صدمة «7 أكتوبر» باقية وتحقيقُ جيش العدو يسعِّرُ الانقسام
متابعات..| تقرير*
كانت الساعات الأولى من عملية السابع من أكتوبر، كفيلة بإذلال جيش الاحتلال وكسر هيبته؛ وهو الذي ما فتئ، على مدار عقود، يتبجّح بأنه الجيش الذي لا يُقهر والقوة العسكرية التي لا تضاهيها قوة في الشرق الأوسط، قبل أن يتحول في ساعات إلى «أضحوكة» أمام العالم. وطوال الـ16 شهراً التي تلت «طوفان الأقصى»، بدت الوقائع الميدانية كفيلة بترسيخ تلك الوقائع، من دون الحاجة إلى تحقيقات تكشف فشل جيش الاحتلال في مواجهة المقاومة في غزة. على أنّه ظهر لافتاً تضمّن التحقيق الذي أجراه الجيش ونشر نتائجه الخميس، والذي يعكس «جزءاً» من حقيقة الأحداث التي وقعت، اعترافاً إسرائيلياً علنياً بالفشل على المستويات العسكرية والاستخباراتية والعملياتية كافة، والذي كان قد بدأ قبل وقت طويل من السابع من تشرين الأول 2023.
ولعل من أبرز النتائج التي خلص إليها التقرير: الإقرار «بالإخفاق التام» في منع الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، وفشل القوات في حماية المستوطنين، وسحق «فرقة غزة» بالكامل في الساعات الأولى من العملية، توازياً مع سيطرة المقاومين على مناطق واسعة من «الغلاف». والجدير ذكره، هنا، أنّ الكشف عن نتائج التحقيقات جاء في أعقاب نشر تفاصيل معركة «معسكر ناحل عوز»، وتصريحات لقائد «الفرقة 8200» خلال تقديم استقالته، أكّد فيها أنّ «ما جرى في ذلك اليوم أشبه بمباراة كرة قدم، هُزمنا فيها بنتيجة 15 – 0».
ومن جملة النتائج الأخرى التي يوردها التقرير، الفشل «الكبير» على الصعيد الاستخباراتي والقتال البري، على خلفية عدم امتلاك جيش الاحتلال أي معلومات عمّا كان يتحضّر في قطاع غزة، سواء قبل السابع من أكتوبر أو خلال العملية نفسها. حتى إنّ مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً وصل إلى حد التذمر من إمكانية أن «يهاجمنا 5600 مقاتل، من دون أن يكون بينهم متعاون معنا يحذّرنا»، في حين أقرّت مصادر أخرى بأن إسرائيل كانت «عمياء» في القطاع.
أما على الصعيد البري، فقد أظهرت بعض المقتطفات من المعارك التي وقعت خلال «الطوفان» ضعفاً واضحاً لدى الجيش، ولا سيما في «معسكر ناحل عوز»، الذي كان يُعد الأكثر تحصيناً، قبل أن يسقط في يد المقاومين، ويهرب الجنود منه إلى الملاجئ للاختباء، ما أسفر عن مقتلهم أو سقوطهم في الأسر. وتعقيباً على تلك النقطة، اضطر جيش الاحتلال إلى الاعتراف بأنّ «عناصر حركة (حماس) فعلوا ما أرادوا في معسكر (ناحل عوز)»، متحدّثاً عن حالة ارتباك واسعة أصابت جنوده. كذلك، يأتي التقرير على ذكر عمليات القصف الإسرائيلية العشوائية للمنازل داخل المستوطنات خشية تواجد مقاومين فيها، وتبعات تفعيل «بروتوكول هنيبعل».
وطبقاً للنتائج، فإن المقاومة نفّذت عمليتها على ثلاث مراحل، وبمشاركة أكثر من 5 آلاف مقاتل. وشملت المرحلة الأولى أكثر من ألف من مقاتلي «وحدة النخبة» في «حماس»، هم الذين نفّذوا الاقتحام، تحت غطاء من النيران المكثفة، فيما تكوّنت الدفعة الثانية من ألفي مقاتل، قبل أن يعبر في المرحلة الثالثة، مئات المقاتلين برفقة آلاف المدنيين. واعترف مسؤول عسكري إسرائيلي بأن مقاتلي «حماس» هاجموا «قواتنا المرسلة وكبار الضباط، وعطّلوا منظومة القيادة والسيطرة»، مقراً بأن «الفوضى إثر الهجوم أدّت إلى حوادث نيران صديقة، لكنها لم تكن كثيرة». وفي حين كان القادة العسكريون يتوقعون أن يبدأ أي هجوم بري للمقاومة من 8 نقاط حدودية، إلا أن «حماس» هاجمت عبر أكثر من 60 نقطة، فيما تكشف المعلومات الاستخباراتية، طبقاً للمصدر نفسه، أن التخطيط للعملية بدأ منذ عام 2017.
