البيض كلّه في سلة الشرع.. مخرجات فضفاضة لحوار «مسلوق»
متابعات..| تقرير*
أُسدلت أخيراً الستارة على «مسرحية» الحوار الوطني في سوريا، عبر بيان ختامي تمّ إقراره بعد ساعات قليلة من عقد المؤتمر الذي شارك فيه، وفق لجنة الحوار، 550 شخصاً، تمّ اختيارهم من الإدارة السورية الجديدة للمشاركة في الفعالية التي شهدت إقصاء قوى عديدة فاعلة على الأرض، بعضها يمثّل جماعات معارضة للنظام السوري السابق، إلى جانب القوى الكردية، وجميع الجهات والفعاليات المرتبطة بنظام الأسد.
وتضمّن البيان الختامي، والذي قرأته عضو اللجنة التحضيرية، هدى الأتاسي – في ما يمثل رسالة مباشرة إلى القوى الغربية التي تنتقد ضعف مشاركة المرأة في السلطة -، في خطوطه العريضة، 12 مخرجاً، ومجموعة كبيرة من التوصيات، أبرزها: الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها على كامل أراضيها، ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم أو التنازل عن أي جزء من أرض الوطن، وإدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، والإسراع في إعلان دستوري مؤقت لسد الفراغ الدستوري بعد تعليق العمل بالدستور، والإسراع في تشكيل المجلس التشريعي المؤقت، والذي سيضطلع بمهام السلطة التشريعية، بعد حل مجلس الشعب، وتشكيل لجنة دستورية لإعداد مسوّدة دستور دائم للبلاد.
كما خلصت التوصيات إلى تعزيز الحرية، واحترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة في المجالات كافة، وحماية حقوق الطفل، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع، وترسيخ مبدأ المواطنة، وتحقيق العدالة الانتقالية، من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وإصلاح المنظومة القضائية، وسنّ التشريعات اللازمة، ووضع الآليات المناسبة لضمان تحقيق العدالة واستعادة الحقوق، فضلاً عن ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكوّنات الشعب السوري، ونبذ أشكال العنف والتحريض والانتقام كافة، بما يعزز الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي.
وإضافة إلى ذلك، تضمنت المخرجات تحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة فئات المجتمع كافة، وإطلاق عجلة التنمية الاقتصادية، وتطوير قطاعات الزراعة والصناعة، عبر تبني سياسات اقتصادية تحفيزية تعزز النمو، وتشجع على الاستثمار وحماية المستثمر، وتستجيب لاحتياجات الشعب، وتدعم ازدهار البلاد. وإلى جانب ما تقدّم، شمل البيان الدعوة إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وإصلاح المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها، والبدء بعملية التحول الرقمي، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني في دعم المجتمع، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية، وتطوير النظام التعليمي وإصلاح المناهج، وتعزيز ثقافة الحوار في المجتمع السوري.
واللافت في كل ما سبق، على رغم احتوائه على عناوين براقة، عدم تحديد مسار واضح أو خطوات محددة لتنفيذه، فيما يبدو أن الإدارة السورية الجديدة تمكنت، عبر هذه المخرجات، من التأسيس لأرضية متينة لتعزيز تحكّمها بمفاصل الدولة، الأمر الذي بدا واضحاً في برنامج الحوار ذاته، والذي بدأه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مقدّماً شرحاً مقتضباً لسياسته التي يتبعها في سوريا. وحدّد الشرع سياسته تلك بأنها تمر بثلاث مراحل (إسعافية ومتوسطة واستراتيجية) في إطار عمليات التحول نحو اقتصاد حر وبناء مؤسسات الدولة، في حين تم اختتام المؤتمر بالدعوة إلى مصافحة الشرع والتقاط الصور معه من قبل المشاركين الذين توافدوا بشكل غير منظّم نحو المنصة، قبل أن يطلب منظّم المؤتمر منهم الجلوس في أماكنهم، ويتم قطع الإرسال التلفزيوني لمجريات الحوار.
