كل ما يجري من حولك

الاحتلال يسرّع خطة التهجير.. اشتداد العدوان على الضفة

31

متابعات..| تقرير*

يتوسّع العدوان الإسرائيلي في مخيّمات شمال الضفة الغربية ومدنها، ولا سيما جنين وطولكرم وطوباس، لفرض واقع جغرافي جديد، يصاحبه تغيير سياسي تسعى سلطات الاحتلال إلى ترسيخه. وطاول العدوان مخيم نور شمس في طولكرم، والذي شهد، أولَ أمس، اقتحاماً عسكرياً إسرائيلياً كبيراً، بعد حصاره من جميع الاتجاهات. وعلى غرار ما فعلته في مخيّمات طولكرم وجنين والفارعة، أجبرت قوات الاحتلال مئات العائلات على الخروج من منازلها في المخيّم، وحوّلت الأخيرة إلى ثكنات عسكرية، تزامناً مع إحراق منازل وتجريف شوارع وإغلاق لمداخل حارات المخيّم بالسواتر الترابية.

ونتيجة لذلك، استشهد في الساعات الأولى من العدوان، أربعة فلسطينيين، بينهم امرأتان وجَنين، ومقاوم واحد، ما يرفع عدد شهداء العملية المتواصلة في طولكرم منذ أسبوعين، إلى ثمانية، يضاف إليهم عشرات الإصابات وآلاف النازحين. وتشير التقديرات إلى أن عدد النازحين من شمال الضفة، ارتفع إلى ما يزيد على 34 ألف فلسطيني، نحو 20 ألفاً منهم هُجّروا من مخيم جنين، و10 آلاف و500 من مخيم طولكرم، ونحو أربعة آلاف من بلدة طمون.

وفي المقابل، شهد مخيم نور شمس اشتباكات عنيفة بين المقاومة وقوات الاحتلال، استشهد على إثرها المقاوم إياس الأخرس. وفي الإطار نفسه، ذكرت مصادر محلية أن قوّة راجلة إسرائيلية وقعت في كمين نصبته المقاومة لها داخل حارة المدارس في المخيم. وأعلنت «كتائب القسام» تنفيذها كميناً مُحكماً ضد قوّة راجلة إسرائيلية داخل حي المنشية، حيث حقّقت إصابات مؤكدة. ومن جهتها، قالت «سرايا القدس – كتيبة طولكرم»، إن مقاتليها تمكّنوا من إيقاع قوات المشاة في عدد من الكمائن وتدمير الجرافات العسكرية والأرتال بعبوات من نوع «السيف» و»الشجاع» و»الغيث». كما أعلنت فصائل المقاومة إحباطها عملية تسلُّل لقوة مشاة خلال محاولتها التمركز داخل منزل في محور المنشية، وإيقاعها في حقل من النيران.

وفي محافظة جنين، لا تزال العملية العسكرية على أشدّها، حيث لم تَعُد مقتصرةً على المدينة والمخيم، بل توسّعت إلى ريف المدينة، فتعرّضت بلدة السيلة الحارثية لعدوان عسكري استمرّ لساعات، فجّرت القوات الإسرائيلية خلاله منزلاً وأحرقت عدداً آخر، بينما خلّفت دماراً في محالّ تجارية، وممتلكات عامة. وأتى ذلك في وقت تصدّى فيه مقاومون لقوات الاحتلال واشتبكوا معها، وتمكّنوا من إعطاب آلية عسكرية جرّاء تفجير عبوة ناسفة.

كشفت المشاهد وروايات شهود العيان عن دمار وخراب غير مسبوقَيْن في مخيم جنين

وبعدما وصل عدد من الصحافيين والمواطنين، أولَ أمس، إلى بعض أحياء مخيم جنين، كشفت المشاهد وروايات شهود العيان عن دمار وخراب غير مسبوقَيْن يُشبهان ما جرى في قطاع غزة. ووفقاً لمساعد محافظ جنين، منصور السعدي، فإن «الاحتلال دمّر مخيم جنين بالكامل، وهجّر أكثر من 20 ألف مواطن قسراً»، علماً أن تقديرات البلدية تشير إلى تدمير قرابة 100 منزل بشكل كامل، وحرق وهدم مبان أخرى بشكل جزئي، فيما أكدت شهادات الصحافيين أن ما جرى في المخيّم يفوق بكثير كل الأرقام والتقديرات.

