صفات المصلحين والمفسدين في القرآن الكريم
- من صفات المصلحين في الأَرْض، من باعوا أنفسهم من أجل مرضاة الله، أن كلامهم عادي ليس براقاً أَوْ مخادعاً
- النظرة المغلوطة للحياة التي يظن من يعتقدها أن فيها نجاته في الحياة الأخرى، وجعلت الكثير من الناس لا ينطلقون في سبيل الله، ويثبطون الآخرين عن الانطلاق في سبيل الله ــ بقصد أَوْ بدون قصد ــ
- المفسدون فئة منصرفة بعيدة عن الله، بعيدة عن هدى الله، غارقة في ذاتيتها
- من أهم الصفات في أعدائنا ومن يريدون بالأمة شراً هو الكلام المعسول، يمنّوننا بأماني جميلة، وأنهم لا يريدون لنا إلا خيراً، وهم يدسّون لنا السم في العسل، بينما لو تأملنا في واقع الحال لوجدنا أن أفعالَهم عكس أقوالهم تماماً، وأنهم من ألدّ الخصوم
إن من يقرأ محاضرات السيد الحسين بن بدر الدين رضوان الله عليه [الملازم] بعين منصفة سيجد من خلال الطرح والشرح الذي يشرحه للآيات بأن هذا الشخص فعلا [قرين القرآن].. فمثلاً لو نأخذ هذه الآيات: [{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ.. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ.. وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ.. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207) ــ الدرس التاسع من دروس رمضان ــ نجد أن السيد رضوان الله عليه وضح لنا تصنيف القرآن للناس إلى صنفين:ـ
الصنف الأول: المفسدون، ومن أهم صفاتهم:ــ
الصفة الأولى: ــ كلامهم معسول براق
وضح لنا السيد رضوان الله عليه أن من أهم الصفات في أعدائنا ومن يريدون بالأمة شراً هو الكلام المعسول، يمنوننا بأماني جميلة، وأنهم لا يريدون لنا إلا خيرا، وهم يدسون لنا السم في العسل، بينما لو تأملنا في واقع الحال لوجدنا أن أفعالهم عكس أقوالهم تماماً، وأنهم من ألدّ الخصوم، فقال: [نحن الآن أمام ناس من النوعية هذه.. ناس من النوعية هذه. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أليسوا هم يقولون لنا: بأنهم يريدون أن يحرروا، يحرروا الناس، ويعملون المناهج التعليمية بشكل أفضل، ويعملون على ترقية الشعوب، ويعملون.. عبارات براقة. {وَإِذَا تَوَلَّى}- متى ما اتجه عملياً، كلامه كلام براق بهذا الشكل – لكن في المجال العملي، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
الصفة الثانية: ــ يشبهون إبليس اللعين
نبهنا السيد رضوان الله عليه إلى الحذر منهم وعدم سماع كلامهم، أو تصديق شعاراتهم المزخرفة، وألا نكون سُذّجاً في تعاملنا معهم، وأنهم مثل إبليس اللعين الذي خدع أبانا آدم وأخرجه من الجنة بيمين كاذبة حلفها له، فقال: [لا يكون عندك النظرة التي حصلت لآدم، عنده كيف ممكن مخلوق من مخلوقات الله يحلف يميناً فاجرة، ويقسم بالله: أنه من الناصحين! أليس هو كلاماً أعجبه؟ لأنه يستبعد أن الشخص يأتي ليقسم بالله، لأن الله عظيم في نفس آدم].
الصفة الثالثة: ــ يهلكون الحرث والنسل
تناول السيد رضوان الله عليه عند شرح هذه النقطة الكثير من الأمثلة الواقعية والحية بيننا والتي تؤكد أن من أهم أهداف اليهود والنصارى هو إهلاك الحرث والنسل لهذه الأمة، فقال: [هذه القضية الآن معروفة، من خلال ما نراه من أعمال الأمريكيين والإسرائيليين، ومحاولتهم لإهلاك الحرث والنسل، إهلاك النسل، عملية التشجيع على الحد من النسل، ووسائل كثيرة يعملونها ليحصل عقم عند الكثير من الرجال سواء في أحزمة، أَوْ في أجهزة طبية، أَوْ في أي شيء من الأشياء هذه، أَوْ داخل المواد الغذائية، أليس هذا إهلاك للنسل؟ وإهلاك للحرث أَيْضاً فيما يتعلق بمواد كثيرة يشكون منها. قالوا في مصر، قالوا: حصلت هذه في مصر! تصبح الأَرْض نفسها معطلة، لم تعد صالحة للزراعة، لم تعد تصلح للزراعة، وإهلاك للحرث: تدمير للزراعة. أليسوا في فلسطين يدمرون الزراعات، يدمرون المزارع].
الصفة الرابعة: ــ متكبرٌ مغرور متعجرف
وضع السيد رضوان الله عليه أن من صفات هذا الصنف ـ من يسعون في الأَرْض فساداً ــ أنه يأنف من النصيحة إن نصحه أحد، يأنف ويتكبر أن يتقي الله، حتى يقع في شر أعماله، ووبال ما كسبته يده، [َإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ].
