كل ما يجري من حولك

كبار السنّ في غزة.. معاناة مضاعفة في ظلّ الظروف الإنسانية الصعبة

35

متابعات..| تقرير*

في غرفة صغيرة نجت من دمار كامل لعمارة سكنية، محاطة بشوادر جلدية وإضاءة خافتة، استقر الحال بالمسنّة جميلة التتر (75 عاماً) بعد رحلة نزوح متكرر واجهت فيها مرارة الأيام والعيش في الخيام فضلاً عن السير مسافات طويلة.

وفي ظروف إنسانية صعبة، يعيش كبار السن في قطاع غزة معاناة مضاعفة على أنقاض بيوتهم المدمرة أو في خيام مهترئة، لا تقيهم برد الشتاء القارس أو حر الصيف الحارق، دون رعاية صحية أو أدوية طبية.

وفي حديث إلى «الأخبار»، تقول التتر: «قلبي بجعني من جوا لما بشوف الدمار اللي بالعمارة وقضينا سنين من عمرنا حتى قدرنا نبنيها، وكل الناس دفعت دم قلبها وهي بتعمر وفي لحظة كله يروح ويصير رماد».

وتشكو المسنّة جميلة، من الآلام التي أصابتها وأوهنت جسدها. «تعبت كتير من الحرب والنزوح للجنوب والرجعة منها، مشيت زيادة عن 10 كيلومترات، رجلي ما بقدر إمشي عليهم منيح من الوجع والألم اللي فيهم».

  • (أ ف ب)
    (أ ف ب)

وتضيف وتجاعيد الزمن الصعب رسمت على ملامح وجهها، «أولادي وأحفادي استشهدوا وابني ما زال في السجن. قلبي بنوجع عليه وصحتي راحت من الهم، والحاج (زوجها) صار كفيف بعد مكان كفيف جزئي من الحزن والبكى على ما أصابنا».

وفي منزل تصدّعت جدرانه بحي النصر، تقيم الحاجة أم يحيى سعد الله (76 عاماً) مع أبنائها الذين يقومون على خدمتها بعدما أقعدها المرض ودفعها للاعتماد على أبنائها وأحفادها.

وتشرح ابنتها إيمان معاناتها في ظل الحصار المطبق على قطاع غزة بعد حرب دامية لمدة 15 شهراً، وتقول لـ«الأخبار» إن والدتها «تعاني من سوء التغذية لعدم توفر الطعام المناسب لها، فضلاً عن صعوبة الحصول على الأدوية الخاصة بها».

وتوضح أنها بصعوبة بالغة تجد الأدوية لوالدتها المصابة بأمراض الشيخوخة، فـ«ما يُصرف في العيادات الصحية من أدوية لا يكفي حاجتها، وإن وجدت في الصيدلية تكون بأسعار مرتفعة لا نقوى على شرائها، ما يزيد من آلامها وأوجاعها، فنضطر إلى البحث عنها عند الجيران وإعطائها إياه كي لا تسوء حالتها الصحية».

وتلفت إلى معاناتها الأكبر كانت خلال الحرب، «فأمي مقعدة ولا تقوى على الحركة، وإذا ما اضطررنا إلى النزوح نفكر كثيراً في طريقة نقلها لعدم توفر مواصلات، إلى أن استطعنا توفير عربة متحركة ننقلها بها في طرق وعرة بعدما دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي الشوارع».

وفي إحدى زوايا المنزل الذي استصلحه أبناؤها من بيتها المدمّر، تجلس أم خالد صقر (69 عاماً) وقد أصبح جسدها هزيلاً مما واجهته من متاعب خلال الحرب. ولـ«الأخبار»، تقول ابنتها وفاء «كانت حياة والدتي هادئة ومطمئنّة بين أولادها وأحفادها، إلا أن الحرب قلبتها رأساً على عقب، وأصابتها الأوجاع، فقد مشت ما يزيد عن 20 كيلومتراً، وفقدت الكثير من وزنها لعدم توفر الأغذية اللازمة لها».

وتشير وفاء إلى أن والدتها لازمت الفراش لفترة طويلة «بعدما أصابها الوهن من الخوف والرعب والقلق، فلا تنام الليل خوفاً من سقوط الصواريخ وقذائف الدبابات حتى أُعلن عن وقف إطلاق النار».

(أ ف ب)

ويستذكر الحاج أبو محمد (83 عاماً) من جباليا البلد، تفاصيل محاولة تهجيره وعائلته عام 1948. ولـ«الأخبار» يقول: «كنا بدنا نهاجر على دير البلح بعد محاصرة الاحتلال الإسرائيلي البلدات المجاورة، ولكن ثبتنا كما ثبتنا في محاولة تهجيرنا إلى جنوب قطاع غزة في هذه الحرب، لأنه هادي أرضي وإذا بده ينزل علي صاروخ ينزل وأنا فيها».

ويبين أنه يجلس الآن في انتظار خيمة تُؤويه بعدما دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي بيته، ويقول: «الوضع صعب جداً، فأنا مريض مزمن ولديّ دعامات في القلب وبحاجة إلى علاج وغذاء خاص وهو ما لا يتوفر بشكل دائم».

ويؤكد أن أكثر ما يحزنه ويؤلمه هو فقدان مورد رزقه بعدما دمّرت دبابات وجرافات الاحتلال الأراضي التي يملكها والأشجار التي كانت تحمل الفواكه والحمضيات، مشيراً إلى أن «أكبر كارثة حلّت بنا هي الغلاء الفاحش للأسعار، في ظل انعدام الدخل وعدم توفر مصدر رزق سوى المساعدات التي لم تعد تصلنا الآن نتيجة إغلاق المعابر».

4% من الضحايا مُسنّون

ورغم أن القاعدة 138 من القانون الدولي الإنساني العرفي نصّت على أن يتمتع كبار السن والمعوقون والعجزة المتأثرون بنزاع مسلح باحترام خاص وحماية خاصة، إلا أن ذلك لم يحدث البتة.

فقد وثّق تقرير صادر عن «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، أن نحو 4% من ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من المسنين. كما وثّق التقرير اعتقال القوات الإسرائيلية العشرات من المسنين الفلسطينيين، بمن فيهم رجال ونساء، تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، واجهوا خلالها التنكيل والتعذيب، والحرمان من العلاج، ما تسبب في مقتل العديد منهم في مراكز الاعتقال وسجون الاحتلال الإسرائيلية.

وبحسب «المرصد الأورومتوسطي»، يبلغ عدد المسنين في قطاع غزة حوالى 107 آلاف شخص، أي ما نسبته 5% من عدد سكان القطاع. ويعاني حوالى 69% منهم من أمراض مزمنة وسط ظروف إنسانية كارثية صعبة.

ويحذّر المرصد من أن خطر الموت يهدد جدياً عشرات الآلاف من المسنين، لـ«أن غالبيتهم لم تتلقّ أيّ رعاية صحية بسبب تدمير جيش الاحتلال للقطاع الصحي، بالإضافة إلى منع الاحتلال المتواصل إدخال المستلزمات الطبية، بما في ذلك الأجهزة الطبية والأدوية الضرورية، والغذاء الكافي والمناسب».

* الأخبار اللبنانية
You might also like