«القوة المميتة» ليست عصا سحرية: أمريكا تضع قدمَيها على الأرض
متابعات..| تقرير*
رافقت الضرباتِ الجوية على اليمن حملةٌ إعلامية ودعائية اعتُمد فيها التهويل والتضخيم، ليس فقط بوجه حركة «أنصار الله»، بل وأيضاً ضد إيران وحركة «حماس». وهي حملة هدفت إلى إخضاع هؤلاء الأطراف، بالادعاء أن الرئيس دونالد ترامب مختلف عن سابقيه، وأن حلفاء واشنطن وخصومها في العالم أصبحوا طوع بنانه، ولم يبقَ من «متمردين» في وجهه إلا أولئك الذين سيتعين عليهم الرضوخ له، تحت طائلة مواجهة ما عاشه اليمن في تلك الليلة العاصفة.
وفي هذا الإطار، لجأت أركان الإدارة الأميركية إلى استخدام عبارات يكاد يعتقد متلقّوها للوهلة الأولى أن ما يجري هو حرب عالمية ثالثة بقيادة واشنطن، إذ قال وزير الدفاع، بيت هيغسيث، إن بلاده تقاتل عن العالم أجمع وتشنّ ضربات «لا هوادة فيها» على «أنصار الله»، إلى حين وقف الحركة عملياتها العسكرية التي تستهدف المصالح الأميركية، وحركة الشحن العالمي في البحر الأحمر وعلى المنوال نفسه، قال ترامب في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «زمن الحوثيين انتهى، ويجب أن تتوقّف هجماتهم. سنستخدم القوة الساحقة المميتة. سنُمطرهم بالجحيم».
أما وسائل الإعلام الأميركية، فتحدّثت عن ضخامة الانفجارات والقوة التدميرية للقنابل التي رُميت على صنعاء وبقية المحافظات، ونقلت عن وسائل إعلام محلية وصف حالة الخوف التي شعر بها بعض سكان العاصمة، متجاهلةً، كعادتها، الأعداد الكبيرة للضحايا المدنيين. وفي محاولة لإكساب الهجوم قيمة عسكرية، بدأت تلك الوسائل باستعادة الدور الاستخباري، متحدثةً عن أن «تنظيم وتخطيط حملة ضربات أوسع نطاقاً، استغرقا وقتاً طويلاً، إذ كان على الولايات المتحدة جمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة»، في حين ٲظهرت صور رسمية للبيت الأبيض، الرئيس وهو يرتدي قميص غولف يحمل علامة ترامب التجارية، ويشاهد الضربات الجوية على شاشة عرض تم تحديدها بأنها في فلوريدا.
كما كشف الإعلام الأميركي أن الضربات على اليمن تأتي بعد أن خفّف البيت الأبيض القيود المفروضة في عهد جو بايدن على صلاحية القادة العسكريين في تنفيذ غارات جوية على أهداف مسلحة، مشيراً إلى أنه أصبح في إمكان القادة في الشرق الأوسط وأفريقيا الآن شنّ هجمات في أي مكان يرونه مناسباً، من دون الحاجة إلى موافقة البيت الأبيض.
تل أبيب تشكّك في قدرة واشنطن على الحسم بالضربات الجوية
على أن القيّمين على هذه الدعاية، اضطروا إلى الكشف عما كان مضمراً في السابق، من أن تجارة الولايات المتحدة تضرّرت من جراء عمليات «أنصار الله»، وهو ما يُعترف به للمرة الأولى، ويُعتقد أن هدفه تبرير اضطرار الإدارة الحالية إلى المعالجة العسكرية للوضع في اليمن، بعد أن وعد ترامب في حملته الانتخابية بأن إدارته ستوقف الحروب في العالم. وفي هذا الإطار، كشف تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية عام 2024، كيف انخفض شحن الحاويات عبر البحر الأحمر بشكل حاد بسبب الهجمات اليمنية؛ إذ كان عدد السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر سنوياً – قبل فتح جبهة الإسناد – يبلغ 25 ألف سفينة، في حين انخفض حالياً إلى نحو 10 آلاف سفينة سنوياً.
واعترف التقرير بأنه تمت إعادة توجيه واردات السلع الاستهلاكية والسيارات إلى الولايات المتحدة، وكذلك الصادرات الزراعية من خليج أميركا، بسبب تلك الهجمات.
على أنه لم يمضِ وقت طويل حتى تغيرت اللهجة التهويلية للإعلام والمسؤولين الأميركيين، بعد أن تأكدوا من أن الضربات الجوية ليست كافية، وأن «ديبلوماسية القوة» لا تنفع في الحالة اليمنية. ذلك أن «أنصار الله»، وإن لحقت بها أضرار تُعتبر بموازين الحرب جانبية، إلا أن استفادتها من العدوان الأميركي أكبر من حيث إنتاج السلاح وتطويره، فضلاً عن مردود تمسّكها بالمبادئ العليا لليمن نصرة للقضية الفلسطينية، والتي عبّر عنها غير مرّة قائد الحركة، السيد عبد الملك الحوثي.
والواقع أن ما حدث لم يبدُ منسجماً مع الإستراتيجية الأميركية المعلنة، بحسب تقديرات الخبراء؛ إذ إن ترامب، وإن أعدّ نفسه لضربات قد تستمر لأسابيع، إلا أنه لا يرغب في مسار طويل من التصعيد. وعليه، يرى الخبراء في تضخيم العملية محاولة لثني اليمن عن قراره استهداف السفن الإسرائيلية، إن لم يتراجع العدو عن حصار غزة.
وعلى المقلب الإسرائيلي، بدت النظرة أكثر واقعية من تلك السائدة في واشنطن؛ إذ إن عدداً من الوسائل الإعلامية المهمة نشرت تقارير عن الخشية من استهداف المدن الإسرائيلية، وشكّكت في الوقت نفسه في قدرة واشنطن على الحسم بواسطة الضربات الجوية. ونقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عن مصدر في حكومة عدن قوله «إننا طالبنا في السابق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بمهاجمة ميليشيا الحوثي الإرهابية ودعم القوات المسلحة الجنوبية وتزويدها بالأسلحة المتطورة»، مشيراً إلى أن القوات التابعة لتلك الحكومة «هي القادرة على سحق الإرهاب في المنطقة وكانت أول من هزمه».
وأوضح المصدر أن «موجة الهجمات الأميركية الحالية تختلف من حيث القوة ومن حيث رغبة إدارة ترامب في القضاء على الحوثيين وأذرع إيران»، مستدركاً بأن «من الحقائق العسكرية المعروفة أن الضربات الجوية وحدها، من دون تدخّل بري، لا تحسم أي معركة. ولهذا نقول إن دعم القوات الجنوبية المتمرسة في محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها ميليشيا الحوثي الإرهابية، هو الحل الأمثل والقرار الأصح».
ومن جانبه، اعتبر موقع «كالكاليست» العبري أن «العمل العسكري الأميركي يجب أن يقترن أيضاً باتصالات ديبلوماسية مع الصين وروسيا، اللتين لا تمانعان التعامل مع الحوثيين، ما يزيد الضغوط على الدول التي تساعد في تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وفي مقدمتها إيران وسلطنة عمان التي قدمت رعايتها للمنظمة المتطرفة». كما شدد الموقع على ضرورة «تعزيز دفاعات الحلفاء المقرّبين من الولايات المتحدة في المنطقة، مع التركيز على السعودية والإمارات، فضلاً عن تعزيز العناصر المناهضة للحوثيين داخل اليمن».
* الأخبار