كل ما يجري من حولك

إنهاءُ المقاومة هدفاً واحداً: بين خطة ترامب والبديل المصري

28

متابعات..| تقرير*

تدمج الخطّة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة جوانب رئيسية من طموحات إسرائيل العسكرية، سواء لجهة تشريع التدمير الممنهج للأحياء الفلسطينية، أو لناحية التنازل عن 10% إضافية من أراضي القطاع، لتشكيل منطقة عازلة، وفق ما يشير إليه تحليل أجرته مجموعة «فورنزيك آركيتكتشر» (Forensic Architecture). والخطّة التي أُقرّت خلال القمّة العربية الاستثنائية التي عُقدت في القاهرة (4 آذار)، وجاءت لتحلّ محلّ مشروع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القاضي بتهجير فلسطينيّي غزة، تركّز خصوصاً على مسألتَي السلاح والحكم، بدلاً من إعادة إعمار البنية التحتية والوحدات السكنية المدمّرة، فضلاً عن تبنّيها توسيع الممرّات الأمنية الإسرائيلية على طول وادي غزة والحدود المصرية، ما من شأنه أن يُعزّز الانقسامات الداخلية، ويقيّد حركة المدنيين في القطاع. أيضاً، تتضمّن مسارات الغزو العسكري الـ13 التي أنشأتها إسرائيل، وتوسعتها في اتجاه البحر، بغرض تسهيل الاقتحامات الإسرائيلية المستقبلية.

وفيما يكشف التحليل عن الأهداف الرئيسية والخفيّة للخطّة، من مِثل تسهيل تدمير شبكة أنفاق غزة، وعزل حركة «حماس» والقضاء عليها، وإحكام السيطرة على ممرَّيْ «نيتساريم» و«فيلادلفيا»، فهو يشير إلى أنها لا تُعنى بمعالجة مسألتَيْ تداعيات الإبادة الجماعية واسترداد الممتلكات أو تحصيل التعويضات، والذي ينص عليه القانون الإنساني الدولي، ما يعني تجاهل القرار 194 الذي ينصّ على عودة اللاجئين واستردادهم ممتلكاتهم.

ولعلّ واحداً من الجوانب المُقلقة في الخطة، يتمثّل في إنشاء منطقة عازلة أوسع على طول حدود غزة، بمساحة إجمالية تبلغ 15% من مساحة القطاع، وهي المنطقة التي شَرَعت إسرائيل في هدمها بالفعل، بدءاً من تشرين الأول 2023؛ ويُتوقّع، على إثر تسويتها، أن تتحوّل أحياء مثل جباليا والشجاعية المُدمَّرة بالكامل إلى مناطق زراعية وصناعية. وفي هذا الجانب، يظهر الهدف الكامن وراء ما يبدو أنه مجرّد مشروع زراعي، وهو اقتطاع مساحة تبلغ نسبتها 10% من غزة، لمصلحة إسرائيل، في ما سيكون ثالث تقليص للمساحة الإجمالية للقطاع في التاريخ، منذ توقيع اتفاقية الهدنة مع مصر في الـ24 من شباط 1949.

تدعو الخطة المصرية، «حماس»، إلى تسليم السلطة لإدارة مؤقتة مؤلّفة من «اختصاصيّين فلسطينيين مستقلّين»

أما على المستوى الإنساني، فتُهمل مبادرة مصر، البالغة كلفتها 53 مليار دولار، بدءاً من مرحلة التعافي المبكر التي تنصّ عليها، كرامة الشهداء الفلسطينيين الذين قُتلوا ودُفنوا تحت الأنقاض، في ظلّ غياب آلية واضحة لتحديد أماكنهم وهوياتهم ودفنهم، وبروز مخاوف من أن الجرافات التي ستُزيل الأنقاض، ستُزيل بقايا الجثامين معها. وبحسب وكالة «رويترز»، فإن المهامّ الرئيسية للمرحلة الأولى التي تمتدّ على ستة أشهر، تشمل «إزالة الأنقاض من المحور المركزي (شارع صلاح الدين)، ومناطق أخرى في غزة، ونقلها إلى مواقع التجميع الساحلية».

