كل ما يجري من حولك

صنّاع الكراهية والنصر الموهوم

546

محمد محمود مرتضى *

«الحوثي على خُطَى الخميني» هذا هو عنوانُ مقالة كتبها «هاني سالم مسهور» في صحيفة الجزيرة السعودية، سَعَى من خلالها إلَى إجراء نوعٍ من المقارنة بين السيد عبدالملك الحوثي والامام الخميني (قدس سره). أَن النقطة التي تمحورت حولها المقالة في اجراء المقارنة هي وقف إطْلَاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر الحالي. معتبرا أَن وقف إطْلَاق النار هذا هو بمثابة السم الذي سيتجرعه السيد الحوثي مقارنا ذلك بما قاله الامام الخميني قدس سره عام 1988 عندما أعلن موافقته على وقف إطْلَاق النار في الحرب التي فرضت على الجمهورية الإسْــلَامية من قبل نظام صدام حسين العراقي حيث اعتبر الامام وقتها أَن وقف إطْلَاق النار بمثابة تجرع السم.

ما يستوقفنا في مقالة الكاتب اعتباره أَن هذا السم هو سم الهزيمة متناسياً أَن الحرب قد بدأها صدام حسين بهدف اسقاط الثورة والجمهورية الإسْــلَامية التي انبثقت عنها، تلك الحرب التي دعمتها أميركا وانظمة الخليج البائسة على رأسهم نظام آل سعود الذي انفق مليارات الدولارات في دعمه لصدام حسين، لكنها مليارات ما لبثت أَن ارتدت على دافعيها عندما قام صدام حسين بغزواته اللاحقة ضد داعميه، فهل كان وقف إطْلَاق النار هزيمة لإيْــرَان بالفعل أَوْ هو هزيمة لمشروع اسقاط الثورة الإسْــلَامية الإيْــرَانية؟. وها نحن اليوم نشهد بزوغ إيْــرَان النووية والعلمية والعالمية، مقابل انظمة خليجية سعودية داعشية.

لعل أَكْثَر ما اصاب به الكاتب في مقارنته هذه هو أَن ما يحصل في اليمن يشابه إلَى حد كبير ما حصل في العدوان الصدامي على إيْــرَان. فالشعار الأبرز لإيْــرَان الثورة كان وما يزال هو محاربة الكيان الصهيوني الغاصب ودعم القضية الفلسطينية، وهو شعار حركة أنصار الله بشكل خاص وعموم أهالي اليمن بشكل عام.

كما أَن الحرب على اليمن وقبلها إيْــرَان كان الداعم والممول والعقل الشيطاني واحدًا، وأعني مملكة الظلام والفتن مملكة آل سعود. فلا غرابة أَن تكون هذه المملكة التي تدمر اليمن وسوريا والعراق هي ذاتها التي شنت حربها بواسطة صدام حسين على إيْــرَان الثورة. ولا غرابة أَن تقيم هذه المملكة مجالس النواح والعزاء وتتحسر على أيام صدام حسين، فغالباً ما يتحسر المجرمون على بعضهم البعض.

لكن الغريب أَن يقول الكاتب أَن السيد عبدالملك الحوثي يحمل كأساً “مملوءاً بالسُم بل ويكاد يقترب أَكْثَر من أي وقت مضى من شرب الرشفات الأولى ليعلن هزيمته ليس أمام «عاصفة الحزم»، وليس فقط أمام القرار السعودي الحاسم، بل أمام إرادة الشعب اليمني التي ترفض أن يكون اليمن محسوباً لتيارات ما يسمى المقاومة وأن يتم تصنيفه وفق التجاذبات الإقليمية، فالشعب اليمني يبقى عربياً منحازاً لعروبته متشبثاً بتلابيب الجزيرة العربية فهو جزء لا يتجزأ منها”. نعم غريب هذا الكلام من كاتب ينتمي لمملكة يقوم ولي ولي عهدها محمد بن سلمان بمساعيَ حثيثة لمنهزم يسعى لوقف إطْلَاق نار يظهره بمظهر المنتصر.

هذا دون أَن ننسى وجه الاشتراك أَيْضاً بين الحرب على اليمن والحرب على إيْــرَان لجهة استهداف المدنيين، هذا الاستهداف الذي كان قد طغى على حرب صدام والسعودية على إيْــرَان لا سيما في الاشهر الاخيرة من الحرب، دون أَن يخرج عن هذا النطاق اسقاط الولايات المتحدة الاميركية للطائرة المدنية الإيْــرَانية. وفي المشهد اليمني نجد كيف أَن المملكة لم تبق مدرسة أَوْ جامعة أَوْ مؤسسة تعليمية وتربوية واقتصادية، ولم تبق جسرا ولا مشفى ولا مصنعا إلّا ودمرته. هي نجحت في حربها بإرجاع اليمن عشرات السنين إلَى الوراء، فلطالما برعت المملكة في إرجاع الناس إلَى عصور الجاهلية الاولى، إلَى حيث تعيش هي بملوكها وامرائها ودعاتها ووهابيتها البغيضة.

ربما افلحت المملكة في إرجاع اليمن إلَى تلك الحقبات، لكنه ارجاع من ناحية عمرانية فقط، لان الشعب اليمني شعب مثقف ومتعلم ومتمسك بحضارة العقل والعلم، ولا يمكن لعقول ظلامية وهابية أَن ترجعه إلَى عصور خلت، ولا يمكن لعائلة بائدة مصيرها البوار ومزابل التأريخ أَن تغيّر من طبيعة الشعب اليمني المتحفز للاستنارة دائماً.

نعم ما بين اليمن وإيْــرَان أشياء كثيرة، فرغم الاختلاف الطائفي بين الطرفين، فان المشتركات أَكْثَر واقوى من الاختلافات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أَن ما يحرك اليمن وإيْــرَان هو أقوى من الطائفية والمذهبية والتفرقة، فلا غرابة أَن يفقد آل سعود عقولهم، فهي عقول لم تعرف يوماً إلّا التحجر والتفرقة والفتن. إنهم صناع الكراهية بامتياز.

* موقع العهد الإخباري

You might also like