اليمن قِمة.. خارج القُمة
علي الدرواني
لم يعول أحد على القمة العربية الطارئة في القاهرة لاتِّخاذ قرار تاريخي حاسم بالنسبة للقضية الفلسطينية بشكل عام، ولا لقضية تهجير سكان غزة بشكل خاص، نظرا لتوالي خيبات الامل في الزعماء العرب الذين لطالما اجتمعوا في قمم مشابهة، وأبرزها طوال عام ونصف، بأربع قمم اثنتان منهما بشكل مشترك مع منظمة التعاون الإسلامي، لم تستطع تلك القمم إدخَال قارورة ماء لغزة، ولا وقف نزيف الدم الذي تعدى المِئة شهيد يوميًّا تقريبًا.
في قمة القاهرة التي أكّـد فيها الزعماء في خطاباتهم وكذلك في بيانها الختامي على رفض تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، لم تقدم خطة والية تنفيذية ملزمة لكل العرب، ولا رافعة عسكرية لتقديم الخطة، ولم تشهر أي أوراق ضغط على الكيان ومن خلفه على الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان من قبل الدول التي تقيم علاقات تطبيع معه، كذلك لم تقم الدول التي تصنف المقاومة الفلسطينية على قوائم الإرهاب بإلغاء التصنيف الظالم، ولم تصنف الكيان المجرم على ذات القائمة.
عندما لا تجد الخطة المصرية العربية، آلية تنفيذية خَاصَّة، دون أي تدخل إسرائيلي وأمريكي، فيمكن أن تكون ذات جدوى، أما عندما تكون أي خطوة فيها بحاجة إلى موافقة إسرائيلية، فهي مُجَـرّد حبر على ورق، بغض النظر عن إيجابياتها أَو سلبياتها، وفي هذا السياق فقد أعلن الكيان عبر خارجيته، رفضه للقمة وبيانها الختامي، ودعى الدول العربية إلى الكف عن استخدام الفلسطينيين، “بيادق” ضد الكيان، وعبر بوضوح عن التمسك بخطة ترامب لتهجير إلى مصر والاردن.
وهو ذات الموقف الذي صدر عن البيت الأبيض، حَيثُ قال إن “خطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن في الوقت الحالي”. وَأَضَـافَ أن “ترامب، متمسك بمقترحه لإعادة بناء غزة خالية من حماس”.
بينما في المقابل يقدم الكيان الصهيوني مواقفه مشفوعة بتحَرّكات عسكرية، والتلويح بعودة الحرب إلى القطاع، وفتح الجحيم، كذلك واشنطن تنشط بإرسال الأسلحة إلى الكيان، وترفع القيود الإنسانية لاستخدام الأسلحة، وتحث الكيان على تطبيق ما يريد باستخدام كُـلّ السبل.
في الحقيقة لم تظهر المواقف الرافضة للتهجير، على انها تضامن مع أهل غزة، أَو مع القضية الفلسطينية، بل ظهرت على انها مواقف تضامن مع الاردن ومصر، التي ينوي ترامب بأوهامه وتخيلاته، تهجير أهل غزة اليها، وكذلك مع السعوديّة التي لوح نتنياهو بإقامة دولة فلسطينية على أراضيها التي وصفها بالواسعة.
وقد كان واضحًا احتكار البحث عن الحل ضمن هذه الدول، في القمة الغير رسمية المصغرة التي انعقدت في الرياض، يوم الجمعة، 21 فبراير الماضي، الأمر الذي دفع رئيس الجزائر إلى الغياب عن قمة القاهرة وعدم المشاركة فيها، وتبعه الرئيس التونسي لذات الأسباب.
ببساطة، لان البعض ذهب إلى شكر ترامب، الذي يفترض أن هذه القمة انعقدت للتنديد بخطته الخبيثة لغزة وللقضية الفلسطينية، ولأن ايا من خطابات الزعماء في هذه القمة، لم تشر إلى دور المقاومة وأهميّة وجودها، بل على العكس، سمعنا رئيس لبنان الجديد، وهو يصف اسناد غزة، بانها حروب الآخرين في لبنان، متناقضا مع نفسه، حين يصف القضية الفلسطينية بالحق الذي يحتاج إلى القوة.
وفي اسفل القائمة جاءت كلمة رئيس مرتزِقة اليمن عنصر المخابرات الأمريكية المدعو رشاد العليمي، الذي اعتبر أن اسناد اليمن لغزة هو انتهازية ومحاولة للتربح، وهي شكاة ظاهر عنك عارها.
في هذه الأجواء العربية المثيرة للشفقة والاستياء في آن معا، تأتي مواقف اليمن لتضع الامور في نصابها، وتسمي الأشياء بمسمياتها، وبتعبير واضح جاءت رسالة الرئيس مهدي المشاط للقمة العربية، فترامب هو شريك الإسرائيلي، وليس وسيطا، والمخطّط هو توسيع الكيان على حساب دول المنطقة، وما تهجير أهل غزة إلا حلقة من حلقات هذه المخطّطات الخبيثة، والتي لا توجد أي وسيلة أكثر نجاعة لمواجهتها، إلَّا الجهاد والمقاومة وعدم التعويل على الأمم المتحدة والوسيط الأمريكي الشريك في جرائم هذا العدوّ.
هذه الرسالة الصادقة، وضعت اليد على الجرح، وشخصت الداء، ووصفت الدواء، لا من موقع الخطابة والشعارات الجوفاء، بل من موقع العمل، والميدان يشهد لليمن طوال أكثر من 15 شهرا، لم يدخل جهدا عسكريًّا ولا سياسيًّا ولاثقافيًّا ولا اجتماعيا ولا شعبيًّا، إلَّا وكان السباق له.
فالداء هو التخاذل، و” ما كان لهذه المقترحات أن تٌعلن ولا تلك التصريحات الحمقاء أن تقال لولا الموقف العربي المتخاذل الذي شجع الغزاة أكثر وأكثر”.
والدواء هو الجهاد والمقاومة، وَ”تفعيل مبدأ الدفاع العربي المشترك في الجامعة العربية، والتضامن والاسناد لكل الدول المستهدفة بكل الوسائل وإيقاف التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم، وسحب الاعتراف به وطرد سفرائه وممثلية وتفعيل المقاطعة الاقتصادية، وقطع البترول”.
ختامًا.. أن ما يجري اليوم من مؤتمرات عربية أَو إسلامية مشتركة، لم يعد يصدق عليها وصف القمة، بسكر القاف، بمعنى رأس كُـلّ شيء وأعلاه، بل هي قُمم، واحدتها قُمة، بضم القاف، وهي ما يلف من الأرض من سقط المتاع، ولن اقول قاذورات وبقايا أوساخ الناس.