لا صورةَ انتصار في اليمن: ترامب يتسلّح بالأوهام
متابعات..| تقرير*
«كدنا نقول إن الحقيقة أصبحت غيورة من الخيال، وإنّ الواقع أصبح غيوراً من الصورة» – الفيلسوف الفرنسي جان بورديار.
****
لطالما فشلت الولايات المتحدة، طوال فترة عدوانها على اليمن، في خلق «صورة» يمكن أن ترتكز عليها في حربها الدعائية والنفسية، كما في تعزيز معادلات ردعها – إن كانت الأخيرة موجودة فعلاً -، في وجه عدو «غير مرئي» يتخفّى في التضاريس والتشعّبات، ويستفيد من تكنولوجيا الاستخدام المزدوج، للتصدي باستمرار لأي عدوان يواجهه. وعليه، اكتفت «القيادة الوسطى الأميركية»، خلال جولتي الحرب على اليمن، بنشر مقاطع فيديو، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، للطائرات الأميركية وهي تقلع من حاملات الطائرات في عرض البحر، لاستهداف الأراضي اليمنية، ما جعل العدوان الأميركي، وقبله الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي، وقبلهما السعودي، تفتقر كلها ولو إلى صورة رمزية توحي بالانتصار والسيطرة والتفوّق، أو يمكن استخدامها كجزء من التكتيكات العسكرية والحرب النفسيّة وأرشيف المعارك المصوّرة في اليمن.
والواقع أن الحرب الإسرائيلية – الأميركية على قوات صنعاء والمقاومة في غزة شكّلت علامة فارقة، ولا سيما في ما يتعلق بمعركة السردية، بعدما «احتكرت» واشنطن وتل أبيب هذه الأخيرة، لعقود، مستفيدتَين من «إمبراطورية» إعلامية ضخمة، تتولى، عادة، الترويج لـ«انتصارات» جيوشهما على «قوى الشر»، بهدف إحلال «الخير والسلام». إلا أنه بعد ثلاثة أسابيع من إعلانه بدء هجوم أميركي واسع على اليمن، تصوّر ترامب، أخيراً، أنه استطاع «تقديم» الصورة المنتظرة لـ«معجبيه»، من خلال نشر مقطع فيديو يظهر استهداف تجمع على الأراضي اليمنية، قبل أن يتضح أن المستهدَف هو مجرد تجمع قبلي تقليدي بالقرب من الحديدة.
وعلى الرغم من تبجّح الرئيس الأميركي بالمقطع، وكأنه وجد «ضالته» التي ستثبت، أخيراً، أن غاراته على اليمن تنجح في استهداف مواقع عسكرية، فقد بدا واضحاً، بالنسبة إلى المشاهد العادي حتى، أنّ من استُهدفوا كانوا من المدنيين الذين يشاركون في مناسبة عيدية، وفي موقع مخصّص للمدنيين.
تشير التقديرات إلى النتائج المحدودة جداً للضربات الجوية على اليمن وتكلفتها الباهظة
على أنّ الخطوة الأخيرة غير نابعة من مجرد «سوء تقدير» من جانب ترامب، بل إن الأخير، على الأرجح، على اضطلاع على التقارير والاستنتاجات التي خلصت إليها وكالات الاستخبارات ووزارة الدفاع، والتي تولّت شبكة «سي أن أن» الأميركية، أخيراً، نشر جزء منها. وتشير التقديرات المشار إليها، بوضوح، إلى «النتائج المحدودة جداً للضربات الجوية على اليمن وتكلفتها الباهظة»، والتي لطالما عارضها ترامب نفسه. أما في الكونغرس، فهناك «من ينتظر الرئيس الأميركي ليسأله عن حقيقة وجود استراتيجية للتعامل مع الأزمة في البحر الأحمر، وما إذا كان الحل الفعلي يكمن في اليمن أم في قطاع غزة»، فيما يحتمل البعض أن تكون الإدارة الأميركية في طور تمهيد الطريق لطلب المزيد من الأموال لاستكمال عدوان، يقرّ الخبراء وكثير من أعضاء الكونغرس بأنه «ليس ذا جدوى».
وإزاء ذلك، يأتي مقطع الفيديو الأخير الذي يزعم استهداف مقاتلين «كانوا يخططون للزحف إلى البحر الأحمر» طبقاً لترامب، كمحاولة للإيحاء بأنّ الأخير يمتلك أجوبة على الأسئلة المشار إليها. على أنّ تلك المحاولة قوبلت بمزيج من السخرية والازدراء، ليس لدى الشعب اليمني والعربي فحسب، بل في أوساط الخبراء وحلفاء الرئيس الأميركي والمقرّبين منه حتى.
وفي مقابل تعثّر السردية الأميركية، فإن «فيديو ترامب» يأتي في وقت لا يزال فيه المقطع المصوّر للمواطن اليمني، وهو جالس في بقالته إبان استهداف منطقة تبعد عنه أمتاراً قليلة بأربع غارات متتالية، يتصدّر وسائل التواصل الاجتماعي منذ عشرة أيام على التوالي، ولا سيما أن الرجل أدهش العالم بشجاعته، بعدما حافظ على ثباته، محاولاً تهدئة طفله، غير آبه بالقنابل التي تسقط بالقرب منه.
إلى ذلك، وفي محاولة على ما يبدو لتحقيق نتائج فعلية على أرض المعركة، كشف موقع «War Zone» العسكري الأميركي، الثلاثاء، عن استخدام واشنطن قنابل «ارتجاجية فتّاكة» لأول مرة في حربها ضدّ «أنصار الله»، من بينها القنبلة الانزلاقية «StormBreaker GBU-53/B»، باستخدام طائرات «أف -18»، وقنبلة «AGM-154»، ذات سلاح المواجهة المشتركة «JSOW»، جنباً إلى جنب الصواريخ المضادة للإشعاع وذخائر «الهجوم المباشر المشتركة» (JDAM).