كل ما يجري من حولك

استمرارُ البحث عن المفقودين: فسحةُ الأمل الغزية باقية

27

متابعات..| تقرير*

تبدو الحياة البدائية القاسية التي يعيشها أهالي قطاع غزة، ترفاً أمام ما تعيشه عائلات المفقودين، العالقة منذ وقف إطلاق النار، في دائرة حيرة المصير المفرغة، والتي تقضي أيامها فيها في زيارة المناطق التي تعمل فيها فرق الدفاع المدني والمتطوعين في البحث عن جثامين الشهداء المطمورة تحت الركام والرمال، متفرّسة في الجثامين المتحلّلة، علّها تجد علامة تدلها على جثمان شهيدها، وزيارة الأسرى المُفرج عنهم لعلّ أحدهم صادف فقيدها في الأسر.

هكذا، يعيش ذوو أكثر من 10 آلاف مفقود، تلك المعاناة. ويقول أبو محمد عيد، وهو والد أحد المفقودين، لـ»الأخبار»: «قالوا لي إن جميع من كانوا مع نجلي استشهدوا. ذهبت إلى المنطقة التي وصفوها لي، فوجدت هاتفه المحمول، وبقايا ملابس رفاقه، لكني لم أجد جثمانه. كيف لأب أن يسلّم بهذه البساطة بأن نجله قد استشهد من دون أن يجد جثمانه أو ما تبقّى منه؟ نعيش العذاب مربّعاً. وأقضي يومي في البحث في التراب، وزيارة الأسرى المُفرج عنهم للسؤال عنه. لكنني حتى الآن لم أجد ما يدل على أنه استشهد أو قيد الأسر».

أما أمّ مالك حجازي فما زالت عالقة في دائرة الحيرة أيضاً؛ إذ تقول لـ»الأخبار»: «سمعت ثلاث روايات عن زوجي. هناك من قال إنه رآه رفقة الأسرى الذين اختطفهم العدو من محيط مستشفى كمال عدوان إلى صالة الفريد، ثم إلى غلاف غزة، وهناك من قال إنه رآه مصاباً وهارباً من القصف في ساعة الصفر الأخيرة في مشروع بيت لاهيا. وهناك من أكّد أنه رأى جثماناً ممدّداً على الأرض غارقاً في دمه ويلبس لباسه ذاته، لكنه لم يرَ وجهه. ذهبت إلى الحي والأماكن التي ذُكرت في كل رواية، ولم أجد جثمانه، ولم أجد ملابسه في صالة الفريد، حيث جُرّد الأسرى من ملابسهم التي تُركت على الأرض. ولم أسمع عنه خبراً في كلام المُفرج عنهم (…) ليس من الإنصاف أن أستسلم لليأس. وصحيح أن الحيرة قاتلة ومؤلمة، لكنّ حيّز الأمل الذي أمتلكه بأنه لا يزال حياً، يكفيني لأعيش عليه كل العمر».

وفي محيط مستشفى «كمال عدوان»، حيث ارتكب جيش العدو العشرات من المجازر الجماعية، أطلق عشرات المتطوعين ورجال الدفاع المدني، أمس، حملة «إكرام الشهداء» للبحث عن المفقودين. ويستخدم الشبان الأدوات البدائية في البحث عن الشهداء، ويستأنسون بشهادات الناجين عن أماكن ارتكاب المجازر ويبدأون العمل. وخلال ثماني ساعات من العمل المتواصل، انتُشلت جثامين 48 شهيداً من مقبرة جماعية عُثر عليها.

وإلى جانب الشبان الذين أمضوا وقتاً في جمع الرفات المتحلّلة، كانت عائلات المفقودين تراقب المشهد، مجبرة على خوض أكثر التجارب إيلاماً التي يمكن أن يعيشها إنسان. ويقول أحمد المصري لـ»الأخبار»: «حاولت أن أقنع أمي بأن لا تحضر هذه المشاهد المؤلمة، لكنّ قلبها لم يطعها. نأتي كل يوم بحثاً عن أي إشارة تدلنا على جثمان شقيقي. هل تتصوّر أننا نتأمل العظام وبقايا الجثامين لساعات؟»
في المقابل، كبّر أحد الشبان وهلّل وبكى فرحاً، بعد أن عثر أخيراً على جثمان شقيقه الذي أمضى 42 يوماً بحثاً عنه وسط الركام والجثامين المجهولة الهوية. ووسط الخراب الكبير، صُفّت جثامين العشرات من الشهداء، في أكياس بيضاء كُتبت عليها عبارة «مجهول الهوية».

* الأخبار
You might also like