أعلنت قوى عديدة رفضها للنهج الإقصائي الذي اتّبعه مؤتمر الحوار
وبهذه المخرجات، تنتهي خطوة الحوار الوطني التي جرت على عجالة، عبر لقاءات سريعة في المحافظات السورية، ومؤتمر تم عقده لبضع ساعات ناقش خلاله مئات الأشخاص جميع هذه التفاصيل، في وقت أعلنت فيه قوى عديدة رفضها لذلك، وبينها «الإدارة الذاتية» التي تم استبعاد القوى الفاعلة فيها (الأكراد) التي دعت إلى عقد مؤتمر حقيقي لا يتم خلاله تهميش أحد، وأكّدت أن اللجنة التي شُكلت للتحضير للمؤتمر لا تمثّل مكوّنات الشعب السوري، وأن اجتماعات الحوار في دمشق لم يشارك فيها الممثلون الحقيقيون للشعب السوري، مضيفة أن المؤتمر لا يمثّل الشعب السوري وبعيد كل البعد عن طموحات السوريين. كذلك، أعلن «المجلس التركماني السوري» رفضه للنهج المتّبع في مؤتمر الحوار، معتبراً أن تهميشه يمثّل «حالة غير مقبولة لدى المكوّن التركماني». وتابع المجلس، وهو تجمع للقوى التركمانية في الشمال السوري – تعتبر من أبرز القوى التي عارضت نظام الأسد، وشكّلت نواة للتمرد في الشمال والشمال الغربي من سوريا بدعم تركي عام 2011 -، في بيان، «(أننا) كنا داعمين لجهود السوريين خلال سنوات الثورة من أجل التخلص من النظام البائد، واستمر موقفنا هذا بعد سقوط النظام، حيث وقفنا مع السوريين ودعمنا الإدارة السياسية الجديدة في دمشق بكل السبل»، مشيراً إلى أنه طالب بضرورة مشاركة جميع المكوّنات الوطنية في مؤتمر الحوار. وحذّر من «خطورة إقصاء المكوّنات والكتل السياسية وما قد ينجم عنه من انعكاسات سلبية على التطورات السياسية في البلاد».
ويأتي الانتهاء من الحوار الوطني، وما شابه من استعجال وفوضى وتوصيات فضفاضة غير ملزمة، وإقصاء لقوى وانتقاء للمشاركين، بالتزامن مع إعلان الاتحاد الأوروبي تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة مراجعة سياستها حيال سوريا، وسط حديث عن «مراقبة دقيقة» لما يجري، وعدم تجاوز خلفية الإدارة السورية الجديدة المتشددة. كما يأتي ذلك بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي المستمر حول سوريا، والذي وصل إلى حد الدعوة إلى إقامة نظام فيدرالي، خلال كلمة لوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ألقاها في اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في العاصمة البلجيكية بروكسل، واعتبر فيها الإدارة السورية الجديدة «جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة».
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هدّد بالتدخل لحماية الدروز في الجنوب السوري، مطالباً السلطات السورية الجديدة بعدم نشر أي قوى عسكرية في الجنوب، الذي يشمل ثلاث محافظات (السويداء ودرعا والقنيطرة)، ما دفع فعاليات شعبية إلى تنظيم وقفات احتجاجية في محافظات عديدة لرفض المحاولات الإسرائيلية للتدخل في الشأن السوري. وتزامن عقد المؤتمر، الذي بدأ بجلسة تعارفية عُقدت أولَ أمس، وجلسة حوارية أمس، مع تصريحات للرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري، دعا فيها إلى تدخل دولي لمراقبة العملية السياسية في سوريا لضمان عدم استئثار السلطات الحالية بالحكم، والتأكد من تمثيل جميع مكوّنات الشعب السوري. وفي تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»، قال الهجري: «حتى الآن نحن نحترم كل الآراء، لكننا لم نر القدرة على قيادة البلاد، أو تشكيل الدولة بطريقة صحيحة»، مضيفاً: «(أننا) نمضي قدماً في ذلك، على أمل أن تصبح الأمور منظّمة، أو يحدث شيء جديد بحلول نهاية الفترة المؤقتة».
في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي وصل إلى طهران قادماً من أنقرة، أن موقف بلاده واضح حيال سوريا، عبر دعم الاستقرار والسلام، في حين شدّد لافروف على ضرورة تعزيز الجهود المشتركة لضمان الاستقرار والسلام الدائم في البلاد. وأضاف: «سنفعل كل ما بوسعنا لتهدئة الأوضاع في سوريا ومنع أي تهديد لحقوق الشعب السوري والدول المجاورة»، مشيراً إلى أن «وحدة الأراضي السورية أمر مهم للغاية. لا يمكن القبول بأي محاولات لدفع بعض المناطق نحو الانفصال، فهذا أمر بالغ الخطورة»، لافتاً إلى أهمية دعم كل من روسيا وإيران والصين لمسار حل الأزمة السورية.