كل ما يجري من حولك

علويّو سوريا… الحلقة الأضعف: تركيا تصمت على المجازر

40

متابعات..| تقرير*

انكشف المشهد السوري، بعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول 2024، على ست مناطق متمايزة: الأولى، هي منطقة «الإدارة الذاتية» في شرق الفرات والتي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية؛ الثانية، منطقة جبل الدروز أو جبل العرب جنوباً؛ الثالثة، منطقة الساحل وجبال العلويين؛ الرابعة، منطقة الاحتلال التركي المباشر في شمال سوريا وشمال غربها؛ الخامسة، منطقة السيطرة المركزية لـ»هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع؛ والسادسة، هضبة الجولان التي تحتلّها إسرائيل، مضافةً إليها المناطق الجديدة التي احتلتها بعد سقوط الأسد.

والأخيرة، أي منطقة الاحتلال الإسرائيلي، تبدو خارج لعبة النظام الجديد، بعدما أَظهرت مواقفه ليونةً شديدة، وبعثت من الرسائل ما يطمئن إسرائيل إلى عدم وجود أيّ تهديد لها. وهكذا، وإذا وضعت مناطق الاحتلال التركي، أيضاً، جانباً، يمكن حصر «المشكلة» في ثلاث مناطق: الأكراد والدروز والعلويون. وإذ يرفع النظام الجديد شعار احتكار الدولة للسلاح، فإنه يواجه أزمة في إقناع الكتلتَين الكردية والدرزية بتسليم سلاحهما والاندماج في الجيش، علماً أن مطالبة الأكراد (الوحدات وقسد) بتسليم سلاحهم، تنبع من رغبة تركية، فيما تقول الكتلة الدرزية، المسلّحة منذ عهد النظام السابق، إنها لا تمانع تسليم سلاحها في إطار دستور واضح وعقد اجتماعي حرّ وانتخابات نزيهة (بعيداً من منطق القبائلية التي تتصرّف به هيئة تحرير الشام) تضمن أن تكون كل «المكوّنات» على قدم المساواة، وهو ما ترفضه «الهيئة».

أمّا المكوّن العلوي، وبخلاف الأكراد والدروز، فلم يشكّل قوّة مسلحة خاصة به، إذ كان يُعتبر الجيش السابق هو «الحامي» له، علماً أن العلويين أظهروا، في أعقاب سقوط النظام، استعدادهم ليكونوا تحت سلطة الدولة، على أن «تكون عادلة وتحترم الهويات» كما قال وجهاؤهم.

وفيما لم تجرؤ «هيئة تحرير الشام» على مهاجمة الأكراد الذين تحميهم الولايات المتحدة، ولا الدروز الذين تدّعي إسرائيل حمايتهم، فإن الحسابات تختلف كثيراً حين تتعلّق المسألة بالعلويين، وهو ما يمكن تفصيله على النحو الآتي:

1- تنظر «هيئة تحرير الشام» إلى العلويين على أنهم العدو الأول لها، باعتبار أن عناصر أساسيين في النظام السابق كانوا ينتمون إلى المذهب العلوي. والظاهر أن النظام الجديد وجد في عدم تسلّح العلويين فرصةً لإخضاعهم والانتقام منهم.

2- هجمات النظام الجديد الدموية على العلويين، تهدف إلى منعهم من الحصول على أيّ صيغة خاصة، كالتي يمكن أن يحصل عليها الأكراد أو الدروز؛ إذ إن النظام الجديد يرى في المنطقة العلوية التي تضمّ أيضاً كل الساحل السوري، منفذاً استراتيجياً وحيداً لسوريا على البحر، ولا يريد أن يكون هذا المنفذ خاضعاً بشكل أو بآخر لوصاية حكم ذاتي علوي. لذا، هو لا يريد الاعتراف بأيّ خصوصية لجبال العلويين وساحلهم.

3- تندرج المجازر التي ترتكبها «هيئة تحرير الشام» ضمن الذهنية العقائدية التي تحملها تجاه المنتمين إلى العقيدتين الشيعية والعلوية، أينما وُجدوا.

