الوَحدةُ الـيَـمَـنية وبُــعدها القومي
أحمد ناصر الشريف
للعامِ الثاني على التوالي والـيَـمَـنيون يحتفلون بعيدِهم الوَطَـنيّ الـ22 من مايو الذي تأسَّست فيه الجمهورية الـيَـمَـنية عام 1990م في ظل عُـدْوَانٍ غاشم وتحت أزيز قصف الطائرات الذي لا يتوقفُ وحصار خانق من البر والبحر والجو، ولكن لأن الشعب الـيَـمَـني شعب جبار ومتوكل على الله ومشهود له من النبي محمد بن عبدالله بن عَبدالمطلب بن هاشم بالإيمان والحكمة فانه يخرج منتصراً دائماً في كُلّ خطوة يخطوها إِلَـى الأمام كما هو حاله اليوم، حيث يواجِهُ تحالُفاً دولياً تقودُهُ امبراطورية السلاح التي تتربع على رأسها أَمريكا واسرائيل وامبراطورية المال والإعْــلَام السعودية ومَن تحالف معها من دول مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك استطاع الشعب الـيَـمَـني الأبي ممثلاً في جيشه ولجانه الشعبية أن يغيَّر معادلة استراتيجية الحروب ويذهل اكاديميات العالم العسكرية.
ستة وعشرون عاماً من الصمود والتصدي لكل المحاولات البائسة بهدف تفكيك الوحدة والعودة بعجلة التَأريخ إِلَـى الوراء كلها باءت بالفشل الذريع دليلٌ على أن الوحدة الـيَـمَـنية قد تخطّت الصعاب وترسخت جذورها رغم التآمُرات الخطيرة التي تحاك ضدها خَـاصَّـةً هذه الأَيــَّــام التي يتواجد فيها الاحْتِلَال الأَمريكي ومَن يتحالف معه بقواته العسكرية في المحافظات الجَـنُـوْبية والشرقية.
وقد أثبت الـيَـمَـنيون فعلاً من خلال دفاعهم وتمسُّكهم بوَحدتهم والمحافظة عليها أنهم رجال قادرون على أن ينتقلوا بالوحدة من الجهاد الأصغر إِلَـى الجهاد الأَكْبَــر وهو جهاد النفس المتمثل في ترسيخ دولة النظام والقانون ومحاسبة الفاسدين أياً كانوا في السلطة أَوْ المعارضة أَوْ من أصحاب الجاه والنفوذ.. فالكلُّ أَمَام القانون سواسية ولا يجبُ أن يتمَّ محاباةٌ أَوْ مجاملة أحد على حساب مصلحة الوَطَـن الـيَـمَـني العليا وهذا التوجُّـــهُ يشكل الهدف الرئيسي لثورة 21 سبتمبر الشعبية.
إن الوَحدةَ الـيَـمَـنية التي تخطت بنجاح مسيرة الصعاب والعقبات وواجهت التحديات والمؤامرات التي تحاك ضدها في الداخل والخارج ستظل تلك الشمعة المضيئة الوحيدة في سماء الأمة العربية حتى تأتي شمعة أخرى تنافسُها كاتحاد دولتين عربيتين أَوْ أَكْـثَـر.. ولكن عندما ننظُرُ إِلَـى الوضع العربي الراهن.. وكيف حاله؟ لا نجده إلّا أنه يسيرُ من سيء إِلَـى أسوأ، وهو الأمر الذي جعل المواطن العربي يفقد ثقته في الأنظمة العربية وفي الحكام العرب بشكل عام ويكاد اليأس يقضي على كُلّ أمل يخالجه بأن تتغيرَ الأمور ويعود العرب إِلَـى سيرتهم الأوْلَى متربعين على عرش الزعامة العالمية حينما كانوا يحكمون العالم من شرقه إِلَـى غربه والدول الأُورُوبية التي استفادت حينها من حضارته كانت تغط في نوم عميق تعيش ظلام القرون الوسطى التي كانت تتحكمُ فيها الكنيسة.. ولكن عندما وعت شعوبها لمصلحتها انتفضت وأخذت من العلوم والمعارف العربية ما أعانها على الدفع بمسيرة انطلاقتها وتحديد مسارات مختلفة لنفسها أوصلتها إِلَـى ما هي عليه اليوم من حضارة وتقدم.
لقد طبقت الشعوب الأُورُوبية على أوضاعها مضمون الآية الكريمة «الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» وبذلك استطاعت أن تخلق أنظمة مستقرة تتنافس على التداول السلمي للسلطة ومن يفوز في الانتخابات يعمل قبل كُلّ شيء على توفير الأمن والاستقرار المعيشي لشعبه، ولا يتم التنافس بينه وبين خصومه السياسيين إلّا على مصلحة الشعب أولاً.. وعندما يدرك أنه عاجزٌ عن تحقيقها أَوْ يشعر بالقصور في إدارته لواجب المسؤولية التي تحملها من خلال صندوق الاقتراع فإنَّه يسارع إِلَـى تقديم استقالته متيحاً الفرصة لمن هو أكفأ منه أياً كان توجهه الفكري والسياسي.
وذلك بعكس ما يحصل في عالمنا العربي الذي تسارع فيه الأطراف السياسية المتنافسة إِلَـى اطلاق الاتهامات على عواهنها بتزوير الانتخابات تمهيداً لعدم القبول بنتائجها وعملية الانتخابات لم تبدأ بعدُ.. إذاً مشكلتنا في العالم العربي ليست مشكلة تتعلق بالموارد وعدم وجود الكفاءات التي تحكم، وانما المشكلة تتعلق بحب التسلط والسيطرة فأي طرف يصل إِلَـى السلطة بأية طريقة كانت ديمقراطية أَوْ انقلاب عسكري من الصعب عليه أن يفكر بمغادرة السلطة حتى لو ضحى بشعبه كاملاً ليبقى هو وحده ومستعداً أن يسخر كُلّ موارد شعبه وجيشه ونظامه للدفاع عن الكرسي بدلاً عن أن يعمل على تحقيق مصالح الشعب ويؤسس لنظام إداري جيد يمكن على أَسَــاسه بناء دولة المؤسسات كما هو حاصل في الدول المتقدمة.. ومن هذا المنطلق أَوْ المفهوم عند الحكام العرب، فإنه من الصعب على أي مواطن عربي تخيل أن تتحد دولتان عربيتان حتى لو في شكل تنسيق المواقف ولذلك ستظل الوحدة الـيَـمَـنية التي تخطت عامها السادس والعشرون يوم أمس الأحد الموافق 22 مايو 2016م هي الشمعة المضيئة في سماء الامة العربية، كما أشرنا آنفاً وستفرض بعدها الإقْليْمي والقومي والدولي على كُلّ الاقطار العربية بحيث تشكل أنموذجاً يحتذى به لاسيما بعد أن يخرج الـيَـمَـن من وضعه الحالي المعقد منتصراً بإذن الله ويكون قائداً للمنطقة، وهذا ما ستثبته الأحداث خلال الأشْهر القادمة.