كل ما يجري من حولك

إسلامٌ لا يحركنا ضد أعداء الله.. هو إسلامٌ فَقَدَ محتواهُ.. ومفاهيمهُ محرَّفة

574

كعادته دَائماً كما في كُلّ محاضراته ــ الملازم ــ التي تتناثر في آذان سامعيها كالدر المنثور، تملأ القلوبَ بالإسلام الصافي، الخالي من شوائب الاختلاف، والتفرق، والتي تُعيد الناس إلى القرآن ولا شيء غيره؛ لأنه هو من لا زالت الأمة مجتمعة عليه، ولأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يعيدنا إعادة صادقة، بكلمات تمس شغاف القلوب، وبطرح قلَّ أن نجد نظيره في الدنيا، كما في محاضرة ــ ملزمة ــ [لا عذر للجميع أمام الله]، والتي منها تقرير هذا العدد، فكانت نتيجتهُ نشأة أمة مجاهدة صابرة، بعون الله ستهزم كُلّ المعتدين.

 

صلاةٌ لا تدفعُ صاحبها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. لا تنفع

أكّد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن طريق الجنة مليءٌ بالأعمال الجهادية، وليس طريقاً سهلاً، يتطلب العمل، تلو العمل، للحصول على رضا الله، وتنفيذ ما جاء في القرآن، فقال: [فنحن نريد أن نفهم من هذا أننا إذا لم نتدارك أنفسنا مع الله أولاً، أنه غير صحيح أننا نسير في طريق الجنة، وإن كنت تتركّع في اليوم والليلة ألف ركعة، هذه الصلاة إذا لم تكن صلاة تدفعك إلى أن ترتبط بالله أكثر وأكثر وأن تنطلق للاستجابة له في كُلّ المواقع التي أمرك بأن تتحرك فيها فإنها لا تنفع].

مضيفاً أن الدين هو دين متكامل، لا بد أن نؤدي أوامر الله كلها التي في القرآن وأننا مسؤولون عن القرآن كاملا عندما نقف بين يدي الله، فلن يسألنا عن الصلاة والزكاة والحج فقط وإنما سيسألنا أيضا عن الإنفاق والجهاد والتبرؤ من الظالمين وغيره، ومن يعتقد غير ذلك فإنه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، فقال: [الدين دين متكامل، دين مترابط، الله ذكر عن بني إسرائيل هكذا أنهم كانوا على ما نحن عليه: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، والتوراة بين أظهرهم، والتوراة يقرؤونها ويطبعونها ويكتبونها، هل اليهودي كفر بشيء من التوراة بأنه ليس من التوراة؟ التوراة كلها هم مؤمنون بأنها كتاب الله، التوراة شأنها عندهم كالقرآن عندنا. عندما يقول الله عنهم بأنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض لا يعني بأنهم هذا الإصحاح أَوْ هذه المقطوعة من التوراة يكفرون بها أي يلغونها وليست من كتاب الله يصفرون عليها ليس هكذا إنما لأنهم يتركون العمل به ويرفضون العمل والالتزام بأشياء في التوراة، الأمر الذي نحن عليه، نترك العمل بل نرفض].

 

كيف هو واقعنا بالنسبة للإيمان بالقرآن الكريم؟

ولفت -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى أن الناس دَائماً يبحثون عن الأشياء السهلة واليسيرة التي لا مشقة فيها في الدين ويحاولون العمل بها، وهو إيمانٌ ببعض القرآن وكفرٌ ببعض، منبها إلى أن هذا الشيء يفرغ الإسلام من محتواه، حيث قال: [نحن نلتزم بأجزاء من الدين وأجزاء أخرى لا نلتزم بها؛ لأننا لم نعرفها، أَوْ لم نتعود عليها، أَوْ لم نسمعها أَوْ لأنها تبدوا: [والله أما هذه قد تكون مثيره، وقد تكون شاقه وقد تكون مخيفة]. نبحث عن السهل في الدين الذي لا يثير حتى ولا قِطّ علينا، الذي لا يُثِير أحداً علينا، ونريد أن نصل بهذا إلى الجنة، والله يقول عن من يبلِّغون دينه باعتبار أن في دينه ما قد يثير الآخرين ضدك، في دينه ما قد يخشى الكثير من الناس أن يبلغوه ويتكلموا عنه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إلّا اللَّهَ}].

