كل ما يجري من حولك

نتنياهو أمامَ أصعب امتحاناته: «قطر غايت» تخضّ “إسرائيل”

26

متابعات..| تقرير*

أعادت «الأزمة القطرية»، التي تفجّرت على خلفية الأموال التي كانت تُرسلها الدوحة إلى قطاع غزة قبل عملية «طوفان الأقصى»، إشعال فتيل التوتّرات الداخلية الإسرائيلية.

وكشفت الأزمة التي يُطلِق عليها الإعلام العبري «قطر غايت»، عن واقع معقّد ومتشابك من العلاقات المشبوهة – التي تُعدّ جرْمية وفق القانون الإسرائيلي -؛ إذ تحوم شبهات حول تلقّي مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومستشاريه المقرّبين، أموالاً من قطر لتحقيق مكاسب سياسية، عبر استخدام نفوذهم لتحسين صورة الدوحة داخل إسرائيل وخارجها، وتسهيل مرور الأموال إلى حركة «حماس»، التي استخدمتها في التهيئة لعملية السابع من أكتوبر، وفق ما يجري تداوله.

وتثير الاتهامات المتقدّمة، تساؤلات جدّية حول تداعياتها على مستقبل نتنياهو وائتلافه الحكومي؛ إذ في حال ثبوت تورّطه أو تورّط مقرّبين به، فإن تداعيات ذلك ستكون كارثية عليه، وصولاً ربما إلى حدّ إصدار اتهام جرمي بحقّه، وهو ما يفسّر مباشرةَ رئيس الحكومة ومركبات ائتلافه، الإجراءات «العقابية»، ولا سيما لجهة إقالة كبار المسؤولين الإسرائيليين، ممَّن قرّروا بدء التحقيقات، ومن بينهم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف-ميارا. وعلى خلفية هذه الخطوات، استعادت الاحتجاجات زخمها، مع اتهام المؤسسة السياسية بربْط الحرب ومصير الأسرى الإسرائيليين، بمصالحها الخاصة.

وجاءت قضية «قطر غايت» في توقيت حسّاس بالنسبة إلى نتنياهو، الذي يواجه أيضاً اتهامات فساد وتلقّي رشى في قضايا أخرى، وإنْ كان للقضية الأحدث وقْع مغاير كونها تتّصل بعناوين واسعة التأثير على الجمهور الإسرائيلي، على رأسها الفشل في التصدّي لـ«حماس» إبّان أحداث تشرين الأول، بعدما تمكّنت الحركة من تطوير قدراتها وعناصر مفاجأتها للأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في تل أبيب، جزئياً بفضل الأموال التي كانت تصل من قطر إلى القطاع، برضى المستوى السياسي الإسرائيلي ودفع منه.

وتُمثّل تلك القضية واحدة من أدوات الحرب السياسية القائمة بين نتنياهو ومؤيّديه من جهة، وبين معارضيه على اختلافهم من جهة ثانية، سواء من داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها، أو من خارجها. لكنّ التهمة، هذه المرّة، ثقيلة جداً؛ ذلك أن ثبوت تورّط رئيس الحكومة أو مستشاريه في «الفضيحة»، من شأنه أن يؤدّي إلى انهيار حكومته، أو حتى إلى تقديم لائحة اتهام من «العيار الثقيل» ضدّه.

وجدت المعارضة في «قطر غايت» مبتغاها، وقد بدأت بالفعل في استخدام هذا الملف كأداة ضغط ووسيلة للهجوم السياسي

وعلى هذه الخلفية تحديداً، بدأت المعركة السياسية الأخيرة، مع لجوء خصوم نتنياهو إلى استخدام القضية القطرية للإضرار به، وتمهيد الطريق أمام مسار إسقاطه عبر القضاء و«كشف المستور» ومنعه من المضيّ قُدماً في طمس الحقائق، وتظهير دوره في الفشل الأمني في مواجهة «حماس»، فيما يعمل هو ومؤيّدوه على «تبسيط» القضية وحصْرها في إطار السجالات والمكائد السياسية من قبل خصومه، «الذين لا يرون إلّا هدفاً واحداً لهم، هو إسقاط نتنياهو لمصالح شخصية ضيّقة».

ويقول زعيم «الليكود» إن التحقيقات بدأت بعدما طلب من «الشاباك» ورئيسه تقريراً يفنّد الإخفاق الأمني في السابع من أكتوبر، لكنّ الوقائع تشير إلى خلاف ما تقدّم؛ إذ إن التحقيقات بدأت بالفعل قبل أن يفتعل نتنياهو دفاعه عن نفسه، والذي وصل إلى حدّ اتهامه المستشارة القضائية للحكومة، بتسهيل عملية بدء التحقيق.

أمّا الجمهور الإسرائيلي الذي كان مشبعاً بالدوافع للنزول إلى الشارع على خلفية استئناف الحرب لأسباب يراها سياسية، وتهدف إلى تحقيق مصالح شخصية لنتنياهو وشركائه، فاندفع بقوة أكبر إلى الاحتجاج على «قطر غايت»، علماً أن استدامة الحَراك وتعاظُم تأثيره، لا يزالان موضع شكّ.