ويثير تحليل «فورنزيك آركيتكتشر» أيضاً، مخاوف في شأن معسكرات الاعتقال «المؤقتة» و«الدائمة» المقترحة، والتي صُمّمت علناً كمناطق معرّضة للحصار والهجمات العسكرية المتكرّرة. وبالتالي، فإن الخطّة، ومن خلال التدابير «المؤقتة» التي تقترحها، وعلى رأسها الممرّات الأمنية والمسارات الـ13 للغزو البرّي (62 كيلومتراً مربعاً)، تُحاكي «صفقة القرن» التي طرحها ترامب، وصهره جاريد كوشنر (2020).

كذلك، يدعو المقترح المصري، «حماس»، إلى تسليم السلطة لإدارة مؤقتة مؤلّفة من «اختصاصيّين فلسطينيين مستقلّين»، ما يمهّد الطريق أمام تسلّم السلطة الفلسطينية الحُكم في مرحلة لاحقة. وعلى المستوى الأمني، تتعهّد مصر والأردن بتدريب ضباط الشرطة الفلسطينية لنشرهم في غزة، وهما حضّا مجلس الأمن الدولي على تفويض بعثة لحفظ السلام، للإشراف على الحُكم في القطاع طيلة فترة إعادة الإعمار الممتدّة على خمس سنوات.

وإلى كل ذلك، تُغفل الخطة تفاصيل جوهرية، أهمّها مصادر التمويل وتدابير المساءلة، والشرط الأساسي المتمثّل بعدم مكافأة الدول المتواطئة أو الصامتة على الإبادة الجماعية في غزة. وهي تُشير بشكل مبهم إلى «مصادر تمويل متنوّعة» – مثل وكالات الأمم المتحدة والبنوك الدولية والاستثمارات والمجتمع المدني – من دون ضمان الشفافية أو الآليات الإصلاحية بعد فشل جهود إعادة الإعمار السابقة. ولعلّ أحد أوجه القصور الأخرى، أيضاً، أن الخطّة لم تنصّ على الالتزام بقرارات وآراء محكمتَي «العدل» و«الجنائية» الدوليتَين.


خرائط الإبادة الجماعية

قدّم أحدث تقرير صادر عن «فورنزيك آركيتكتشر»، وهي وكالة أبحاث مقرّها غولدسميث – جامعة لندن، بعنوان «رسم خرائط الإبادة الجماعية»، تحليلاً مكانياً مفصّلاً لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة، منذ أكتوبر 2023. وتناول التقرير، الذي تمّ إعداده لصالح الإجراءات القانونية الخاصة بدعوى جنوب أفريقيا أمام «محكمة العدل الدولية»، مسائل التدمير الممنهج للبنية التحتية المدنية، وتهجير السكان، والدمار البيئي. وباستخدام قاعدة بيانات واسعة من الحوادث التي تم التحقُّق منها، حدّد الباحثون أنماطاً في الأعمال العسكرية التي تشير إلى استراتيجية متعمّدة ومنظّمة، بدلاً من الهجمات العشوائية.

ومن النتائج الرئيسية للتقرير: تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومرافق المياه؛ ففي الفترة الممتدّة بين تشرين الأول 2023 وتموز 2024، تعرّضت 57% من المرافق الصحية في غزة للهجوم، ودُمرت 18 منها بالكامل. وبالإضافة إلى ذلك، تعرّض أكثر من 75% من المرافق التعليمية و82% من المباني الحكومية و91% من مواقع التراث الثقافي للأضرار أو الطمس. وقد أثّر هذا الاستهداف الواسع النطاق للخدمات الأساسية، بشدّة، على قدرة المدنيين على الوصول إلى الرعاية الصحية والمأوى وغيرهما من أساسيات الحياة.

* الأخبار البيروتية

You might also like