السعودية وإسرائيل: جوارب وحذاء تفصلهما مساحة
ليس مستغرَباً أن تظهَرَ العلاقاتُ السعودية الإسرائيلية إلى العلَن – خُصُوْصاً في العام ٢٠١٥- بعد أن ظلت تلك العلاقات سريةً لسنوات، وليس مستغرباً كذلك أن يكيل قادة إسرائيل – جميعهم بلا استثناء – المديح لملوك عيال سعود -وخُصُوْصاً سلمان – ويعتبرون أنهم حلفائهم السُنة في محاربة إيران الشيعية. فإسرائيل والسعودية وجهان لعملة واحدة صكتها بريطانيا بعد اتفاقية سايس بيكو.
وقد خلصت العديد من الدراسات – العربية والأجنبية – إلى نتيجة واحدة: أن السعودية لا تتعدى كونها كياناً وظيفياً أقامته أجهزة المخابرات البريطانية في بدايات القرن العشرين للتخلص من الامبراطورية العثمانية ومساندة السياسة الاستعمارية لبريطانيا. وفي رسالة سرية مسربة – كشفها ضابط المخابرات البريطاني هارولد ادوارد الشهير بجون فيلبي بعد هروبه إلى الاتحاد السوفيتي في ستينات القرن الماضي – من تشرشل – رئيس وزراء انجلترا في الأَربعينيات من القرن الماضي – إلى الرئيس الأَمريكي روزفلت قال فيها: إن السعودية مشروع فَكَّرنا ببنائه قبل تفكيرنا في بناء إسرائيل. ومعلوم لمن يقرأ التأريخ أن ثمّة دولتين تم زرعهما في جسد الأمة العربية -بناء على ما رسمته اتفاقية سايس بيكو عام ١٩١٦ وخططت له المخابرات البريطانية – لتنفيذ أجندة تخدم المصالح الاستعمارية الغربية والإمبريالية العالمية مستقبلاً في السيطرة غير المباشرة على القرار السياسي وبسط النفوذ في الشرق الأَوْسَط من بعيد بدلاً عن الغزو العسكري الذي أثبت أنه مكلف مادياً ولم يعد وسيلة ناجعة كما كان سابقا. تلك الدولتان هما: مملكة الرمال – أَوْ دولة عيال سعود كما يحلو للبعض تسميتها – عام ١٩٣٢وإسرائيل – ارض الميعاد كما يُسميها اليهود توهماً – عام ١٩٤٨م وقد كانتا مقدمة للواقع السياسي الجديد الذي فرضته اتفاقية سايس بيكو، نتج عنهما – ولأجل نشؤهما – دويلة الأردن بحكم الضرورة – لأنهما قامتا على الأَرَاضي الخاضعة لنفوذ الشريف حسين وكان لابد من تعويضه ظاهريا ولو بثمن بخس؛ لأنه كان أداة من أَدَوَات بريطانيا.
وقد شكلت تلك الدول مثلثاً يبقى متماسكاً بتماسك أضلاعه الثلاثة وسقوط ضلع فيه يؤدي لسقوط المثلث كاملاً، ولا يخفى على كُلّ قارئ فطن ومتابع لحلقات التأريخ المتعاقبة، أن أهمَّ القواسم المشتركة بين مملكة عيال سعود وإسرائيل أنهما تقفان من العروبة ومن الإسْلَام – غير الوهابي – موقف العدو، والدليل على ذلك هو التعاون السري بين تلك الدول خلال الحروب المصيرية التي دارت بين العرب وإسرائيل، وما تعاون السعودية وإسرائيل في الستينيات لإسقاط المشروع الناصري في المنطقة العربية من خلال إغراقه في حرب استمرت خمس سنوات في الـيَـمَـن وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري لخصوم الجيش المصري وتزويدهم بالأسلحة الإسرائيلية المتطورة عن طريق السعودية والتي كانت سببا مباشراً لهزيمة يونيو١٩٦٧م. والدليل على ذلك أنه بمجرد خروج القوات المصرية من الـيَـمَـن – في نوفمبر من نفس العام – رعت السعودية صلحا بين الملكين والجمهوريين واعترفت بعده بالجمهورية الوليدة التي رفضت الاعتراف بها بسبب دعم وتواجد القوات المصرية فيها.
