الضفة الغربية تحت الحصار: سياسة “السور الحديدي” وأهداف التهجير المنهجي
متابعات..| تقرير*
تعيش الضفة الغربية المحتلة هذه الأيام واقعًا دمويًا واستثنائيًا يكشف بوضوح استراتيجيات التوسع والهيمنة “الإسرائيلية”، التي تعتمد على القمع الممنهج والتهجير القسري كوسائل لتحقيق أهدافها الاستيطانية. منذ 21 يناير/كانون الثاني 2025، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية موسعة تحت اسم “السور الحديدي، مستهدفًا مدنًا ومخيمات فلسطينية، لا سيما في جنين وطولكرم وطوباس. أرقام الضحايا والدمار تتحدث عن نفسها: أكثر من 65 شهيدًا، وعشرات الآلاف من النازحين، ودمار واسع للبنية التحتية والمرافق العامة.
لكن خلف هذه الأرقام تكمن سياسة ممنهجة تستند إلى أسس أيديولوجية واستراتيجية واضحة. هذه السياسة ليست وليدة اللحظة، بل تأتي كامتداد لنهج استعماري استيطاني يهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السكانية والسياسية في فلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فإن مثل هذه العمليات العسكرية ليست سوى أدوات لحماية مصالح استعمارية أوسع، مدعومة بتواطؤ عالمي وصمت رسمي.
تدمير ممنهج وتهجير قسري: أرقام تتحدث عن كارثة
منذ بداية العدوان الحالي على الضفة، تبدو جنين وكأنها أصبحت “غزة صغيرة” تحت حصار مطبق. 27 شهيدًا سقطوا في المدينة ومخيمها وحدهما، حيث يتعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية المدنية ونسف المباني وتهجير السكان. المشهد نفسه يتكرر في طولكرم، التي تواجه حملة عسكرية مستمرة منذ 33 يومًا، بينما يعاني مخيم نور شمس من الحصار والدمار منذ 20 يومًا.
الأمر لا يتوقف عند الأعداد فقط؛ فالنوعية والهدف أكثر دلالة. الاحتلال يستخدم مدرعات “إيتان” الحديثة في اقتحام جنين، وهي آليات مصممة لعمليات عسكرية ثقيلة، ما يؤكد أن هذه ليست مجرد “حملة أمنية”، بل عملية عسكرية متكاملة تهدف إلى فرض أمر واقع جديد.
التهجير كاستراتيجية: إعادة تشكيل ديموغرافي قسرية
في تحليل السياسات “الإسرائيلية”، نجد أن التهجير القسري لم يكن أبدًا مجرد نتيجة جانبية، بل جزء أساسي من استراتيجية طويلة الأمد. صحيفة هآرتس كشفت عن قيام جنود الاحتلال بطرد عائلات فلسطينية في بيت أرييه دون أي إذن قضائي، وبمبادرة فردية، ما يعكس ثقافة الإفلات من العقاب وغياب أي قيود قانونية أو أخلاقية على تصرفات الاحتلال.
يؤدي هذا التهجير إلى تفريغ المناطق المستهدفة من سكانها الأصليين، تمهيدًا لتوسيع المستوطنات، كما حدث في جنوب الخليل حيث يتعرض الفلسطينيون لهجمات يومية من قبل المستوطنين، تتضمن الاعتداء الجسدي وإطلاق القطعان في الأراضي الزراعية. الهدف هنا واضح: جعل الحياة مستحيلة للفلسطينيين، ودفعهم إلى الرحيل طوعًا أو قسرًا.
المسجد الأقصى في قلب المواجهة: استهداف الهوية والمقدسات
وسط هذا العدوان المستمر، يأتي شهر رمضان ليشهد دعوات فلسطينية للحشد في المسجد الأقصى وكسر القيود “الإسرائيلية”. هذه الدعوات ليست مجرد رد فعل ديني، بل تعبير عن مقاومة مدنية في مواجهة محاولات الاحتلال لفرض سيطرته الكاملة على الأماكن المقدسة، وإعادة رسم معالم القدس بما يخدم المشروع الاستيطاني.
دعا الشيخ عكرمة صبري الفلسطينيين إلى شد الرحال للأقصى رغم العقبات، مؤكدًا أن المسجد لا يزال تحت الحصار، في حين دعت حركة حماس إلى تكثيف الرباط في رمضان. هذه الدعوات تكشف عن أهمية الأقصى ليس فقط كموقع ديني، بل كرمز سياسي ونضالي في مواجهة الاحتلال.
الصمت الدولي: تواطؤ أم عجز؟
تُظهر التجربة التاريخية أن السياسات “الإسرائيلية” تحظى بحماية دولية، خاصة من الولايات المتحدة. حيث أن الدعم الأمريكي غير المشروط لـ”إسرائيل” يسمح لها بانتهاك القانون الدولي دون عواقب. في ظل استمرار الجرائم في الضفة وغزة، يتجلى هذا التواطؤ في شكل صمت رسمي أو بيانات جوفاء لا تحمل أي إجراءات ملموسة.
حتى مع الأرقام الصادمة — 930 شهيدًا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واعتقال 14,500 فلسطيني — يظل المجتمع الدولي متقاعسًا عن اتخاذ أي خطوات جدية لوقف العدوان أو محاسبة الاحتلال.
خاتمة: نحو رؤية مقاومة شاملة
في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري التفكير في آليات مقاومة تتجاوز الرد الفوري إلى بناء مشروع وطني طويل الأمد. هذه المقاومة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل الحفاظ على الهوية الوطنية، وتعزيز الوجود الفلسطيني في المناطق المستهدفة، وتوثيق الانتهاكات لمحاسبة الاحتلال على المستوى الدولي.
إن استمرار الاحتلال في سياساته الاستيطانية والتهجيرية لن يتوقف إلا بمواجهة شاملة، تجمع بين الصمود الشعبي، والدعم العربي، والضغط الدولي.
* الخنادق