كل ما يجري من حولك

نوايا تهجير الغزيين قائمة: شرق أفريقيا في المهداف

27

متابعات..| تقرير*

كشف تقرير نَشرت تفاصيله وكالة «أسوشيتد برس»، أمس، ملامح خطّة أميركية – إسرائيلية لتهجير نحو مليونَي فلسطيني من قطاع غزة، إلى وجهة في شرق أفريقيا، حدّدها التقرير بالسودان، وجمهورية الصومال الفدرالية، وإقليم أرض الصومال المطالِب بالانفصال عن الصومال. وفيما أكّد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بدء اتصالات رسمية «في وقت سابق» مع مسؤولين في هذه الوجهات الثلاث، إلّا أن الاستجابات الأوّلية من الأخيرة، راوحت بين نفي علمها بمثل تلك المساعي، ورفضها (الخرطوم) المقترح الأميركي الذي يبدو أنه جاء في سياق تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، إبّان الولاية الأولى لدونالد ترامب. ويتناقض التقرير مع إعلان الرئيس الأميركي، أخيراً، أن بلاده لا تنوي طرد الفلسطينيين من القطاع، في ظلّ الارتباك الذي يسود مستقبل تسوية الحرب في قطاع غزة.

الصومال وأرض الصومال

يمكن النظر إلى التصريحات حول تواصل مسؤولين أميركيين وإسرائيليين مع نظرائهم في مقديشو وهرجيسا (عاصمة إقليم أرض الصومال) بقدْر من الجدّية، ولا سيما أنها جاءت بعد أقلّ من أسبوع على إعلان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، عن بحث تل أبيب «اختيار» وجهة أفريقية لإنجاز أكبر عملية تهجير جماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن الصومال، الذي تبلغ مساحته نحو 640 ألف كيلومتر مربّع، ويطلّ بسواحل تتجاوز الثلاثة آلاف كيلومتر على المحيط الهندي وخليج عدن ومدخل البحر الأحمر الجنوبي، يُنظر إليه أميركياً وإسرائيلياً بوصفه خياراً ممكناً لتنفيذ خطّة التطهير العرقي، وذلك لاعتبارات تتّصل بمساحته، وسهولة اقتطاع أرض منه (ساحلية في الغالب)، وتخصيصها لتهجير سكان غزة؛ علماً أن الصومال يعاني في سبيل الحفاظ على سيادته ومواجهة أخطار انفصال إقليم أرض الصومال، فضلاً عن تعزيز عدد من الولايات سلطاتها في مواجهة إدارة مقديشو المركزية.

أثار مراقبون سودانيون احتمال انفتاح قائد ميليشيا «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، على خطّة التهجير

إضافة إلى ذلك، تمتلك واشنطن أدوات ضغط كبيرة على مقديشو، باعتبارها أهمّ شركائها في العقدَين الأخيرَين، واستناداً إلى جهودها في مشروع إعادة بناء الدولة في الصومال (منذ عام 2012) بشكل مباشر، أو بالتنسيق مع أبرز شركاء الأخير، من مثل تركيا والاتحاد الأوروبي. وظهر هذا، على سبيل المثال، في دفع الولايات المتحدة بقوّة نحو توقيع اتفاق مهمّ بين الصومال و»صندوق النقد الدولي» (كانون الأول 2024)، يقضي بإعفاء مقديشو من ديونها الخارجية بمقتضى شمولها بمظلّة «الدول الفقيرة الأكثر استدانة في العالم» HIPC. أما إسرائيل، فتنظر، هي الأخرى، بعين الاهتمام إلى الصومال، كونه يقع على مقربة من اليمن، الذي اصطفّ مع «محور المقاومة» في حرب الإسناد الأخيرة، فضلاً عن أن الدخول إليه يتيح لها وضع قدميها بقوّة في شرق أفريقيا، في مستوى نفوذ جديد يضاف إلى شراكة الكيان مع دول خليجية فاعلة في القرن الأفريقي.