ومن التجليات المباشرة لذلك المخطط هو ما فعله الملك الأردني الحسين بن طلال في عام ١٩٧٠بضربة بالطائرات مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية – بسلاح إسرائيلي وبغطاء ودعم سياسي سعودي وأَمريكي غربي – بحجة تهديدهم للأمن القومي الأردني والصحيح هو تهديدهم للأمن الإسرائيلي لأنهم كانوا على وشك الدخول في حرب مع إسرائيل، فقاتلهم الضلع الأردني نيابة عن إسرائيل وتم قتل المئات منهم وطرد الباقي إلى لبنان. كانت تلك من المحطات المشهورة التي أكدت صواب ما نقول. وكما هو معلومٌ بأن الأسرة الهاشمية كانت هي المسئولة والمسيطرة على إدارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وبيت المقدس وتم الاتفاق بين المخابرات البريطانية وآل سعود والشريف حسين – جدّ الملك حسين – على التنازل عنها للسعودية وإسرائيل وتعويضهم بما يسمى اليوم الأردن مع الالتزام بحماية الأسرة الحاكمة فيها ومع بقاء الإشراف الشرفي غير المباشر للأسرة الهاشمية، فلا تزال أوقاف تلك الأماكن تسلم لها حتى الآن. لنفكر ولو للحظة: لماذا إسرائيل تحتل ثالث الحرمين الشريفين وعيال سعود يحتلون الحرمين هل هناك رابط بين ذلك؟ أما أنها مصادفة – مع أن التأريخَ والسياسة لا تؤمن بالمصادفة ولا توجد إلّا في عقول الحمقى والمغفلين فقط – خُصُوْصاً أن السعودية وإسرائيل هما الدولتان المهمتان بالنسبة لأَمريكا وأوربا، وفي حال تعرضهما للعُدْوَان فأن أَمريكا وأوروبا تدافع عنهما بكل قوة، وإذا سألنا عقولنا لماذا؟ هل غيرة على الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى؟ أم حرصاً على عملائهم الذين ينفذون أجندة بدأت تتضح ملامحها أَكْثَر من خلال التعاون الذي بدأ يظهر على السطح بين المملكة وإسرائيل للمساهمة في الشرق الأَوْسَط الجديد – أَوْ الكبير – الذي أشار اليه شيمون بيرز في كتابه الذي يحمل العنوان عينه. وما تعاون إسرائيل والمملكة في تدمير العراق أولاً – ابتداًء من حرب الخليج الثانية المساة عاصفة الخليج عام ١٩٩١ ومروراً بغزوه عام ٢٠٠٣- وحرب لبنان في تموز عام ٢٠٠٦ وسوريا في عام ٢٠١١ وحتى الآن، كان ذلك التعاون وتلك المشاركة تتم على استحياء وبشكل موارب.
أما الحرب على الـيَـمَـن فقد بدأ ذلك التعاون بشكل أوضح من سابقيه ومن خلال مشاركة بعض الطيارين الإسرائيليين في ضرب أَهْدَاف داخل الـيَـمَـن – خُصُوْصاً ضرب فج عطان بقنبلة حرارية إسرائيلية الصنع وبواسطة طائرة إسرائيلية كما أوردت الخبرَ بعضُ المواقع الإخبارية الأَمريكية والإسرائيلية – وكذلك قُتِلَ جنودٌ إسرائيليون وسعوديون في باب المندب في ضربة صاروخ توشكا في شهر ديسمبر ٢٠١٥ واختلط الدم السعودي بالدم الإسرائيلي – كما صرّح السيد القائد عبدالملك الحوثي في إحْدَى خطاباته – كُلّ ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن إسرائيل والمملكة هما أصل وصورة لمشروع واحد يهدف لتحقيق الأَهْدَاف الأَمريكية والغربية في المنطقة، وما صمت المجتمع الدولي على جرائمهم المكشوفة – في فلسطين ولبنان والـيَـمَـن – إلّا دليل على تناوبهما كأصل وصورة لتنفيذ ذلك المشروع من خلال شراء وسائل الإعْلَام وبعض الكتاب والمثقفين لتبرير تلك الجرائم وتغطيتها.
ومن أهم ما يربط بين مملكة عيال سعود بإسرائيل هي الصبغة العنصرية التي جعلت من اليهود أبناء الله وأحبائه واختارت لهم أرض المعياد وجعلت أبناء نطف النفط ومعتنقي المذهب الوهابي الساكنين في مملكة الرمال هم المسلمون الحقيقيون – بحسب زعمهم – والباقي كفارٌ يجب أن يذهبوا إلى الجحيم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
خلاصة القول إذا كانت مملكة عيال سعود هي الورم الخبيث الذي زرعته بريطانيا في أهم وأطهر مكان في الجسد – في الحرمَين الشرفين – فإن إسرائيل هي باسور مؤلم في منطقة الشرج الأَوْسَط، أما الأردن فهي مثانة منتفخة تنجس الجسد العربي وتفضحه في الوقت الحرج دائماً خُصُوْصاً عندما تنفتح لها حنفية المال فتسرب بدورها بحكم المزامنة والمماثلة.
وأخيراً اتضح لنا أن السعودية وإسرائيل ليستا سوى جَورَبٍ وحذاء في قدم أَمريكا الآن – بريطانيا سابقاً – برغم بعد المسافة بين الجورب والحذاء إلّا أنهما يؤديان وظيفةً واحدةً ويتناوبان عليها باستمرار.