كل ما يجري من حولك

خطوة على طريق احتلال دائم: العدوُّ يلحُّ على الإحصاء السكاني

27

متابعات..| تقرير*

تكشف مصادر من القرى السورية التي احتلّها العدو الإسرائيلي بعد سقوط النظام السابق، أن عملية الإحصاء السكاني التي تعمل قوات الاحتلال عليها، تركّز على قرى «المنطقة العازلة» في محافظة القنيطرة، وتلك القريبة منها. وفي ظل عدم تجاوب السكان مع الأسئلة التي تتكرر من قبل دوريات العدو حول تعداد كل أسرة على حدة، إلى جانب رفض مخاتير القرى الإدلاء بمعلومات الإحصاءات السكانية، أجبر ضباط الاحتلال، مخاتير قرى الرفيد والأصبح والعشة والحرية والحميدية والصمدانية وصيدا الجولان، قسراً، على تسليم نسخ من السجلّات التي يمتلكونها حول الأسر وتعدادها، متذرّعين في طلباتهم المتكررة والملحّة هذه، بضرورة معرفة حجم المساعدات الإنسانية التي تحتاج إليها المنطقة، وتحديداً لناحية الوقود والطاقة الكهربائية.

والسجلّات المذكورة، وفقاً للمصادر، أُعدّت في زمن النظام السابق، بهدف تنظيم عملية تقديم المساعدات الإنسانية من قبل الجهات التي كانت تنشط في المنطقة الجنوبية من سوريا قبل سقوط النظام، وهي عملية استمرت إلى ما بعد سقوطه من خلال توزيع «الهلال الأحمر العربي السوري» لمساعدات قُدّمت، أخيراً، من قبل الحكومة السعودية.

وأثار إصرار العدو على معرفة التعداد السكاني للمنطقة التي احتلّها بشكل مباشر، والقرى الواقعة في محيطها، تساؤلات ومخاوف لدى السكان. واعتبر هؤلاء أن الإحصاء قد يكون «مقدّمة لتهجير بعض السكان بحجة أنهم ليسوا من أبناء المنطقة الأصليين»، إلى جانب احتلال أراضيهم بشكل مستدام، وبناء مستعمرات عليها، يُنقل إليها مستوطنون إسرائيليون بتعداد يجعل من سكان «العازلة» أقلية، على غرار التجربة التي عاشها السوريون في مناطق الجولان المحتل منذ عام 1967. وتتعاظم هذه المخاوف، وفقاً لأحاديث عدد من أبناء تلك المناطق إلى «الأخبار»، مع تركّز الاهتمام الذي يبديه العدو بالإحصاء، على المناطق التي تتصل جغرافياً مع الجولان المحتل، عبر طرق سهلة، من مثل «بوابة جباتا الخشب»، و«معبر القنيطرة» في محافظة القنيطرة.

وتنسحب المخاوف نفسها على أبناء مناطق «العازلة» في محافظة درعا، وتحديداً قرى «حوض اليرموك»، إلا أن المرتفعات الجبلية الوعرة التي تفصلها عن الأراضي السورية المحتلة، تجعل من أي مشروع استيطاني في القنيطرة «أولوية» في الحسابات الإسرائيلية، إذا ما جنحت نحو البدء ببناء مستوطنات في ما احتله العدو من أراضٍ، وخصوصاً أن مثل هذه الخطوة قد تحظى بموافقة من الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي كان قد اعترف بالسيادة الإسرائيلية على أراضي الجولان السوري المحتل، خلال ولايته السابقة.

لا يستغرب السكان أن يصدر قرار من قوات الاحتلال يمنعهم من تسويق منتجاتهم الزراعية إلا في اتجاه الجولان المحتل

ويتزامن ما تقدّم مع عروض يسوقها ضباط جيش الاحتلال، في محاولة لإغراء السكان بتقبّل الوجود الإسرائيلي، من خلال التركيز على واقع الحياة المعيشية في القرى الدرزية التي تقع في الجولان السوري، وخاصة مجدل شمس. وفي السياق، تقول مصادر عشائرية من قرى محتلة، إن ضباط العدو «يركّزون في أحاديثهم على الرخاء الاقتصادي وتوافر الخدمات بجودة عالية في قرى الجولان»، ويصفون «سكانها بالمسالمين، وغير المعادين للحكومة الإسرائيلية»، مع إشارتهم إلى «انخراط بعض أبناء القرى الدرزية في الجيش الإسرائيلي».