الإنسان المؤمن إيمان واعي لا يمكن أن يخدعوه: ــ
ولقد حرص السيد رضوان الله عليه بعد أن وضح صفات من يسعون في الأَرْض فساداً، وضح لنا بأنهم لا يمكن أن يخدعوا الإنسان المؤمن إيماناً واعياً بالله، لأن المؤمن دائما سيضع أسئلة واستفسارات حول ما يسمعه من كلام معسول من أعداء الله، لن يصدقهم بسهولة، وبهذا يكتشفهم، بالإضافة إلى أن هدى الله فيه الرشاد للأمة، فقال: [أن الإنسان المؤمن الذي يهتدي بهدى الله يجب أن يكون واعياً، وأن يكون ذكياً، وفاهماً، لا ينخدع بشعارات، لا ينخدع بكلام زائف، لا ينخدع بكلام مزخرف، يجب أن يعرف: هل هذه الجهة مظنة أن يكون واقعها كما تقول؟ هذا من الأسس في هذه، هل ممكن أن يكون هذا؟ هل من المحتمل أن يكون هذا يكون واقعه مطابقاً لما يقوله؟]
الصنف الثاني: المصلحون، ووضح لنا السيد شارحا أهم صفاتهم:ــ
الصفة الأولى: ــ باعوا أنفسهم لله
استرسل السيد رضوان الله عليه في شرح الصنف الثاني من الناس المصلحون والخيرون من الناس، ــ الوارد في الآيات السابقة ــ فقال: [يبيع نفسه من الله، ابتغاء مرضاة الله، فيجب أن تفهم: أن النوعية هذه هي النوعية التي تصلح في الأَرْض، هي هذه. وليس فقط المسألة: أنه نفهم النوعية السابقة، هذه النوعية تكون منصرفة بعيدة عن الله، بعيدة عن هدى الله، غارقة في ذاتيتها، تتحول إلى مفسدة في الأَرْض، النوعية الأخرى المتجهة إلى الله، المهتدية بهدي الله، هي النوعية المصلحة في الأَرْض، ولصلاحها في الأَرْض هذا من قمة الصلاح في الأَرْض أن يكون مستعداً أن يبيع نفسه من الله، عندما تبيع نفسك من الله، في مواجهة من؟ هل هناك بيع للنفس من الله في مواجهة مصلحين؟ أَوْ في مواجهة مفسدين؟ مفسدين. عندما يكون هناك نوعية من الناس بهذا الشكل يبيعون أنفسهم من الله، في مواجهة مفسدين، معناه: أنهم يحولون دون الإفساد أن يعم عباد الله، فهم المصلحون في الأَرْض هم. إذاً هؤلاء هم الوطنيون، هم الوطنيون حقيقة].
الصفة الثانية: ـ كلامهم صادق، ليس براقاً أَوْ مخادعاً
كما أشار السيد رضوان الله عليه بأن من صفات المصلحين في الأَرْض، من باعوا أنفسهم من أجل مرضاة الله، أن كلامهم كلام عادي ليس براقاً أَوْ مخادعاً، فقال: [عادة النوعية هذه تكون مخلصة لله عملياً، فاعلة، لا تحتاج أن تعرض نفسها بشكل براق، بحيث يقولون: نحن ونحن.. إلى آخره. لا تحتاج إلى هذا، متى ما باع نفسه من الله، هذا جانب عملي هام، والإيجابية هنا في موضوع العمل، {يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ).
نظرة مغلوطة للحياة
كثيراً ما نسمع عند نقاشنا مع كثير من الناس حولنا، سواء في العمل، أَوْ في السوق، أَوْ المقيل ــ وخصوصاً بعد الحرب ــ هذه العبارة: [الباطل غلب، لا يمكن ينتصر الحق، خلاص قد احنا آخر الزمان، الله يهلك الظالمين بالظالمين، ويخرجنا من بينهم سالمين!! إحنا مالنا دخل من أحد، سنصلي ونصوم ونزكي ونعمل الصالحات حتى نلقى الله، لأنها فتنة وسنتجنب الجميع] ومن هذا الكلام المغلوط الذي كله إرجاف في إرجاف.
هذه النظرة المغلوطة للحياة التي يظن من يعتقدها أن فيها نجاته في الحياة الأخرى، هذه النظرة التي جعلت الكثير من الناس لا ينطلقون في سبيل الله، ويثبطون الآخرين عن الانطلاق في سبيل الله ــ بقصد أَوْ بدون قصد ــ
لو يتأملوا أصحاب هذه النظرة المغلوطة قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} لوجدوا أن الله أراد للناس أن تكون نظرتهم شاملة للحياة الدنيا، وللحياة الأخرى، وأن تكون الدنيا مع الآخرة محط اهتمام لديه..
لو تأمل الآية لوجدها كما قال السيد حسين رضوان الله عليه متحدثاً عن هذا الموضوع في الدرس التاسع من دروس رمضان: [فتعطي الإنسان توجيهاً بأن يكون فاهماً، فاهماً للحياة الدنيا، وفاهماً للآخرة، ومهتم بالحياة الدنيا هذه والحياة الآخرة؛ لأنها حياة واحدة في الواقع، هي حياة واحدة في الواقع، ليس الموت إلا عبارة عن فاصل مثل ما يأتي فاصل في النشرة، أليس يأتي فاصل وبعده يكمل النشرة؟ هي.. هي، هي حياة واحدة، وأنت ستكون في الآخرة بنفس المشاعر، تبعث أنت.. أنت، لا تفهم بأنك قد صرت بشكل آخر، أَوْ كأنه حلم].