تظهر المعلومات الاستخباراتية أن التخطيط للهجوم بدأ منذ عام 2017
وينسحب الفشل البري على البحر والجو أيضاً؛ إذ سلّطت صحيفة «معاريف» الضوء على بعض المعارك التي جرت في البحر، والتي كشفت عن فشل البحرية الإسرائيلية في منع زوارق مقاتلي «القسام» من دخول «شواطئ إسرائيل». وفي واحد من «أصعب الحوادث»، تمّ الدفع بمقاتلين من «لواء غولاني» إلى شاطئ زيكيم، بعد وصول قوارب «القسام»، إلا أن المقاتلين تجنبوا الاشتباك مع المقاومة، واختاروا الهرب، ما أدى إلى مقتل 17 «مدنياً» على الشاطئ، وفق «معاريف». أما الصدمة الكبيرة، فكانت تمكّن المقاومة من اقتحام المستوطنات عبر الطائرات الشراعية.
على أن الاقتحام المشار إليه لم يكن «المفاجأة» الوحيدة؛ إذ تحدّث التقرير عن صدمة العدو من إقدام المقاومة، «وحماس» على وجه الخصوص، على تنفيذ الهجوم، بعدما مارست عملية خداع استراتيجية لسنوات، ما تسبب في غياب أي معلومات استخباراتية حول العملية. كما تفاجأ جيش الاحتلال بالعدد الكبير من المقاتلين الذين تمكنوا من اجتياح المستوطنات والقواعد المحاذية لغزة خلال الهجوم، وبسرعتهم ودقة تخطيطهم.
ردود فعل
وأثار تقرير جيش الاحتلال ردود فعل غاضبة في أوساط صناع السياسة في إسرائيل، وعلى رأسهم رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الذي اعترض على عدم إرسال النتائج إليه قبل نشرها. وعلى الضفة المقابلة، وجد أعضاء المعارضة في التحقيق فرصة للانقضاض على نتنياهو، الذي يتهرب منذ 16 شهراً من تحمل المسؤولية، ملقياً اللوم بالكامل على الجيش والمؤسسة العسكرية والأمنية. ودعا عضو «مجلس الحرب» السابق، بيني غانتس، إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمي، بينما طالب زعيم المعارضة، يائير لابيد، بمحاسبة «الحكومة الفاشلة». وقال لابيد، في منشور عبر «أكس»، إن «الجيش يُظهر شجاعة ونزاهة، ويحقق مع نفسه من دون أي محاولة للتستر أو التهرب من مسؤوليته». وأضاف: «حان الوقت لكي تقوم مجموعة الجبناء الفاشلين، والتي تُسمى حكومة إسرائيل، بالشيء نفسه، بدلاً من الهروب من المسؤولية طوال الوقت».
وفي حين رأى مراقبون أن الهدف من نشر هذه الخلاصات إغراق الإسرائيليين في كمّ كبير من المعلومات حتى يفقدوا التركيز على الكثير من التفاصيل الأخرى، كشفت قناة «كان» أن «قادة كباراً أعربوا عن غضبهم خلال اجتماع عرض التحقيقات»، والذي ترأّسه هاليفي. ويرجع ذلك، بحسب القناة، إلى «تلويث هذه التحقيقات، بمعرفة من رئيس الأركان وآخرين، من خلال جعلها تتناول أموراً معينة وتتجاهل أخرى بشكل متعمّد»، جنباً إلى جنب التهرب من الإجابة عن الأسئلة الضرورية، والاكتفاء بعرضها على شكل «قصة»، وليس كتحقيقات تجيب على أسئلة عميقة.
أيضاً، نقلت القناة عن بعض القادة قولهم إنهم لا يثقون بالنتائج، لأنها تخدم رواية رئاسة الأركان وقيادة الجيش، والتي تحاول تحميل «فرقة غزة» المسؤولية وحدها، في وقت «تقع فيه المسؤولية بالأساس على رئاسة الأركان وقيادة الجيش، واللتين لم تكونا فاعلتين مع بداية الهجوم، وتحاولان، حالياً، إخفاء هذه الحقيقة».
وعلى المقلب الفلسطيني، رأت «حماس» في نتائج التحقيقات ما يؤكد تفوّق الإرادة الفلسطينية على كل الآلة العسكرية الإسرائيلية، وقدرة العقل الأمني لكتائب «القسام» على هزيمة مجموع الأجهزة الأمنية الصهيونية.