وفي ما يخصّ إقليم أرض الصومال، الذي تبلغ مساحته نحو 177 ألف كيلومتر مربع ويطل بسواحل تبلغ 850 كيلومتراً مربعاً على خليج عدن ومدخل البحر الأحمر الجنوبي، فيمثّل، بدوره، خياراً في نظر عرّابي خطة التهجير، على رغم توقُّع رفض شعبي لمثل هذه الخطوة، انطلاقاً من تعاطف بائن مع الفلسطينيين، ولما يمكن أن يحدثه التهجير من انقلاب ديموغرافي في إقليم يبلغ إجمالي عدد سكانه نحو 6 ملايين نسمة. ومن بين عوامل هذا الاختيار بالنسبة إلى واشنطن، رغبتها في مواجهة النفوذ الصيني الراسخ في القرن الأفريقي (مع ملاحظة أن تايوان واحدة من الدول القليلة التي تقيم مستوى ما من العلاقات الدبلوماسية مع أرض الصومال)، وفي الصومال على وجه التحديد، وقدرة الولايات المتحدة الكبيرة على حشد مواقف أطراف إقليمية (إثيوبيا والإمارات تحديداً) لصالح خيار من ذلك النوع.

السودان

بادر مسؤولون سودانيون إلى إعلان مواقفهم الرافضة لخطّة التهجير الأميركية – الإسرائيلية، ما عنى ضمنياً جدّية طرح الخطّة، بغضّ النظر عن تصريحات ترامب الأخيرة، والتي عدّها مراقبون، وجِهات رسمية عربية، تراجعاً عن مواقفه السابقة. ويتّسق الرفض الرسمي السوداني مع ما يبدو أنه تراجع في مسار تطبيع علاقات هذا البلد مع إسرائيل، من دون أن يحجب وجود دعوات أطلقتها دوائر أمنية وعسكرية إسرائيلية، منذ منتصف العام الماضي، إلى ضرورة حدوث تقارب مع «مجلس السيادة» الانتقالي (ولا سيما بعد استعادة الخرطوم العلاقات الرسمية مع طهران في تموز 2024).

وطرحت تلك التصوّرات إمكان لعب السودان، بعد تطوير قطاعه الزراعي، دور البديل الأمثل لتوريد القمح إلى أوروبا وأفريقيا، في حال لم تسفر الجهود القائمة عن نهاية الحرب الأوكرانية – الروسية. كما طرحت ضرورة تحقيق تعاون أمني واقتصادي مع عبد الفتاح البرهان وحكومته، على رغم الحرب الأهلية الجارية، ما سيساعد في ضمان بقاء السودان طرفاً في «اتفاقات أبراهام» وتطبيع كامل لعلاقاته مع إسرائيل. ويبدو أن استهداف السودان كخيار في خطّة التهجير، دالّ على دمج الأهداف السياسية الإسرائيلية والأميركية لحلّ أزمة غزة، وبناء مشروع إقليمي يستغلّ الفلسطينيين في تطوير قطاعات اقتصادية – بإشراف إسرائيلي – في الجهات الموضوعة على «لائحة الخيارات».

في المقابل، أثار مراقبون سودانيون احتمال انفتاح قائد ميليشيا «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، على مثل هذه الخطّة كورقة أخيرة لإعادة تعديل ميزان المعارك الداخلية لصالحه. وعزّز هذا التحليل، التوتّر غير المسبوق في علاقات الحكومة السودانية مع الإمارات، إلى درجة رفع الأولى دعوى أمام «محكمة العدل الدولية»، مطلع آذار الجاري، تتهم فيها أبو ظبي بالضلوع في جرائم الحرب المرتكبة في البلاد (ولا سيما بحق جماعة المساليتفي دارفور)، الأمر الذي يؤشر إلى توقع ردّ انتقامي من الإمارات، حليفة حميدتي.

خلاصة

في المحصّلة، يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الوثيق الصلة بشرق أفريقيا عملياتياً وسياسياً منذ مقتل شقيقه يوناتان في مطار عنتيبي في أوغندا (1976)، وبدعم تامّ من ترامب، يعمل بقوّة على ما سبق أن وصفه بالتغيير الشامل في الشرق الأوسط، عبر طرد مليونَي فلسطيني إلى وجهة أفريقية قريبة بشكل أو بآخر من المواضع التي طُرحت سابقاً لقيام «وطن قومي لليهود»، ولا سيما في أوغندا. وهذا ما يحيل إلى انكشاف ملامح استعمار إسرائيلي – أميركي جديد، يتجاهل بشكل تام الاستجابات الشعبية في تلك الوجهات، ويعمل بكلّ قوّته على خلخلة الإقليم تحت لافتة تسوية الأزمة في غزة.

* الأخبار البيروتية
You might also like