 

 دين الله ليس سهلاً.. بل فيه ما يُثير أهلَ الباطل ضدنا

وتساءل -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عن معنى قوله تعالى [وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إلّا اللَّهَ]، ليؤكد لنا أن الدين فيه ما يغض ويثير أهل الباطل، الذي نحن مأمورون بمجاهدتهم، والجهاد من أوجب الواجبات في القرآن، وبدونه لا قيام للدين، فقال: [ماذا تعني هذه الآية؟ أن في رسالات الله، أن في دين الله ما يثير الآخرين، وما قد يجعل كَثيراً من الناس يخشون أن يبلغوه. لماذا؟ لو كان الدين كله على هذا النمط الذي نحن عليه ليس مما يثير لما قال عن من يبلغون رسالاته أنهم يخشونه ولا يخشون أحداً إلّا الله. فهذا يدل على أن هناك في دينه ما يكون تبليغه مما يثير الآخرين ضدك، مما قد يُدخلك في مواجهة مع الآخرين. مَن هم الآخرون؟ أهل الباطل أهل الكفر أهل النفاق يهود أَوْ نصارى أَوْ كيف ما كانوا، هؤلاء هم من قد يواجهونك.

ولأن في دين الله، وهذه هي قيمة الدين، هي عظمة الدين، لو كان الدين على هذا النحو الذي نحن عليه لما كان له قيمة؛ لأنه دين لا أثر له في الحياة، ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، دين ليس لـه موقف من الباطل، أليس هذا هو ديننا الذي نحن عليه، أَوْ الجزء من الدين الذي نحن عليه؟ لو كان الإسلام على هذا النحو الذي نحن عليه لما كانت له قيمة].

 

الإسلامُ الذي حرّك محمداً وعلياًّ، لماذا لا يحركنا؟

واستغرب -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- من الذلة الرهيبة المضروبة على الأمة الإسلامية، والتي تدل على أن الإسلام الذي نحن عليه ليس الإسلام الصحيح، وأنه لا بد من إحياء المفاهيم الحقيقية للإسلام، فتساءل قائلا: [ألم يقل الله عن إرساله للرسل وإنزاله للكتب أن المهمة تتمثل في: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: من الآية 36) واجتنبوا الطاغوت.. فلتفهم أن ما نحن عليه ليس هو الإسلام الصحيح، عندما ترى نفسك أنه لا ينطلق منك مواقف تثير أهل الباطل، ولا تثير أهل الكفر، ولا تثير المنافقين، أنك لست على شيء، وإذا كنت ترى أنك على الإسلام كله فأنت تكذب على نفسك، وتكذب على دينك. إن الإسلام هو الذي حرك محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) فلماذا هذا الإسلام لا يحرك الآخرين؟ لماذا كان محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلي والحسن والحسين وآخرون ممن كانوا يتحركون..

فقط كان ذلك الإسلام الذي كان موديلاً قديماً هو الذي كان يحتاج الناس يتحركوا من أجله؟ أما إسلام هذا العصر فهو إسلام مسالم لا يحتاج منك أن تتحرك ضد أحد؟!. ولا أن تثير ضدك أحداً؟ ولا أن تجرح مشاعر أحد، حتى الأمريكيين، لا تريد أن تجرح مشاعرهم أن تقول: (الموت لأمريكا) قد تجرح مشاعرهم ومشاعر أوليائهم، وهذا شيء قد يثيرهم علينا، أَوْ قد يؤثر على علاقتنا وصداقتنا معهم، أَوْ يؤثر على مساعدات تأتي من قبلهم، لا نريد أن نجرح مشاعرهم. هذا الإسلام ليس إسلام محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).. الذي حرك رسول الله في بدر وأحد وحنين والأحزاب وتبوك وغيرها هو القرآن، الذي حرك علياً في كُلّ مواقعه هو القرآن].

