كل ما يجري من حولك

أنقرة منتشية بقوّتها: احتفاءٌ تركي بنداء أوجالان

26

متابعات..| تقرير*

أجمعت الصحف التركية، بكلّ توجهاتها، أمس، على عنوان واحد، وهو دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، حزبه إلى ترك السلاح وحَلّ نفسه. وممّا جاء في العناوين: «رسالة أوجالان: الكردستاني يجب أن يحلّ نفسه» (يني برلك)؛ «أوجالان استسلم للوقائع» (آيدينلق)؛ «نهاية الطريق للكردستاني» (يني عقد)؛ «الستارة الأخيرة للإرهاب» (ميللييات)؛ «النداء المنتظر من أوجالان: ليحلّ الكردستاني نفسه» (قرار)؛ «خطوة تاريخية: ليحلّ الكردستاني نفسه» (يني شفق)؛ «النداء حصل، الآن خطوة حلّ نفسه» (تركيا)؛ «خطوة مهمّة نحو تركيا بلا إرهاب» (صباح)؛ «أوجالان يخاطب الكردستاني: اترك السلاح، حلّ نفسك» (حرييات).

وفي ردود الفعل الرسمية، برز ما كتبه محمد أوتشوم، كبير مستشاري الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من أن «المسألة حُلّت. المهمّ الديمقراطية وتطويرها»، وأن «تصريح أوجالان يعني أن لا فدرالية ولا حكم ذاتياً، ولا توجد لغتان ولا أمتان، كما لا يوجد إنكار لأحد، بل توجد دولة واحدة وموحّدة». واعتبر أوتشوم أن النداء كان «بلا شروط ولا قيود ولا مساومات. إننا ندخل مرحلة جديدة، وتركيا متجهة إلى أن تكون دولة بلا إرهاب». ومن جهته، رحّب زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، بالنداء، واصفاً إياه بأنه «خطوة مهمة لخروج تركيا من مآسيها، على أن تتم تلبية كل الشروط التي تساعد في ذلك، وأهمها الديمقراطية الفعلية والسلام الاجتماعي».

ويذكّر عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، بأنّ «أوجالان كان وجّه، في نوروز عام 2014، رسالة إلى حزب العمال الكردستاني، ولكن النداء الجديد مختلف تماماً. وإذا كان نداء 2014 يمكن قياسه على أنه هزة بقياس أربع درجات، فإن النداء الجديد هو زلزال بقياس تسع درجات». ولكنه يتساءل عمّا إذا كانت قيادة الحزب في جبال قنديل ستستجيب لنداء زعيمها، و»هل يمكن حينها أن يتواجه أوجالان مع قيادة الحزب؟» إذا لم تفعل. ووفقاً لسيلفي، فإن «محاولات عدّة في السابق، ومنذ أيام طورغوت أوزال، بُذلت لحلّ المشكلة، لكنّ الإنكليز والأميركيين كانوا يتدخلون ويخربون الحلّ. أمّا الآن، فالظروف الإقليمية والدولية مختلفة جداً. وتركيا تمرّ بأقوى مراحلها، وميزان القوى في شمال العراق وسوريا مال لصالحها. وفي حال تمّ تقييم صحيح للوضع، فإن تصفية حزب العمال الكردستاني ستكون ممكنة». ولعلّ أهم ما أورده أوجالان، بحسب الكاتب، هو تذكيره قيادة قنديل بأن الظروف تغيّرت، وأن الحزب قد أتمّ عمره، فيما الأمر المهم الآخر، أن زعيم «الكردستاني»، «لم يدعُ الأكراد إلى دولة مستقلّة، بل اعتبر أن الحلول بصيغ الفدرالية والدولة القومية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية لم تقدّم جواباً على سوسيولوجيا المجتمع التاريخي». كما يذكّر بأن «حزب العمال الكردستاني أفنى عمره وراء هذه الشعارات، وها هو أوجالان يرميها في سلة المهملات».

وفي الصحيفة نفسها، يرى نديم شينير أن «نداء أوجالان يعني شيئاً واحداً، وهو أنه ليس من مسألة كردية في تركيا، بل إرهاب اسمه حزب العمال الكردستاني». ولكنه يعتقد بأنه «من المبكر البناء على نداء أوجالان، إذ يتطلّب الأمر انتظار ما ستفعله قيادة الحزب. ولا يعني النداء وقف العمليات العسكرية في العراق أو سوريا، خصوصاً في ظلّ مؤشرات إلى أن امتدادات الحزب في سوريا ليست في وارد تلبية النداء، الذي تجب قراءته برويّة». أمّا أحمد حاقان، فيشير إلى أن «أوجالان أوجز ضمناً ما يريده من مطالب: احترام الهويات، تعبير الهويات بحرّية عن نفسها، ضمان أن تتنظّم هذه الهويات بالمعنى الديمقراطي»، معتبراً أن «تركيا بهذا النداء وحلّ الكردستاني نفسه، تكون وصلت إلى هدفها المتمثّل بأن تكون خالية من الإرهاب».

