجهاد، عدا من لا يزالون يقاتلون في محافظاتهم كتعز ومأرب”.
“حقّ العودة” إلى دماج
ما بين العام 1970م، حين أسّس الشيخ مقبل ابن هادي الوادعي “دار الحديث للعلوم السلفية”، في مسقط رأسه بوادي دماج، بعد عودته من السعودية، ومنحه إجازة التدريس من الشيخين ابن باز وابن عثيمين، وبين يناير 2014، حين هُجّر تلاميذ الوادعي ويحيى الحجوري من دمّاج وكتاف صعدة على يد “الحوثيّين”، لم تتمكّن السلفية من التمدّد في الجغرافيا الزيدية المحافظة، رغم تفريخ مركز دمّاج لعدد من المراكز في مأرب وذمار وإب وصنعاء والجنوب.
4 آلاف ممّن تمّ تهجيرهم من دمّاج لم يكونوا من أبناء صعدة، 60 أسرة فقط غادرت مناطقها من دمّاج وكتاف كأقارب للشيخ الوادعي ومصلح بن أثله. ومع اجتياح “الحوثيّين” صنعاء، غادر السلفيّون تجمّعهم في منطقة سعوان، وعقب سيطرتهم على محافظة ذمار، سارع الشيخ السلفي، محمّد الإمام، لعقد هدنة معهم لا تزال سارية حتّى اللحظة، ولحق به الشيخ محمّد المهدي، في محافظة إب، الذي أقنع تلاميذه بالتزام مراكزهم وتجنّب الصراع مع “أنصار الله”، ولكن مع توجّه مقاتلي الجماعة صوب الجغرافيا الشافعية والجنوب، إختلف موقف السلفيّين وتشكّلت جبهات لقتالهم، تحت قيادة أبو العباس وأبو مهران وغيرهم.
من يطلّ اليوم على دماج من أعلى قلعة السنارة يشاهد مدينة أشباح. مسجد مطليّ باللون الأبيض، ومئات من المنازل الشعبية تلتفّ حول المسجد بعشوائية. لا أحد يسكن فيها ولا يعرف أصحابها، لقد غادروها كتلاميذ في مركز لا يمنح شهادات تخرّج؛ لكنّه يمنح القادمين من مختلف بقاع اليمن وأصقاع المعمورة إقامة مفتوحة ووادياً من الرمّان، لكلّ من يرى في نفسه مهاجراً “في سبيل الله”، ويرى في دمّاج “مدينة الأنصار”، وفي رمّانها “نخيل يثرب”.

You might also like