كل ما يجري من حولك

ترامب يجازفُ بأمن العالم.. وقفُ إطلاق النار في مهبّ الريح

18

متابعات..| تقرير*

بعدما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدء «نفاد صبره» من سير وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشجّعاً إسرائيل على «إلغاء» العمل به بدءاً من السبت، كثرت التكهنات حول مستقبل الاتفاق الهش بالفعل، ومدى إمكانية صموده مستقبلاً، حتى في حال تم تجاوز العقبات الأخيرة التي تزيدها تصريحات الرئيس الجمهوري، غير المتزنة، تعقيداً. ويأتي ذلك في حين يقرّ العديد من المسؤولين الإسرائيليين بأنّ حكومة بنيامين نتنياهو ارتكبت، ولا تزال، العديد من الخروقات التي تحدّثت عنها المقاومة الفلسطينية، ما يُنذر بأنّ ترامب قد يعمد، فعلياً، إلى «إنقاذ» حليفه نتنياهو، من خلال السماح له بإسقاط الاتفاق. ومع أن مسؤولين إسرائيليين اعترفوا، في حديث إلى وسائل الإعلام، بأنّ موقف «حماس» يأتي على الأرجح «رداً على خطة ترامب للاستيلاء على القطاع»، واشتباه الحركة بأن نتنياهو لن ينخرط في مفاوضات جادّة بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، تحدّث مسؤولون أميركيون عن أنّ الإدارة الأميركية «ستدعم إسرائيل» في حال «فشل الاتفاق».

وسبق أن أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير، أنّه فيما كان من المفترض أن تبدأ المفاوضات المشار إليها مطلع الأسبوع الماضي، فقد أرجأ نتنياهو إرسال فريقه إلى قطر، حتى أوائل هذا الأسبوع. وطبقاً لخمسة مسؤولين إسرائيليين ومسؤول لدى إحدى الدول الوسيطة، فإنّ الوفد كان يتألف من ثلاثة مسؤولين «لم تسبق لهم المشاركة في جهود إسرائيل التفاوضية»، وقد كان مخوّلاً لهم «الاستماع فقط، وليس التفاوض». كذلك، أكّد اثنان من المسؤولين أنّ الوفد الإسرائيلي اكتفى، بالفعل، بـ»الاستماع إلى الاقتراح القطري العام بشأن المرحلة الثانية»، قبل إعلانه أنه سيعود إلى إسرائيل لنقله، ما خلق تصوراً بأنّ رئيس وزراء الاحتلال «يلعب لكسب المزيد من الوقت»، بدلاً من بذل محاولة جدية لتمديد الهدنة، علماً أنّ الوفد الذي أرسله نتنياهو قبل التوصل إلى الاتفاق كان قد مُنح تفويضاً واسعاً واستثنائياً للتفاوض.

وطبقاً للمصدر نفسه، وبالرغم من أنّه من المرجّح أن يتم التوصل إلى «حل وسط» يتيح استكمال الاتفاق في المستقبل القريب، فإنّ التطورات الأخيرة تسلط الضوء «على هشاشة» الاتفاق، وتقلّل من إمكانية استمراره إلى ما «بعد أوائل آذار بكثير»، أي عندما تصبح كل من «حماس» وإسرائيل مضطرتين إلى التفاوض على تمديده. ويتبنى هذا الرأي إبراهيم دلالشا، مدير «مركز هورايزون»، وهو مجموعة أبحاث سياسية في رام الله في الضفة الغربية، إذ يؤكد أنّه «من المحتمل أن يتوصلوا إلى حل وسط قبل يوم السبت، إلا أنّ هذه الأزمة مقدّمة لأزمة أكبر بكثير قادمة في أوائل آذار».

يقرّ مسؤولون إسرائيليون بأنّ حكومة نتنياهو ارتكبت العديد من الخروقات التي تحدّثت عنها المقاومة

وبحسب الصحيفة، تنبع المواجهة الحالية جزئياً من اتهام «حماس» لإسرائيل بالفشل في الوفاء بوعودها للمرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، والتي طُلب من إسرائيل، بموجبها، إرسال مئات الآلاف من الخيام إلى غزة، من بين إمدادات إنسانية أخرى. وتنقل الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين ووسطاء قولهم إنّ «مزاعم (حماس) دقيقة»، على الرغم من نفي الجهات الإسرائيلية المعنية بتسليم المساعدات للقطاع صحة تصريحات الحركة. وطبقاً للعديد من المراقبين، فإنّ الجانب الإنساني في الاتفاق، يمكن تجاوزه في حال سمحت إسرائيل بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة.

وبصورة أعمّ، يرى خبراء أنه على الرغم من أنّ خطط ترامب لتهجير الغزيين والاستيلاء على القطاع قد لا تتحقق، إلا أنّ مجرد اقتراحها يضع الأميركيين مباشرة «في مرمى المتطرفين الإسلاميين»، لا فقط في الولايات المتحدة، ولكن في جميع أنحاء العالم، وفق ما تنقل عنهم مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، في مجموعة تقارير اعتبرت فيها أنّ مواقف ترامب الأخيرة قد تتسبب في فوضى تتجاوز فلسطين والمنطقة. ويحذّر هؤلاء من أن الاحتلال العسكري الأجنبي هو السبب الرئيسي لـ»أسوأ أشكال الإرهاب»، وصعود «الجماعات الإرهابية التي تستخدم التكتيكات المميتة»، ولا سيما أنّ الهدف المشترك لتلك «الجماعات» يتمثل في «إجبار المحتلين الأجانب على سحب القوات العسكرية من الأراضي التي يعتبرها الإرهابيون وطنهم»، ونادراً ما يكون الدين هو السبب الجذري لها.

ويشير أحد الخبراء، في تقرير نشرته المجلة نفسها، إلى أنّ وقوف مجرم مدان إلى جانب مجرم حرب في مؤتمر صحافي مشترك، شكّل بداية «النكتة»، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي عن خطته للتطهير العرقي لقطاع غزة وسيطرة الولايات المتحدة على ما يعتبره «منطقة عقارية رئيسية». وعلى الرغم من أنّ المشهد يبدو كوميدياً، إلا أنّ «قلة في المنطقة يضحكون». وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدّم، عانى الشرق الأوسط عقوداً من عدم الاستقرار والصراع بسبب التطهير العرقي للفلسطينيين في عام 1948 وإنشاء «دولة إسرائيلية»، ومن المؤكد أن المنطقة لا تريد الاستمرار في هذا الطريق للقرن المقبل، فقط لإرضاء الولايات المتحدة ورئيسها الذي لن يكون موجوداً إلا لبضع سنوات أخرى، منبّهين إلى أنّه من خلال الدعوة إلى مثل تلك السياسات الإجرامية، فإن ترامب لا يقلّل فقط من احتمال توسيع «اتفاقيات أبراهام»، لتشمل دولاً مثل السعودية، بل يقوّض أيضاً حظوظ صمود الاتفاقيات الأخرى، من مثل تلك التي تمّ إبرامها مع مصر والأردن.

* الأخبار البيروتية

You might also like