ويواجه نتنياهو مأزقاً كبيراً في دفاعه عن نفسه، إذ لا يستطيع اتهام «الشاباك»، الذي يقود التحقيق في «الفضيحة القطرية»، بأنه جزء من قرار السماح بدخول الأموال القطرية إلى غزة، وأنه هو الذي سهّل هذه العمليات.

فمنذ عام 2018، حذّر الجهاز مراراً من استخدام تلك الأموال في تمويل أنشطة «حماس»، وعارض بشدّة سياسة إدخالها من دون رقابة مشدّدة. وعلى الجانب الآخر، كانت الاستخبارات العسكرية (أمان)، تبدي موقفاً مختلفاً، إذ دافعت في البداية عن سياسة السماح بدخول تلك الأموال، ورأت أن من شأنها أن تسهم في تحقيق التهدئة في غزة.

لكن مع مرور الوقت، وبعد الكشف عن أن «حماس» كانت تستولي على جزء كبير منها، انضمّ الجيش إلى تحذيرات «الشاباك»، في معارضة مواصلة سياسة الحكومة.

ومع ذلك، لم يؤدِّ الإجماع الأمني إلى تغيير موقف نتنياهو، الذي استمرّ في تبنّي السياسة نفسها، بناءً على «نصائح» مستشاريه، المتّهمين اليوم بتلقّي أموال قطرية.

على أن أزمة «قطر غايت» ليست مجرّد فضيحة سياسية عابرة، بل قضية مفصلية يحتمل أن تؤدّي إلى تداعيات أوسع وأشمل تتعلّق بهوية «الدولة» الإسرائيلية ونظامها السياسي وانقساماتها المجتمعية والقدرة على تغليب أجندات بعض شرائحها ومركباتها على بعضها الآخر.

كذلك، كشفت القضية عن شكوك عميقة حيال نزاهة القيادة السياسية، ما قد يؤدّي إلى تآكل الثقة العامة بالمؤسسات السياسية لدى شرائح واسعة ومهمّة في التركيبة الاجتماعية والسياسية الإسرائيلية.

وفي المقابل، قد تولّد هذه القضية ردود فعل متناقضة لدى شرائح أخرى، ترى نفسها مستهدفة من قِبَل أقرانها، وتعتقد بأن هذه الاتهامات تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية على حساب جهودها الرامية إلى تعزيز الأمن الإسرائيلي؛ وهو بالضبط ما يسعى إليه نتنياهو، في ظلّ محاولته تصوير نفسه كبطل يواجه «مؤامرة من الدولة العميقة» تستهدف النيل من مكانته وزعزعة الاستقرار السياسي والأمني لإسرائيل.

أمّا المعارضة الإسرائيلية، التي كانت تبحث عن نقاط ضغط لتعزيز موقفها في مواجهة نتنياهو وحكومته، فوجدت في «قطر غايت» مبتغاها، وهي بدأت بالفعل في استخدام هذا الملف كأداة ضغط ووسيلة للهجوم السياسي، ساعيةً إلى تصوير رئيس الحكومة ومستشاريه على أنهم متورّطون في ممارسات مشبوهة تهدّد «الأمن القومي» الإسرائيلي.

لكن هل سيُتّهم نتنياهو ومستشاروه؟ وهل تقدّم لائحة اتهام جنائية بحقّه، أم أن المعركة الداخلية الحالية ستؤدّي إلى نتيجة مشابهة لاتهامات الماضي المتعلقة بالفساد والرشى، أي التسويف والمماطلة وكسب الوقت إلى أمد غير معلوم؟

ربّما تكون الأمور مختلفة هذه المرّة، ذلك أن القضية القطرية «دسمة» للغاية، فيما تداعياتها أكثر خطورة وتهدّد استقرار النظام السياسي. ومع هذا، لا تزال الأوراق والمبادرات والألعاب السياسية والمكائد، فضلاً عن العلاقات العامة، تميل لمصلحة نتنياهو.

وعلى أي حال، ثمّة مجموعة فرضيات يمكن ترجيحها، ومن بينها – وهو الأكثر ترجيحاً وفقاً للمعطيات الحالية -، أنه حتى لو أثبتت التحقيقات وجود تضارب مصالح أو استغلال نفوذ، فإنه لا يُستبعد أن تحاول الأحزاب السياسية في الحكومة التوصّل إلى تسوية ما لتجنّب الانهيار الكامل للنظام السياسي، الذي سيواجه بلا شكّ تداعيات ثقيلة نتيجة هذه المعركة. وقد تتضمّن تلك التسوية المحتملة إقالة بعض المستشارين المتورّطين، وتقديمهم ككبش فداء لمسؤوليهم.

على أن أهمّ ما يميّز تداعيات «قطر غايت»، خاصة إذا تفاقمت وفرضت نفسها على رأس جدول الأعمال الإسرائيلي، هو تأثيرها المباشر وغير المباشر على قرار الحرب في غزة. ذلك أنها قد تكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث المقبلة، سواء بالدفع نحو تصعيد الخيارات العسكرية أو فتح الطريق إلى التهدئة.

* الأخبار
You might also like