وفي صحيفة «قرار»، كتب عاكف باقي أن أوجالان «أعطى ما يريده للدولة التركية، ولكن هل يأخذ ما يريد؟»، مضيفاً أن «دولت باهتشلي فتح في تاريخ تركيا فتحاً مَبيناً عندما أَطلق مبادرته ليتحدّث أوجالان أمام نواب كتلته ويعلن نبذ الإرهاب وترك السلاح وحلّ حزبه. وهو ما تحقّق. ولكن، هل يلتزم حزب العمال بما طلبه أوجالان من جانب واحد؟ وهل يحلّ الحزب نفسه من دون إجراء مشاورات وفرض شروط، أم أن شيئاً لن يتغير؟».

كذلك، علّق الأمين العام لـ»الحزب الشيوعي التركي»، كمال أوقويان، بالقول إنه «لا جديد في كلام أوجالان، ونداؤه تحرّك من نزعة قومية كردية، وهو لا علاقة له بالماركسية، وحزبه لم يكن يوماً حزباً اشتراكياً». ومع ذلك، قال: «(إنّنا) نراقب لنرى ما الذي ستكون عليه الأمور. أوجالان أعاد جذور العلاقات بين الأتراك والأكراد إلى ألف سنة، وهو ما لا ينسجم مع الوقائع الراهنة. إذا كانت العلاقات قديمة إلى هذا الحدّ، فلماذا حدثت المجازر في آخر 100 سنة أو 50 سنة؟». ثم استطرد أن «أوجالان يقول إن تفاهم الأتراك والأكراد يجعل من تركيا بلداً قوياً، بينما العكس هو الصحيح، ستكون تركيا ضعيفة. هذا ما يريده إردوغان».

وسأل يوسف قانلي، من جانبه، عمّا إذا كان نداء أوجالان صادقاً أم أنه مجرّد مناورة لكسب الوقت بعدما ضعف «الكردستاني». ورأى أنه «كي تتواصل عملية الحلّ، ينبغي على تركيا أن تبذل المزيد من الجهد في ضوء التوازنات الإقليمية الجديدة، والاستراتيجية الأمنية للدولة»، إذ إن «تفاصيل كثيرة شائكة تقف أمام عملية الحلّ، وفي مقدّمها الأبعاد القانونية للنظام الجزائي والإداري، وما إذا كان ممكناً لحزب العمال أن يتحوّل إلى حزب سياسي». وتساءل أيضاً عمّا إذا كان الحلّ سيطاول «وحدات حماية الشعب» في سوريا، وعمّا سيكون عليه الموقف الأميركي من «قسد» التي تعتبرها واشنطن حليفاً ضدّ «داعش»، ليخلص إلى أنّ «أمام تركيا، في حال أصرّت الولايات المتحدة على دعم قسد، خياريْن: الأول اعتبار نداء أوجالان خدعة ومواصلة ضرب حزب العمال؛ والثاني الموافقة على الحلّ في الداخل والقيام بعملية تصفية لقسد في سوريا.

وفي الحالتين، ستكون هناك توترات مع واشنطن». أما إذا اتّفقت واشنطن مع أنقرة، وتمّ نزع سلاح «قسد»، فهذا «سيُعتبر هزيمة إستراتيجية لأميركا». وختم بالقول: «هذا النداء، إذا لم يؤدّ إلى قطع أميركا دعمها لقسد لتبديد هواجس تركيا الأمنية، فلن يكون له معنى، وسينضمّ إلى غيره من النداءات السابقة التي كانت مجرّد مناورات».

باختصار، أعطى عبدالله أوجالان، الدولة التركية كل شيء، ووضع مسبقاً على الطاولة كل أسلحته. أمّا الدولة، فتنتظر اكتمال خطوات تصفية «الكردستاني» لنفسه، لتبني بعدها على الشيء مقتضاه. لكنّ التساؤل يبقى قائماً عمّا ستقدّمه الدولة للأكراد، وهل سيكون كافياً لحلّ فعليّ للمشكلة الكردية، أم أن الأمر مجرّد لعبة كي يتمكّن إردوغان من تعديل الدستور بأصوات النواب الأكراد، ليستطيع تالياً الترشّح لولاية جديدة عام 2028؟

* الأخبار
You might also like