كما يقدّم هؤلاء مقارنات بين بلدة حضر، ذات الغالبية الدرزية الواقعة على «شريط فض الاشتباك»، والمناطق التي تعيش فيها عشائر عربية وتعداد ليس بقليل من الشركس. وعلى سبيل المثال، يقولون إن «حضر لم تشهد عمليات مداهمة كثيفة كما جرى الأمر في بقية القرى، ولم يُعتقل أيّ من أبنائها نتيجة لعدم إظهارهم أي تهديد للقوات الاسرائيلية، خلافاً لبقية قرى وبلدات «العازلة»، التي شهدت إصابة بعض الأشخاص بنيران العدو خلال الاحتجاجات ضد وجوده، أو الرعي بالقرب من المناطق المحظورة، بالإضافة إلى اعتقال عدد كبير من الشبان بشكل مؤقت، واعتقال 10 آخرين لا يزالون مجهولي المصير حتى الآن بعد نقلهم إلى داخل الجولان المحتل».

ويرى السكان أن مقاربات العدو تلك، تأتي لتحقيق أمرين: الأول، كنوع من الترهيب بأن الاستهدافات والاعتقالات ستبقى مستمرة في حال بقي السكان على موقفهم الرافض لوجود الاحتلال؛ والثاني، يستهدف «خلق شرخ مع المكوّن الدرزي، بزعم أنه قابل بوجود الاحتلال في القرى المحسوبة عليه». وفيما عبّر مسؤولو العدو عن أن احتلال المناطق السورية في الثامن من كانون الأول الماضي، أتى على خلفية «مخاوف أمنية»، إلى جانب ما يسمّونه بـ«خطورة» وصول تنظيمات جهادية إلى الحكم في سوريا على إسرائيل، فقد عبّرت الإدارة الجديدة في دمشق، في المقابل، مراراً عن عدم نيّتها تشكيل ذلك «الخطر»، فضلاً عن أن حواجز «الأمن العام» التابع لها لم تعترض أياً من التوغلات الإسرائيلية.

ويأتي هذا على رغم اتضاح أن مسألة السيطرة الإسرائيلية على أراضٍ زراعية خصبة تمتدّ من ريف القنيطرة، وصولاً إلى حوض اليرموك الذي ينتج زراعات مبكرة، مع السيطرة على مصادر المياه، من مثل سد المنطرة (أم العظام) وسد الوحدة (حوض اليرموك)، فضلاً عن إمكانية الوصول البرّي إلى منابع نهر الأعوج في قرى مثل عرنة، التي تقع على بعد 10 كم إلى الجنوب من مدينة قطنا، التي تبعد بدورها مسافة 16 كم عن العاصمة السورية، كل ذلك يهدّد بشكل مباشر الأمن المائي والغذائي لسوريا، وهو أمر يوازيه، في الوقت نفسه، تعطّش إسرائيلي للاستيطان والسيطرة والاستيلاء على الثروات السورية. وبناءً عليه، لا يستغرب السكان أن يصدر قرار من قوات الاحتلال يمنعهم من تسويق منتجاتهم الزراعية إلا في اتجاه الجولان المحتل، في ظلّ قطع الطرقات والحصار المفروض عليهم.

أما الوجود الإسرائيلي في مرتفعات جبل الشيخ، فإلى جانب تحقيقه بعداً أمنياً وتفوّقاً عسكرياً لإسرائيل، من خلال كشف مناطق سورية ولبنانية، فهو يحقق، في الوقت نفسه، مكاسب اقتصادية تدرّها «المنتجعات السياحية». وبناءً عليه، يرى مراقبون، في حديثهم إلى «الأخبار»، أن ما يدفع العدو إلى دراسة البنية الديموغرافية للمنطقة، هو لمعرفة مكامن الخطر وفقاً لتعريفاته، بما يساعد على دفع السكان المحليين للتسليم بالأمر الواقع واعتبار الوجود الإسرائيلي في مناطقهم قدراً لا مفرّ منه، وبالتالي القبول بالتعامل مع العدو على المستويات الاقتصادية والأمنية، بعد إطباق الخناق عليهم، الأمر الذي يتيح له البدء بإقامة المشاريع الاستيطانية، وتمكين وجوده في المناطق المحتلة حديثاً، بالتزامن مع إنشاء القواعد العسكرية، وسط اكتفاء دمشق بـ«الفرجة» على ما يحدث جنوباً.

* الأخبار
You might also like