كل ما يجري من حولك

من حضرموت إلَـى جيبوتي والبحر الأَحْـمَر

370

 زيد أحمد الغرسي

بعد فشل العُـدْوَان السعودي الأَمريكي في تحقيق أَهْــدَافه خلال عام من العُـدْوَان على الـيَـمَـن يحاول المهندسُ الأَمريكي مجدداً تنفيذَها بطرق أُخْرَى وتكتيكات جديدة والتي أستطيع أَن أصفها بأنها تعبّر عن الفصل الثاني من العُـدْوَان على الـيَـمَـن.

 يأتي ذلك بالتزامن مع إعْلَان تهدئة ووقف لإطلاق النار بين الجانبين الـيَـمَـني والسعودي وانطلاق المفاوضات الـيَـمَـنية الـيَـمَـنية بالكويت التي عُقدت بنفس توقيت زيارة أُوباما إلَـى السعودية وانعقاد القمة الخليجية الأَمريكية مستغلاً انشغال الـيَـمَـنيين بها وبخروقات العُـدْوَان.

وَتمثلت تلك التحركات بزيارة أُوباما للسعودية ولقائه بسلمان ثم عقد قمة خليجية أَمريكية وقبلها زيارة وزير الحرب الأَمريكي للإمَــارَات والسعودية ولقائه بولي عهد أبو ظبي ومحمد بن سلمان والتي كان الملف الـيَـمَـني أبرز الملفات الحاضرة بقوة في هذه الزيارات والتصريحات التي تلتها وقبلها أَيْـضاً المناورات البحرية المشتركة بين الخليج والولايات المتحدة الأَمريكية.

 مجمل هذه الزيارات والتصريحات والتحركات تكشف بوضوح عن أَهْــدَاف هذه الزيارات وماذا تريد الولايات المتحدة الأَمريكية تنفيذه في الـيَـمَـن في المرحلة المقبلة خُصُـوْصاً بعد قدوم رئيس جديد للولايات المتحدة الأَمريكية (بعد شهور قليلة من الآن) والتي منها احتلال الـيَـمَـن بشكل مباشر ووضعه بين كماشتين الأوْلَى كماشة الاحتلال من الجنوب والثانية العُـدْوَان السعودي من الشمال مع تحريك أَدَوَات داخلية أمنية وسياسية لإثارة الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي وتقسيم الـيَـمَـن مستخدماً عدة أوراق كالمناطقية والمذهبية والقاعدة وداعش وغيرها.

 فمن الجهة الشرقية للـيَـمَـن وفي محاولة لاحتلال محافظة حضرموت بشكل مباشر وصل عددُ من الجنود الأَمريكيين والخليجيين إلَـى مقر المنطقة الأوْلَى بسيئون مؤخراً والإعْلَان عن بدء حملة عسكرية على القاعدة وداعش في حضرموت “بعد أَن سلمها الاحتلال لهم في بداية العُـدْوَان”، وكانت بعض خطوات التهيئة لذلك استقبال على محسن محافظي حضرموت وسقطرى ثم خروج بحاح ليبشر بحملة عسكرية ضد القاعدة وداعش في حضرموت ليلةَ وصول أُوباما إلَـى الرياض، مع انه نفي وجود لهذه العناصر الأجنبية في وقت سابق من العُـدْوَان عندما كان رئيساً للوزراء، ثم قام الاحتلال بقصف جوي لما يدّعي أنها مناطق للقاعدة وداعش ليخرج بعدها ناطق البيت الابيض ويصرح بأن الولايات المتحدة الأَمريكية تقصف إِرْهَـابيين في حضرموت لإيهام الرأي العام المحلي والدولي أنها تحارب الإِرْهَـاب في الـيَـمَـن.

 واستكمالاً لهذه التهيئة أعلنت ما يسمى القاعدة وداعش عن تفخيخ ميناء الضبة بمديرية الشحر ومطار الريان بالمكلا محافظة حضرموت كخطوة لإيصال رسالة بأن هناك صراعاً حقيقياً بينهما، لكنه في الحقيقة إعطاء الأَمريكان ذريعة ومبرراً لاحتلال حضرموت، ثم يأتي طلب الإمَــارَات من الأَمريكيين مساعدتهم في ما اسموه مواجهة الإِرْهَـاب في الـيَـمَـن وفعلا دخلت منتصف شهر ابريل الحالي حوالي مائتي مدرعة إمَــارَاتية إلَـى حضرموت بعد يوم واحد من وصول أُوباما إلَـى الرياض ولقاءه بولي عهد أبو ظبي وكان قبلها لقاء وزير الحرب الأَمريكي بولي عهد أبو ظبي أَيْـضاً.

وهنا التساؤل لماذا سيبدأ الأَمريكيون الاحتلال من حضرموت؟ والاجابة على ذلك؛ لأنها منطقة تقع إلَـى جانب سقطرى التي أَصْبَــحت تحت الاحتلال ولموقعها الجغرافي الاستراتيجي ولأنها تحت السيطرة الكاملة لأَدَوَاتها الاستخباراتية المسماة قاعدة وداعش، بالإضَــافَة إلَـى عدم وجود الجيش واللجان الشعبية هناك، وبُعد المسافة بين هذه المحافظة وبقية محافظات الجمهورية، وبالتالي نستطيع القول إن الاحتلال يريد تأمين احتلاله للمنطقة الشرقية الـيَـمَـنية كاملة.

