مصيرُ الصفقة رهن إرادة واشنطن: أزمة الأسرى الفلسطينيين ليست الأخيرة
متابعات..| تقرير*
أحدثت المظاهر التي رافقت تسليم ستة أسرى إسرائيليين أحياء، ضمن الدفعة السابعة والأخيرة من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى بين حركة «حماس» والعدو الإسرائيلي في قطاع غزة، زلزالاً في المستوى السياسي في كيان الاحتلال، حينما قام أحد الأسرى المُفرج عنهم بتقبيل جبين أحد ملثّمي «كتائب القسام» وهو على منصة التسليم. وفي مساء اليوم ذاته، ظهر الأسيران عومر فينكرت وإيليا كوهين وهما يتجوّلان برفقة عناصر «وحدة الظل» في «كتائب القسام»، حيث علّق أحدهما حين رؤيته شجرة زيتون معمّرة قطعتها جرافات الاحتلال بقوله: «يبدو لي أن عمر هذه الشجرة أكبر من دولتنا».
أما ما لم يستطع المستوى السياسي الإسرائيلي تمريره، وقرّر على إثره تأخير الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين إلى ساعات متأخرة من الليل، ثم إلى وقت غير محدد، فكان اصطحاب «وحدة الظل» جنديين إسرائيليين من المقرر الإفراج عنهما في المرحلة الثانية من الصفقة، ليشاهدا بأعينهما عملية تسليم رفاقهما في مخيم النصيرات وسط مدينة غزة، حيث وجّه الأسيران وهما يشاهدان زملاءهما رسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قالوا فيها: «يكفي يا نتنياهو. لقد قتلتنا، أَنْهِ هذا الأمر وواصل المرحلة الثانية من صفقة التبادل، الضغط العسكري سيقلتنا». ووفقاً لـ»هيئة البث الإسرائيلية»، فإنه على إثر تلك المشاهد، قرّرت الحكومة الإسرائيلية عدم الإفراج عن الدفعة المرتقبة من الأسرى الفلسطينيين، والتي تضم 600 أسير من بينهم 47 من أسرى صفقة شاليط، والذين أعاد جيش الاحتلال اعتقالهم.
وفي الإعلام العبري، أحدثت فعالية تسليم الأسرى الأخيرة حالاً من السعار، حيث وُصفت مشاهد التسليم بما تتضمّنه من استعراض للقوة والمقدّرات العسكرية والأسلحة التي اغتنمها المقاومون من الجنود الإسرائيليين في يوم السابع من أكتوبر، بأنها «إصبع في عين نتنياهو، وبناء متراكم لتبديد أي صورة انتصار حاولت المؤسسة الأمنية تقديمها خلال 15 شهراً من الحرب». وإلى جانب ذلك كله، بدّدت العلاقة بين الأسرى الإسرائيليين وآسريهم، خطاب «المظلومية والإرهاب» الذي تلوكه إسرائيل، فيما بدا واضحاً أن استعراضات التسليم تستهدف بشكل رئيسي المستوى السياسي والأمني لدولة الاحتلال، وتبتعد عن كلّ ما من شأنه إهانة الأسرى أو انتهاك كرامتهم، وتحاول تجييش الجبهة الداخلية ولجنة عائلات الأسرى الإسرائيليين لقطع الطريق على نتنياهو وحكومته اليمينية لتقويض المرحلة الثانية من صفقة التبادل، والتي تتضمّن وقف الحرب.
تأخير الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين محاولة لتمديد المرحلة الأولى والهروب من الثانية
ويأتي هذا في الوقت الذي يهدّد فيه قادة الائتلاف بإسقاط حكومة نتنياهو إذا لم يعُد الجيش إلى القتال للقضاء على «حماس»، عقب المرحلة الأولى من صفقة التبادل. كما يأتي في حين تضيق مساحة المراوغة والتلاعب أمام رئيس الحكومة، ولا سيما أن عدداً من قادة المعارضة الإسرائيليين، ومنهم زعيم حزب «الديمقراطيين»، يائير غولان، اعتبروا، في هجوم لاذع على نتنياهو ، أن «تأجيل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين هو نقض علني للاتفاق وإفشال للمرحلة الثانية من الصفقة». وأضاف غولان: «لا توجد فعلياً مفاوضات للمرحلة الثانية من الصفقة، بل أكاذيب وتخلّ عن الأسرى. لن نسمح لنتنياهو بالنجاة على حساب حياة الأسرى».
وإزاء ذلك، تبدو خيارات رئيس وزراء الاحتلال للهروب من استحقاق وقف الحرب، والذي من شأنه أن يُسقط الائتلاف، محصورة في تمديد المرحلة الأولى من الصفقة لإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى الأحياء، إذ نشرت قناة «I 24» العبرية أن هناك جهوداً تُبذل لتمديد تلك المرحلة، حتى نهاية شهر رمضان المقبل. وفي المقابل، ووسط تقديرات إسرائيلية بأن أزمة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ستأخذ طريقها إلى الحل قبل وصول مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى المنطقة الأربعاء المقبل، رفعت حركة «حماس» حدة خطابها، مؤكدة على لسان القيادي فيها، سامي أبو زهري، أن «تأخير الأفراج عن الأسرى الفلسطينيين هو خطوة غبية»، وأن «المقاومة ليست الطرف الضعيف، وأن لديها من أوراق القوة ما يُلزِم حكومة الاحتلال بكل مراحل الصفقة».
وأضاف أن «حركة حماس مكوّن رئيسي من الشعب الفلسطيني، ومن يحلم بإقصائها عن المشهد أو نزع سلاحها، واهم». وأكّد القيادي في الحركة، محمود مرداوي، بدوره، أنه «لن يكون هناك أي حديث مع العدو عبر الوسطاء في أي خطوة قبل الإفراج عن الأسرى المتفق عليهم مقابل الأسرى الإسرائيليين الستة، وعلى الوسطاء إلزام العدو بتنفيذ الاتفاق».
وبالنتيجة، ستأخذ أزمة تأخير الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين طريقها إلى الحل قبل نهاية الأسبوع الجاري، غير أن ثمة قنابل كثيرة تعترض طريق الوصول إلى المرحلة الثانية من صفقة التبادل، والتي تضمن إنهاء الحرب، وأهمها تفكيك حركة «حماس» وإبعاد قيادييها من القطاع واختفاؤها من المشهد السياسي. وإذ كانت الأخيرة «ألقت بالعصا أمام الراعي» عندما أكّدت أنها لا تطمح في البقاء في مشهد الحكم في القطاع، وأنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة مقابل وقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة وإعادة الإعمار، فإن كوابح نتنياهو لسلوك الطريق السهل لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، مرهونة ببقاء حكومته ووجوده في المشهد السياسي برمّته، ما سيضع صفقة التبادل أمام أفق واسع من الاحتمالات والمفاجآت التي قد يحملها الموقف الأميركي المرتقب.
* الأخبار