“إسرائيل” إلى الدوامة… مجدّداً: حروب غزة تزداد «زمناً وفتكاً»
متابعات..| تقرير*
يدأب مسؤولو الاحتلال، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل حيّز التنفيذ، في كانون الثاني الماضي، على التأكيد أنّهم تلقّوا «تطمينات» بأنّ الولايات المتحدة ستدعم أي قرار مستقبلي يتخذونه بالعودة إلى الحرب، فيما كان العديد من المراقبين يحذّرون، منذ اللحظة الأولى، من أنّه فور انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، فإنّ استئناف القتال قد يكون مسألة وقت لا أكثر. وبرز ذلك في ظل تراجع حظوظ التوصل إلى أي «تسوية سلمية» في عهد حكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة، والتي بدا جلياً أنها لن تقف «مكتوفة الأيدي» أمام «إعادة تشكيل (حماس) لنفسها»، ما يخاطر بجعل تلك الحكومة «عالقة» في الدوامة نفسها إلى أجل غير مسمى.
وبالفعل، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول إسرائيلي قوله، أمس، إن دونالد ترامب «أعطى إسرائيل الضوء الأخضر» لاستئناف الهجمات على «حماس»، عقب «رفض الأخيرة الإفراج عن الرهائن»، وإنّ تل أبيب أبلغت واشنطن قبل بدء العملية، ليعلن مسؤولون أميركيون، لاحقاً، تأييدهم عودة الحرب، محمّلين المقاومة المسؤولية عن هذا الواقع.
وعلى الرغم من الدعوات الغربية والإسرائيلية المتزايدة، في الفترة الأخيرة – ولا سيما في أوساط عائلات الأسرى المحتجزين لدى «حماس»، ومحلّلي الحرب الذين لمسوا عجزاً إسرائيلياً عن استثمار «الإبادات» سياسياً -، حول ضرورة استئناف العمل بوقف إطلاق النار، والقبول بالمقترح المصري ودعم المساعي العربية لتحديد شكل الحكم وإعادة الإعمار في غزة، يبدو أنّ حكومة الاحتلال، ومن خلفها واشنطن، قرّرتا، في المقابل، العودة إلى استراتيجية القتل الجماعي، والتي تهدف، على الأرجح، إلى الضغط على «حماس»، وإجبارها على القبول بالشروط الإسرائيلية، جنباً إلى جنب تجنيب نتنياهو خطر انهيار حكومته وحياته السياسية.
وإذ يبدو من غير المرجّح أن تتيح الاعتداءات الأخيرة، خلال الأيام القادمة، لإسرائيل تحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه خلال أكثر من سنة من الإبادات الجماعية، إلا أنّها تكشف مدى صعوبة، أو ربما استحالة، التوصل إلى أي تسوية دائمة بين المقاومة والحكومة الإسرائيلية الحالية. وفي السياق، أوردت صحيفة «فورين بوليسي»، الشهر الجاري، تقريراً جاء فيه أنّ المسار الحالي للأحداث في غزة يجعل السؤال المطروح حالياً هو ليس ما إذا كانت الحرب ستقع، «بل متى ستقع»، وأنّ ما يجعل المشهد أكثر كآبةً، هو أنّ «الحروب في غزة تصبح، مع الوقت، أطول وأكثر فتكاً، ما يجعل من المحتمل أن تكون الحرب القادمة أسوأ من الحالية».
تكشف عودة القتال استحالة التوصل إلى أي تسوية دائمة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية
واللافت، أنّ أصحاب هذا الرأي يجادلون بأنّ العودة إلى القتال ستكون مدفوعة بعدم قدرة الحرب نفسها، في وقت سابق، على تحقيق أهداف إسرائيل؛ إذ إنّه طبقاً للظروف الراهنة، «فمن المرجّح أن تعيد (حماس) بناء نفسها»، بعدما فشلت إسرائيل في القضاء عليها كـ»منظمة»، على الرغم من الخسائر التي ألحقتها بمقاتليها وقادتها، وهو ما انعكس خلال مشاركة الحركة في مفاوضات الدوحة، وتحديد الأسرى الذين تريد إطلاق سراحهم، بالإضافة إلى التنظيم العالي الذي أظهرته خلال تسليمهم، ما يظهر أنّ منظومة قيادة «حماس» لا تزال «سليمة». ويردف التقرير أنّه مع استمرار وقف إطلاق النار، وتجديد حرية التنقل في القطاع، فإنّ أي «ثغرات في سلسلة القيادة سيتم ترميمها».
وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدّم، وفي حين أنّ آلاف المقاتلين الجدد الذين استقطبتهم «حماس»، خلال فترة الحرب، ربما لا يتمتعون بـ»خبرة» أسلافهم، إلا أنّه بالإمكان تعويض النقص المشار إليه من خلال الأسرى الفلسطينيين الذين أطلقت إسرائيل سراحهم كجزء من اتفاق التبادل، وسط تقديرات تشير إلى أنّ «مئات المقاتلين المتشدّدين منهم كحد أدنى، قد ينضمون إلى الحركة». ويضاف إلى ذلك، أنّ القيود الصارمة على المواد التي تدخل إلى غزة لن تكون كافية لمنع «حماس» التي تمتلك «شبكة أنفاق» هائلة، من التسلح، أو اللجوء حتى إلى «تهريب الأسلحة».
وفي أعقاب إعادة البناء العسكري، وفي حال تمكّنت «حماس» من العودة، ببطء، إلى السلطة في القطاع، فإنّ «فرصة التوصل إلى تسوية سياسية دائمة ستظل شبه معدومة». ومن جملة الثغرات الأخرى التي تعقّد «مسار السلام» أيضاً، أنّه وفي حين أن معظم الإسرائيليين يفضّلون استكمال المرحلة الثانية من الصفقة، إلا أنّ نسبة مئوية مماثلة منهم تعارض، في الوقت عينه، أي شكل من أشكال «حل الدولتين»، وتشكّك في إمكانية تحقيق أي «سلام دائم».
وبصورة أعمّ، وبعدما اضطرت إسرائيل، التي وضعت هدف «القضاء على (حماس)» على لائحة أهدافها قبل بدئها حرب الإبادة الجماعية على القطاع، إلى الاعتراف بـ»شرعية» الحركة خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، فإنّ المخاطرة بالقيام بالمثل، خلال المرحلة الثانية، والتي تُعتبر حاسمة في ما يتعلق بتحديد مستقبل الحكم في القطاع، ستؤدي، على الأغلب، إلى انهيار تحالف نتنياهو، وتسعير الانقسام والفوضى في الداخل الإسرائيلي. وعليه، ستحاول حكومة الاحتلال، طبقاً لمراقبين، على الأرجح «الهروب إلى الأمام»، واستكمال حرب أثبتت، منذ أشهر طويلة، أنّ «تكلفتها تفوق عائداتها».