” عاصفة المزح” وإعادة الآلم
متابعات :
لم تكن “عاصفة الحزم” سوى عملية مزح ولكن ثقيل جداً لدرجة أن المازح سيُضطر للبكاء أكثر من الممزوح عليه .. هي عملية مزح غير مسبوقة ليس لأنها لم ولن تحقق أهدافها بل لأن ارتدادتها ستجعلها وبالاً على الجميع لسوف يغيّر وجه المنطقة لعقود إن لم يكن لقرون مقبلة.
لم يحدث في التاريخ أن كانت شرعية ناقصة بل مفقودة كشرعية الرئيس المستقيل مزحاً والمنتهية صلاحيته جداً وحقيقة ومعه بعض الحكومة اليمنية الهاربة في الرياض ذريعة لإطلاق حرب غاشمة علي شعب بأكلمه ووطن برمته. والأنكى أن هذا الرئيس الذي يحسب نفسه أمير الكويت بعد فراره إثر اجتياح صدام وقواته لبلاده 90م لايزال يتوق للعودة بالرغم من تعيين بحاح نائباً له بإرادة خارجية/ سعودية تأكيداً لتناقص شرعيته واستحالة عودته إلى صدارة المشهد الذي لا يمثله في الجنوب كما الشمال سوى ذلك الظهور الباهت والدور المخزي الذي يقوم به في عاصمة المملكة المعتدية على اليمن سواءا للتوقيع على الغارات الجوية وكل أشكال العدوان أم لجهة إصدار تلك القرارات من الرياض “تعيين وعزل” والتي باتت برائحة العار بعد أن كانت تصدر من صنعاء وعدن برائحة السذاجة.
عاصفة المزح لشدة عدم حزمها تحولت بين عشية وضحاها إلى عملية أخرى اسمها “إعادة الأمل” ورسمها إعادة “الألم”. لم يتوقف العدوان ولم يرتفع الحصار الجوي والبحري والبري بل تقوم السعودية بمضاعفة عدوانها بعد أن أعفت أحمد عسيري من مهمة تسجيل انتصارات وهمية وتلفيق أهداف كاذبة، فقد أصبح دوره مكشوفاً أمام الإعلاميين والسياسيين الذين لا تنطلي عليهم الأوهام الزائفة، ولم يحقق حتى الدور الشكلي الذي أنيط به من خلال بعث رسالة إلى اليمنيين بأن ناطق العدوان هو “العسيري” أي يمني بالأصل. كل ما حدث أن اندلعت الاشتباكات على الحدود التي تشمل أراض يمنية منهوبة عسير ونجران وجيزان تمهيداً لاحتراب لم ولن تشهد الجارة الكبرى مثيلاً له منذ تاريخ تأسيسها، بما يؤسس لتهاوى امبراطورية آل سعود في رمال اليمن لدرجة لا أستطيع الحزم بتحديد أسماء الدول التي ستكون إلى جوار اليمن في المستقبل بعد تقسيم المملكة إلى أكثر من دولتين على الأقل قد يكون واحدة فقط منها يحمل اسم المؤسس آل سعود.
مزح العاصفة أدى إلى إعلان عدد من المدن اليمنية مدناً منكوبة وسط دمار شامل طال المؤسسات الحكومية المدنية والمساجد ودور العلم والمواقع الأثرية والتاريخية فضلاً عن المواقع العسكرية ونال من آلاف الأبرياء المدنيين بينهم أطفال ونساء وشيوخ ولم يستثن الصحفيين في محاولة محمومة لشطب التاريخ العريق لليمن من خارطة تتفرد به في مقابل مملكات وإمارات ومشيخات كرتونية ستهشمها عاصفة حزم مضادة وحقيقية بدأت ملامحها تلوح في الأفق (تبشر ! وتنذر) بواقع جديد ومختلف إذ أن تغييراً كهذا سيكون له كاسبون وخاسرون في النتيجة بما في ذلك الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
العاصفة الوطنية المطلوبة داخلياً لا علاق لها بالمزح ولا إعادة الألم بل ينبغي أن تكون منعتقة من كلا الحالتين فلابد من الحزم وإعادة الأمل وهذا لم ولن يتأتي بما نشهده من سيرورة نحو فتح جبهات داخلية يمولها ويغذيها عملاء السعودية بغية جرنا إلى حرب أهلية وهي الغاية الأصلية للعدوان بعد فشله في تحقيق الأهداف المعلنة الزائفة.
يجب تفويت الفرصة على هذا الاقتتال وخاصة في الجنوب الذي بات بيئة طاردة لأي وافد حتى لو كانت رايته بلوغ الفردوس الأعلى، لا سيما أن ثقافة الكراهية باتت حاكمة والاحتقان لا نظير له وسجلت الأحداث الأخيرة واقعاً زاد من ذلك الاحتقان ويجب الاعتراف بذلك ومراجعة الأمور بعقلانية. وهنا قرأت بالأمس تصريحاً مقتضباً للناطق الرسمي لأنصار الله الأخ محمد عبد السلام هذا نصه: “هادي يتحمل مسؤولية نقل الصراع للجنوب ونؤكد استعدادنا للتنسيق مع أخوتنا في الجنوب لتسوية أوضاع المحافظات الجنوبية وإدارتهم لشؤونها بما يضمن أمنها واستقرارها ودرء مخاطر القاعدة”.
في التصريح تطور لافت سبق أن أشرت إليه بوضوح في مقال سابق وفي أكثر من مقابلة تلفزيونية، فهل يمكن البناء على هذا التصريح وفتح قنوات حوار مع حكماء الحراك الجنوبي وتجنيب أنصار الله وحلفائهم وأبناء عدن والجنوب المزيد من الخسائر في حرب عبثية غير ذات أفق سوى الحرب الأهلية؟!، وهذا الأمر ينسحب على تعز التي لها من الخصوصية التاريخية والجغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية ما يمكنها أن تكون “شوكة الميزان” وليس من مصلحة أي طرف كسر هذه الشوكة.. فانتبهوا!
أخيراً وليس آخراً، اليمن يعيش اليوم حصار مطبق يُنذر بكارثة إنسانية وإن لم يقم العدوان برفع الحصار الجوي والبحري بأقرب وقت ودون شروط فإن أي حديث عن عملية سياسية لن يكون سوى حديث عدمي.
يجب أن نرفع الصوت عالياً عبر كل المستويات والأطر المحلية والخارجية للمطالبة برفع الحصار فوراً تمهيداً لأي مبادرة تخترق هذا السواد القاتم ببقعة ضوء.
الكاتب : إسكندر شاهر