زحمةُ مِلفات.. تحت ظلال «الارتجال»: نتنياهو في واشنطن اليوم
متابعات..| تقرير*
في زيارة «استثنائية» في توقيتها ومضمونها، يصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، اليوم، تلبيةً لدعوة مباشرة تلقّاها من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولم يسبق الزيارة المفاجئة، أيّ تنسيق بين الجانبَين، بل جاءت بناءً على قرار من الجانب الأميركي، وذلك بعدما أثار نتنياهو قضيّة التعرفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على إسرائيل، وطالب بإيجاد حلول تخفّف من تداعياتها السلبية المحتملة على الاقتصاد الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن العنوان المعلن للزيارة يتمحور حول قضية التعرفات، إلا أن لقاء نتنياهو – ترامب يمثّل فرصة لبحث عدد من الملفات الإقليمية التي تهمّ الجانبين، ولا سيما الملف الإيراني، والحرب المستمرة في قطاع غزة واستتباعاً أزمة الأسرى، كما الجهود الرامية إلى تحقيق تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السعودية، بالإضافة إلى الخلافات الإسرائيلية – التركية في سياق تدخُّل الطرَفين في الساحة السورية، وتضارب المصالح والنفوذ بينهما هناك.
وكانت إسرائيل واحدة من بين 60 جهة استهدفتها الرسوم الجمركية الأميركية، على رغم استباقها الحدث بالإعلان عن خفض الرسوم الجمركية إلى الصفر على السلع المستوردة من الولايات المتحدة. ومع ذلك، مضى ترامب قدماً في فرض رسوم جمركية بنسبة 17% على المنتجات الإسرائيلية، مشيراً إلى العجز التجاري الكبير بين البلدين، باعتباره السبب الرئيسي وراء قراره؛ علماً أن البيانات تُظهر أن إسرائيل تصدّر إلى الولايات المتحدة بقيمة تفوق بكثير ما تستورده منها. وعلى رغم ما تقدّم، فقد كان في الإمكان حلّ قضية التعرفات عن طريق وفود متخصّصة ومستويات دنيا، خصوصاً أنها كانت بالفعل محلّ بحث بين الجانبين. لكن، يَظهر أن نتنياهو وترامب وجدا في القضية الآنفة، فرصة لتعزيز مصالحهما الشخصية والسياسية، على المستويَين الداخلي أو الخارجي.
وسيسعى نتنياهو إلى الاستفادة من زيارته الأميركية، خصوصاً لجهة تعزيز موقفه أمام الضغوط الداخلية، وذلك في ظلّ استمرار محاكمته بتهم الفساد والرشى، ومواجهته تداعيات قضيّة «قطر غايت»، وأيضاً استمرار اعتقال مستشارَيه بسببها، ما ألقى بظلاله على أدائه السياسي والأمني. ومن جهة أخرى، يبدو أن الرئيس الأميركي نفسه يريد استخدام اللقاء لإظهار قوته في السياسة الخارجية، وتعدُّد خياراته فيها، بعد انتقادات واتهامات وتهديدات، تلقّاها بفعل مسألة التعرفات الجمركية.
يبدو أن هناك توافقاً إسرائيلياً – أميركياً على زيادة الضغوط الاقتصادية والتهديدات العسكرية على طهران
أيضاً، تأتي الزيارة في توقيت بالغ الحساسية داخلياً، حيث سيضطر نتنياهو إلى طلب تأجيل جلسات محاكمته المقرّرة هذا الأسبوع، والتي تُعدّ محور ضغط كبير عليه في الساحة الداخلية، إذ ومن خلال هذه الخطوة، يمكنه تظهير ما كان يشير إليه في شأن الاستهداف الشخصي له من جانب القضاة، واعتباره المحاكمة «أداة» لكبح قدرته على تحقيق أمن إسرائيل ومصالحها؛ علماً أنه كان يجادل بأن استمرار الجلسات شبه اليومية يمنعه من التركيز على دوره الأساسي كرئيس للحكومة، وأن الهجمات القضائية تعرقل عمله السياسي والتنفيذي.
وفي السياق نفسه، ستؤدي الزيارة إلى تعديل جدول أعمال وزير الأمن الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الذي كان يخطّط بدوره لزيارة واشنطن هذا الأسبوع ضمن «خطط استراتيجية» لتعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة. ويبدو أن تأجيل زيارة كاتس تقرّر إلى ما بعد عيد الفصح اليهودي، أي بعد منتصف نيسان الجاري، على خلفية التزام نتنياهو بالحضور المفاجئ إلى البيت الأبيض. ويفترض أن تكون زيارة زعيم «الليكود» مثمرة في اتجاهَين رئيسيَّين: تعزيز العلاقات العامة، وتظهير القدرات والمكاسب الشخصية، وهو ما يسعى إليه كلا الزعيمين الإسرائيلي والأميركي لدعم موقفيهما أمام الضغوط الداخلية والخارجية. كما يُتوقع أن تسهم في إيجاد حلول مناسبة للتعرفات الجمركية التي بدأت تلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي.
أمّا في ما يتّصل بالقضايا الإقليمية الكبرى، فستشهد زيارة نتنياهو تأكيداً إضافياً لاستمرار التنسيق بين الجانبين، مع التركيز على مطالبة إسرائيل بصفقة شاملة تشمل نزع السلاح في قطاع غزة وإنهاء سيطرة «حماس» فيه. وثمة تساؤلات حول ما إذا كان ترامب، هذه المرّة أيضاً، سيعيد طرح خطّته القاضية بتهجير الفلسطينيين، وإنْ كان يُتوقّع وجود مقترحات أميركية جديدة لكسر الجمود الحالي، وهو ما قد يكون له تأثير كبير في مسار الحرب والمفاوضات المستقبلية في غزة.
وبالنسبة إلى الملف الإيراني، يبدو أن هناك توافقاً إسرائيلياً – أميركياً على تكثيف الضغوط الاقتصادية والتهديدات العسكرية بوجه طهران، بهدف إجبارها على وقف برنامجها النووي، فيما تأمل تل أبيب في العمل على تغيير النظام في الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يُعتبر من السقوف العالية جداً. وإذا ما تمّ فتح باب المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة بين واشنطن وطهران، سيطلب نتنياهو أن تكون تل أبيب شريكاً رئيسياً في صوغ الشروط والمطالب، بما يشمل أيضاً قضايا من مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ودعم إيران لحلفائها ولا سيما في الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى التطبيع مع الجانب السعودي، فسيسعى «بيبي» إلى التأكيد من جديد، أن أيّ اتفاق أمني ثنائي أميركي – سعودي، لن يستثني إسرائيل كطرف ثالث رئيسي فيه، علماً أن ملف التطبيع برمّته، مرتبط بغيره من الملفات الإقليمية، ويأتي نتيجة وليس استباقاً لها.
على أيّ حال، ونتيجةً للطابع المفاجئ للزيارة، وتعقيد ملفّاتها من غير الاقتصادية والتعرفات الجمركية، يُتوقّع أن يعمد الجانبان إلى تأكيد ما هو قائم، لكن من دون تحقيق اختراق ملموس في أيّ منها، بل إن الطروحات التي يمكن أن يدلي بها ترامب، ارتجالياً كما عادته، ستظلّ محلّ تساؤل كبير، خاصة إذا كانت تتطلّب تنسيقاً مسبقاً على مستوى الخبراء والمستشارين لوضع مسارات حلول واقعية.