سيطرة العلويين على الساحل السوري تضعف تطلعات تركيا للهيمنة على كامل ساحل شرق المتوسط

أما بالنسبة إلى تركيا، فقد لا يضيرها قمع «التمرد العلوي»، لأكثر من اعتبار لعل أبرزها ما يلي:
1- الرغبة في عدم نشوء أيّ منطقة حكم ذاتي لها خصوصية علوية على حدود لواء الإسكندرون الجنوبي، خوفاً من أن تنتشر عدوى الخصوصية العلوية من سوريا إلى الإسكندرون ذي الغالبية العلوية.

2- البعث برسالة استباقية إلى علويّي تركيا بألّا يفكّروا للحظة باللجوء إلى القوّة المسلحة في الداخل التركي، مع التذكير بأن الأتراك ارتكبوا ضدّ العلويين في الأناضول مجازر في القرن السادس عشر، وفي ثلاثينيات القرن العشرين.

3- سيطرة العلويين على الساحل السوري تضعف تطلعات تركيا إلى الهيمنة على كامل ساحل شرق المتوسط.

4- تخشى تركيا من عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا من بوابة المنطقة العلوية، أو منح هذه الأخيرة تحديداً أيّ خصوصية «انفصالية» يمكن أن تستفيد منها طهران.
ومن هنا تحديداً، يمكن النظر إلى الصمت التركي الرسمي الكامل على مجازر «هيئة تحرير الشام» ضدّ العلويين المدنيين، علماً أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لا يفوّت الإشارة إلى أيّ حادثة مهما كانت صغيرة في إفطاراته اليومية في القصر الرئاسي. حتى إن الصحف والأقلام الموالية للسلطة، لجأت منذ اللحظة الأولى إلى اتهام إيران وإسرائيل بتحريض «فلول النظام السابق» على افتعال المشكلات.

في المقابل، لم تصدر سوى أصوات بعض القادة المعارضين، ومن بينهم رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، الذي قال إنه يشعر بالقلق ممّا يمكن أن تتسبب به هذه المجازر، مديناً صمت السلطة عن ذلك، وداعياً إيّاها إلى التدخل لدى «الهيئة» لوقف المجازر. وجاء النداء الأقوى من جانب زعيم الحزب السابق، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي دان المجازر التي يرتكبها «مدّعو الجهاد»، داعياً، في ندائه الذي نشره باللغات الثلاث التركية والعربية والإنكليزية، السلطة في بلاده إلى إعادة النظر في علاقاتها مع «اللاعبين في المنطقة»، وإظهار موقف مناسب من المجازر، واتباع سياسة خارجية غير قائمة على التمييز. وعلى هذه الخلفية، قرّر «الجمهوري» إرسال وفد كبير منه إلى محافظة هاتاي (الإسكندرون)، للقاء العلويين الأتراك، والذين يشعرون بقلق كبير بسبب المجازر التي تحصل ضدّ أقاربهم في سوريا.

من جهته، قال رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، إن الأمور في سوريا «لا تجري على ما يرام»، وإن «أمن تركيا يمرّ بسوريا». وفي مقالة كتبها في صحيفة «قرار»، اتهم داود أوغلو، الحكومة التركية بالتقصير، وبأنها «اهتمت فقط بمنطقة شرق الفرات، وتعامت عمّا يجري في المناطق الأخرى من درزية وعلوية»، داعياً إيّاها إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا.

وإذ لم يشر داود أوغلو إلى ما يجري من مجازر، مكتفياً بوصفها بـ»التوترات»، فهو لفت إلى أن مؤتمر المصالحة في دمشق لم يطرح خطة عمل واضحة، ما أثار حساسيات الدروز والعلويين. وبدوره، رأى آخر سفير تركي في دمشق عام 2011، وهو عمر أونهون، أنه «إذا لم يُدر أحمد الشرع البلاد بصورة جيدة، فقد تدخل سوريا في حرب أهلية جديدة». ووفق السفير السابق، محمد فاتح جيلان، أيضاً، فإن «الحلّ في سوريا هو في تفاهمات خارج التمييز المذهبي والعرقي. ولكن، إذا نظرنا إلى ماضي الجولاني، فمن الصعب الأمل في تحقّق ذلك».

* الأخبار
You might also like