كل ما يجري من حولك

أنقرة – تل أبيب: وجهاً لوجه في سوريا: دفع إسرائيلي معلَن بخطة التقسيم

32

متابعات..| تقرير*

يتضح، يوماً بعد آخر، أن خارطة مراكز القوى في سوريا تتشكّل تحت تأثير مباشر كبير من جانب إسرائيل، التي يبدو أنها حسمت وجهة علاقتها بالسلطات الجديدة في دمشق، حيث لم تَعد تخفي أنها لا تنظر بعين الاطمئنان إلى الأخيرة، على رغم كل رسائل الطمأنة التي بعثت بها الإدارة السورية الجديدة إلى تل أبيب، منذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول الماضي.

وإذا كانت إسرائيل ترى في وحدة سوريا ونموّها تهديداً أساسياً، بغضّ النظر عن هوية الحاكم في دمشق، فإن أكثر ما يقلق العدو في حالة «هيئة تحرير الشام»، هو التغلغل التركي عبرها في الساحة السورية، سواء من خلال الجيش الذي يجري بناؤه، أو من طريق السعي للإبقاء على سوريا موحّدة، أو من بوابة ربط الاقتصاد السوري بأنقرة.
وبغضّ النظر عن من هو الحاكم في تركيا أيضاً، تعتبر إسرائيل الشعب التركي معادياً لها، خاصة بعد أن عاقب الأتراك رئيس جمهوريتهم، رجب طيب إردوغان، بإسقاط حزبه في الانتخابات البلدية التي جرت في آذار 2024، على خلفية موقفه الممالئ للعدو في الأشهر الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قبل أن تعود أنقرة وتعدّل سياستها بناءً على تقييمها لنتائج تلك الانتخابات.

في هذا السياق بالذات، تضع إسرائيل «تعهّدها» بحماية الدروز في سوريا، وفق صيغة تقول إنه «انطلاقاً من الالتزام مع إخواننا الدروز في إسرائيل، فإننا سنمنع إلحاق أي أذى بأقاربهم في سوريا»، وفق بيان مشترك صادر عن رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يسرائيل كاتس، وذلك على إثر الاشتباكات في جرمانا التي تبعد نحو سبعة كيلومترات عن وسط دمشق. ومما جاء في البيان أيضاً أن «إسرائيل لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرّف في سوريا بإيذاء الدروز».

وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تخفِ يوماً رغبتها في تقسيم سوريا، إلا أن موقفها الأخير يعكس إرادة تدخل سياسي مباشر في تشكيل سوريا الجديدة، بما يتجاوز حجة المخاوف الأمنية التي ساقتها للسيطرة على مئات الكيلومترات المربّعة في محافظتي القنيطرة ودرعا، ويندرج ضمن مشروع يشمل سوريا بكاملها من شمالها إلى جنوبها إلى ساحلها. ولا يبتعد هذا التدخّل كثيراً عما يجري في مناطق مختلفة من سوريا، وأبرزه الدور الذي تقوم به «قسد» في السويداء، ومحاولتها اختراق الساحل أيضاً، في سعيها لتعميم تجربة «الإدارة الذاتية» القائمة في شمال شرق البلاد.

تل أبيب تنظر بـ«إيجابية» إلى استمرار الوجود العسكري الروسي في سوريا

على أن الرد السريع على غير العادة لرئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، على بيان نتنياهو – كاتس، والذي أكد فيه أن الدروز جزء من سوريا وحمايتهم مسؤولية الدولة وهم خاضعون لسيادتها، يشي بمواجهة تركية – إسرائيلية مبكرة على أرض سوريا، ويؤكد أن أنقرة ترى أن مصالحها الأمنية الأساسية صارت في الميزان، ولا سيما أنها كانت تمنّي النفس بسحق «قسد» كلياً بالاستفادة من كونها عرّاب الحكم الجديد في دمشق. لكن حسم هذه المسألة يظلّ مرتبطاً بالنقاش القائم حول مستقبل القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، التي لم تعط إدارة دونالد ترامب أي إشارة في شأنها حتى الآن، علماً أنه إذا كانت لإسرائيل كلمة في هذا النقاش، فهي ستؤيد بقوة بقاء القوات الأميركية.

ولأن مشروع المواجهة مع تركيا ليس سهلاً، فإن إسرائيل تسعى إلى استمالة روسيا إلى صفّها فيه، ولا سيما أنها تخلّصت من عبء تأييد أوكرانيا بفضل موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الحرب هناك. وفي سياق السعي إلى «الحد من تنامي النفوذ التركي في سوريا»، وضعت الصحافة الإسرائيلية إيفاد نتنياهو سكرتيره العسكري، الجنرال رومان كوفمان، إلى موسكو، مشيرة إلى أن «إسرائيل اتخذت موقفاً واضحاً بتفضيل المصالح الروسية على التوسع التركي في سوريا»، وأنها تضغط على الولايات المتحدة لضمان بقاء سوريا «ضعيفة»، من خلال السماح لروسيا بإبقاء وجودها العسكري فيها، وعدم الاستجابة لطلب السلطات السورية الجديدة رفع العقوبات الأميركية والأوروبية.

وبحسب موقع «واينت» الإسرائيلي، فإن بعض المسؤولين الأميركيين فوجئوا عندما وضع الإسرائيليون الوجود الروسي في سوريا في قالب إيجابي، ورفضوا في الوقت نفسه مقولة إن «تركيا باعتبارها عضواً في الناتو ستكون ضامناً أفضل لأمن إسرائيل». لكنّ تدقيقاً في التعامل الروسي – الإسرائيلي الغامض منذ دخول القوات الروسية إلى سوريا عام 2015، من شأنه أن يبدّد إلى حد كبير تلك المفاجأة. فالتعاون كان فعالاً على الدوام منذ أيام النظام السابق، وظلّ مزعجاً وغير مفهوم لحلفاء الأخير في إيران ولبنان، والذين كانوا يتعرّضون لقصف إسرائيلي مستمر وسط صمت روسي مريب.

على أي حال، ما يمكن قوله الآن هو أن ثمة انقلاباً في الأدوار بين موسكو وتل أبيب في سوريا؛ ففي أيام النظام السابق، كانت روسيا على الأرض تؤمّن المصالح الإسرائيلية لقاء مقابل غير واضح. أما حالياً، فيعرض العدو ضمان استمرار الوجود العسكري الروسي في سوريا، ولا سيما في الساحل، مقابل إبعاد تركيا وحلفائها عن تلك المنطقة، وفرضها منطقة محايدة، باعتبار أن العدو غير قادر على التأثير المباشر فيها، لانعدام صلته المادية والسياسية بها. كما تأمل إسرائيل دوراً إسرائيلياً مساعداً في جنوب سوريا، من خلال علاقة موسكو بالعديد من الفصائل المسلحة هناك، ولا سيما تلك التي يقودها ضباط الجيش السابق.

* الأخبار

You might also like