 

هل نحن فعلاً في طريق الجنة؟

وبدا -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- متألما، موجوعا، من الحالة التي عليها الأمة، فتساءل من جديد عن معنى قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} قائلاً: [ألسنا نقرأ هذه الآية، ثم لا ننظر إلى أنفسنا؟ إذاً فما بال هؤلاء الذين قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة هم من يهيمنون علينا؟ هل أحد منا يتساءل هذا السؤال عندما يصل في سورة [آل عمران] إلى هذه الآية؟. هل أحد يتساءل: هؤلاء قوم ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله ونراهم مهيمنين علينا إذاً ما بالنا؟!. ما السبب؟. هل أحد يتساءل؟؟. لا نتساءل، لا نتساءل جميعاً لا نحن ولا علماؤنا ولا كبارنا ولا صغارنا، لا نتساءل نتلو القرآن هكذا بغير تأمل أشبه شيء بالطنين في شهر رمضان وفي غير رمضان، لا نتساءل، لا نتدبر، لا نتأمل، لا نقيّم الوضع الذي نعيشه. ثم في نفس الوقت لا ننظر من جهة أخرى إلى أنه هل بالإمكان أن نصل إلى الجنة؟ هل نحن في طريق الجنة أَوْ أن طريق الجنة طريق أخرى؟].

 

مواصفاتُ القوم الذين يحبهم الله، ويحبونه: ــ

موضحاً -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- من خلال القرآن الصفات التي تكون في من يحضون بتأييد الله، ونصره، وجنته، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ}، فكانت كالآتي: ــ

الصفة الأولى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ـ

قال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: [ويقول عن هذه النوعية: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ألسنا أقوياء على بعضنا بعض في الخصومات؟ وكل واحد منا يقرح كُلّ ما يملك في رأس الآخر على مشرب، والاّ على قطعة أرضية والاّ على أي حاجة وأذلاء أمام الكافرين، أمام أهل الباطل، أمام اليهود والنصارى أذلاء. يذل الكبير فينا ونحن نذل بذله، يخاف الرئيس أَوْ الملك فيقول: أسكتوا، لا أحد يتحدث، ونحن نقول: تمام. ولا نتحدث، ونسكت، يخاف ونخاف بخوفه إلى هذه الدرجة أَصْبَحنا، أذلة أمام اليهود والنصارى، أذلة أمام أهل الباطل]..

الصفة الثانية: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ـ

قال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: [{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ينطلقون هم؛ لأنهم قوم كما قال عنهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ليسوا حتى بحاجة إلى كلام كثير يزحزحهم، ويدفعهم فينطلقون متثاقلين. هم من ينطلقون بوعي كامل وبرغبة كاملة؛ لأنهم يحبون الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ومن يحب الله لا يبحث عن المخارج والممالص من عند سيدي فلان أَوْ سيدنا فلان. من يحب الله لا يبحث عن أسئلة [يا خبير قالوا أمانه لازم أن احنا نسوي كذا هو صدق؟ قد هو واجب؟ قال: لا يا خبير.. قال: ها شفتم يا جماعة ما بلاّ فلان بيضحك عليكم، هو ذا قال فلان ما هو واجب علينا] هم قوم يبحثون عن العمل الذي فيه رضى الله؛ لأنهم يحبون الله والله يحبهم].

الصفة الثالثة: [وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ]: ــ

قال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: [{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} لم يقل حتى، ولا يخافون قتل قاتل،أو لا يخافون القتل. أساساً هم منطلقون للجهاد، هم من يريدون أن يستبسلوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله، أن تخوفه بالقتل هذا شيء غريب هو شيء لا يثيره ولا يخيفه؛ لأنه يجاهد. ماذا بقي أن تعمل؟ أن تلومه. قد يأتي اللوم مثلاً يقول: [ليش اما أنت إنك با تقوم تتحرك؟ وذا عندك سيدي فلان ما تحرك. ليش اما انتم يا آل فلان وذا عندك آل فلان ما قاموا ولا تحركوا؟. إما انت عادك أحسن من فلان؟. واما فلان أنه أحسن من فلان]. من هذا اللوم يحصل؟ هم واعون لا يخافون لومة لائم، عارفون لطريقهم وعارفون لنهجهم وعلى بصيرة من أمرهم، لا يمكن لأحد أن يؤثر فيهم فيما إذا لامهم.{وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} أما أن يخاف المشاكل أَوْ يخاف القتل فهذا الشيء الذي لا تستطيع أن تخيفه به؛ لأنه منطلق مجاهد، أن تنطلق إلى مجاهد لتخوفه بالقتل هذا غير صحيح، هو لن يتأثر. أن تخوف الإمام علي في بدر بالقتل هل سيخاف؟ لا يمكن أن يخاف وهو في ميدان الجهاد، وهو انطلق مجاهد مستبسل يبذل نفسه في سبيل الله].

You might also like