وقالت اللجنة الإعلامية في مخيم جنين، إن العدوان على الضفة أسفر عن ارتقاء 49 شهيداً، 25 منهم في جنين، لافتةً إلى أن المخيم يُعاني من انقطاع تام للمياه والكهرباء ونقص حادّ في المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية للأطفال، إلى جانب توقُّف المدارس والخدمات الصحية، ما يفاقم الأوضاع المعيشية سوءاً. وإذ أشارت إلى أن ما بين 150-180 منزلاً ومنشأة تعرّضت لأضرار متفاوتة بين تدمير كلّي وجزئي، فهي بيّنت أن أربعة مستشفيات تواجه أزمة حادّة، إذ لا تتوفّر فيها المياه، ما يزيد من صعوبة تقديم الخدمات الصحية، في حين يعاني 35% من سكان مدينة جنين من نقص المياه.

وإلى العدوان العسكري، نقلت صحيفة «الأيام» المحلية عن مصادر لم تسمّها، قولها إن اجتماعاً عُقد في مقرّ «الإدارة المدنية» الإسرائيلية في معسكر «سالم»، مع ممثّلين عن غرفة تجارة وصناعة جنين والبلدية، بتنسيق من الهيئة العامة للشؤون المدنية، أوضح خلاله الاحتلال نواياه المستقبلية لفرض واقع جديد في المدينة والمخيم، في ما يمثّل جزءاً من مخطّط أوسع لتصفية قضية اللاجئين، وإعادة تشكيل الحياة اليومية في المدينة. ووفقاً للصحيفة، فقد عرض الاحتلال على ممثّلي البلدية والغرفة، فتح الأسواق والمحال التجارية وعودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة، لتحريك العجلة الاقتصادية، على أن يسمح للبلدية بتنفيذ عمليات تنظيف وتعبيد للشوارع المدمّرة بالتعاون مع شركات إسرائيلية، وهو أمر رفضه ممثّلو البلدية والغرفة بشكل حاسم.

وعلى صعيد مؤسسات اللاجئين ودمج المخيم بالمدينة، أكّد جيش الاحتلال أن مؤسسات «الأونروا»، بما في ذلك مدارس اللاجئين والخدمات الأخرى، ستنتهي، وسيتمّ دمج المخيم بالمدينة ليصبح أحد أحيائها الغربية، على أن تنتقل خدمات التعليم والصحة والمساعدات والخدمات، إلى السلطة الوطنية. ويتضمّن المخطّط الإسرائيلي، تعزيز وجود جيش العدو في المنطقة ليصبح أمراً واقعاً، بحيث تكون العمليات العسكرية جزءاً من الحياة اليومية، مع تعزيز الحصار الاقتصادي الذي يسهم في خلق بيئة يفقد فيها الفلسطينيون أيّ أمل بالحياة داخل الضفة الغربية، ما يدفعهم بالتالي إلى الهجرة الطوعية. وبحسب ضباط الإدارة المدنية، فإن العمليات العسكرية داخل المخيم تحتاج إلى فترة زمنية طويلة، يضمن خلالها الجيش عدم عودة آلاف النازحين إلى منازلهم.

من جهة أخرى، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن قائد القيادة الوسطى لجيش الاحتلال، أفي بلوط، وقائد فرقة الضفة الغربية العسكرية، ييكي دوليف، بادرا إلى توسيع التعليمات للقوات بإطلاق النار خلال العملية العسكرية الحالية، وهو ما أدى إلى ارتقاء عدد كبير من الشهداء غير المسلّحين، ومن بينهم أطفال، وفق إفادات ضباط وجنود إسرائيليين، أكدوا أن بلوط أوعز إلى قوات الجيش بأنه «بإمكانها إطلاق النار من أجل القتل على أي شخص»، وأنه لا حاجة إلى ممارسة إجراءات اعتقال، بحسب ما ذكرت صحيفة «هآرتس».

ويدعي جيش الاحتلال بأن هدف هذه التعليمات هو منع المقاومين من زرع ألغام في المناطق التي تتوغّل فيها القوات الإسرائيلية، فيما نقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية، قولها إن هذه التعليمات فضفاضة، وجعلت أيدي الجنود «خفيفة على الزناد». وأضافت أن التوجيهات التي أصدرها قائد فرقة الضفة، منذ بداية العملية العسكرية في 21 كانون الثاني الماضي، تسمح للسكان بالنزوح عن «مناطق القتال»، واستخدام مركبات من أجل النزوح. لكنّ ضباطاً وجنوداً إسرائيليين أفادوا بأن دوليف سمح للقوات بإطلاق النار على مركبات قادمة من «منطقة قتال» في اتجاه حاجز عسكري، بهدف إرغام سائقيها على التوقّف قبل وصولهم إلى الحاجز.

* الأخبار البيروتية
You might also like