أما من الناحية الغربية للـيَـمَـن المطل على ساحل البحر الأَحْـمَر فقد تم لقاء بين محمد بن سلمان في الحادي عشر من شهر ابريل اثناء زيارته للأردن للمطالبة بجنود اردنيين بدلاً عن الإمَــارَاتيين الذين انسحبوا من صافر بمَأرب، وخلال هذه الزيارة التقى محمد بن سلمان مع رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو في مدينة العَقبة بالأردن، وتم توقيع اتفاق احتوى على ستّ نقاط منها قضية بيع جزيرتَي تينار وصنافير من مصر للسعودية بتنسيق إسرائيلي.

 وكان في الاتفاق مما يخص الـيَـمَـن:- توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين الجانبين الصهيوني والسعودي في البحر الأَحْـمَر – تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإِرْهَـاب بين الجانبين في البحر الأَحْـمَر (على حد قولهم) – توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وهو ما يعني احتلالَ الشريط الساحلي الغربي للـيَـمَـن تحت مبرر مكافحة الإِرْهَـاب، كما قال وزير الحرب الأَمريكي مع نظيره أمين عام مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر صحفي عُقد يوم الاربعاء العشرين من شهر ابريل لعام 2016م “ستتم تسيير دوريات مشتركة لاعتراض سفن تهريب الأسلحة الإيْــرَانية للـيَـمَـن”. وهو ما يعني أَيْـضاً احتلال البحر الأَحْـمَر ومضيق باب المندب تحت مبرر آخر وهو منع تهريب أسلحة إيْــرَانية إلَـى الـيَـمَـن، مع أَن هناك تصريحاً للبيت الابيض قبل أَيَّــام قال فيه الناطق الرسمي للبيت الأبيض بأن لا أدلة على تواجد لإيْــرَان في الـيَـمَـن أَوْ دعم لها للحوثيين في الـيَـمَـن، أَيْـضاً كان قبل ذلك بحوالي أسبوعين مناورة بحرية مشتركة بين الأَمريكيين والخليجيين أعلن فيها قائد البحرية الأَمريكية أن هدفها تأمينُ الممرات المائية كباب المندب وقناة السويس ومضيق هرمز، ما يؤكد أَيْـضاً احتلال باب المندب وخليج عدن تحت ذريعة ثالثة وهي تأمين الممرات المائية هذه التحركات الأَمريكية والإسرائيلية، كلها للتنسيق وايجاد الذرائع للاحتلال الأَمريكي الإسرائيلي المباشر للبحر الأَحْـمَر ومضيق باب المندب.

 ولا ننسى قلق نتنياهو بداية العُـدْوَان على باب المندب وتخوّف إسرائيل من سيطرة الـيَـمَـنيين عليه كما كانت المعارك في ميدي وضرب الجزر واحتلال جزيرة حنيش الخالية من السكان ومعارك تعز كلها كانت تهدف للسيطرة على باب المندب والساحل الغربي للـيَـمَـن.

أما من الجهة الجنوبية للـيَـمَـن فبالإضَــافَة إلَـى اقامة القواعد العسكرية البحرية في جيبوتي وتحديث الأساطيل الموجودة من سابق عمدت أَمريكا إلَـى تحريك نظام جيبوتي ليقدم له المبررات والذرائع لاحتلال مضيق باب المندب وخليج عدن اسرائيل حيث عملت على توقيع اتفاقية أمنية للتعاون في مكافحة الإِرْهَـاب بين السعودية وجيبوتي وبعدها بيوم تقريباً أَوْ في نفس اليوم خرج وزير الداخلية الجيبوتي باتهام أَنْصَـار الله بمحاولة تفجير بعض السفارات الأجنبية الموجودة في بلاده، فرد عليه مسئول العلاقات لأَنْصَـار الله حسين العزي بالنفي والتكذيب، والغرض من هذا التصريح وتوقيته هو إيهام الرأي العام العالمي بأن جيبوتي ومصالح دول الاستكبار في باب المندب مهددةٌ، مما يعني احتلال جنوب الـيَـمَـن وخليج عدن واضفاء الشريعة على تواجدهم العسكري في جيبوتي وباقي المنطقة تحتَ مبرر حماية مصالحهم، وفي نفس السياق التقى رئيس جيبوتي وأمير قطر في بداية هذا الشهر شهر فبراير لعام 2016م وتباحثا حول ما أسماه محاربة الإِرْهَـاب في الـيَـمَـن.

 هذا جزء من تحرُّكات الأَمريكيين خلال أقل من شهر، ولعل ذلك يشير إلَـى مدى اهتمام الأَمريكيين بالملف الـيَـمَـني ومحاولة ترتيب أوراقهم فيه من جديد مع عملائهم في المنطقة لتمهيد الأَرْضية للرئيس الأَمريكي القادم.

You might also like