انسحاب الحاملة “ترومان” من الأحمر.. تحوُّلٌ استراتيجي أم ابتزاز مالي؟
متابعات..|
رجّح محللون سياسيون وعسكريون أن يكون تحرّك حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط مؤشرًا على تحول في الاستراتيجية الأمريكية، يهدف إلى تحميل دول الخليج أعباء مالية جديدة مقابل استمرار الحماية العسكرية الأمريكية في المنطقة، في ظل التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر وفشل واشنطن في تأمين الملاحة الإسرائيلية.
تكلفة الوجود الأمريكي في المنطقة.. ابتزاز مالي؟
وقال الخبير العسكري والاستراتيجي محمد الصمادي، في مداخلة على قناة “المهرية”، إن إدارة دونالد ترامب تنظر إلى التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بمنظور اقتصادي بحت، وتسعى لتحقيق “تكلفة صفرية” عبر تحميل الحلفاء الخليجيين أعباء تأمين القوات الأمريكية، خاصة مع استمرار خطر الهجمات اليمنية على السفن المرتبطة بإسرائيل.
وأوضح الصمادي أن إعادة تمركز حاملة الطائرات “ترومان” يعكس إعادة تقييم الإدارة الأمريكية لوجودها العسكري، مضيفًا أن الجيش الأمريكي تكبّد خسائر كبيرة في البحر الأحمر، نتيجة فشل واشنطن في التصدي للهجمات اليمنية التي استهدفت السفن الحربية الأمريكية، وأجبرت البحرية الأمريكية على التراجع دون تحقيق أهدافها المعلنة.
الضغط على دول الخليج لتمويل العمليات العسكرية
أما المحلل السياسي الجزائري إدريس ربوح، فقد وصف المرحلة الجديدة بـ”عصر التجار وليس الساسة”، مشيرًا إلى أن ترامب ينظر إلى دول الخليج كصناديق سيادية يجب استنزافها ماليًا، وهو ما يفسّر تحركاته الأخيرة التي تعتمد على استخدام التهديدات الأمنية وسيلة للابتزاز المالي.
وأكد ربوح أن قرار سحب حاملة الطائرات الأمريكية قد يكون جزءًا من استراتيجية الضغط على دول الخليج، عبر تضخيم التهديد اليمني في البحر الأحمر، وإجبار الدول الخليجية على تمويل عمليات عسكرية أمريكية جديدة، وهو سيناريو سبق أن استخدمه ترامب خلال فترة رئاسته الأولى لابتزاز السعودية والإمارات، من خلال التلويح بالانسحاب العسكري.
واشنطن تغادر دون تحقيق أهدافها.. والملاحة الإسرائيلية لا تزال محظورة
يأتي هذا التحول في وقت لا تزال فيه الملاحة الإسرائيلية محظورة بالكامل في البحر الأحمر، إذ لم تنجح البحرية الأمريكية منذ نوفمبر 2023 في تأمين مرور أي سفينة إسرائيلية عبر باب المندب، رغم نشرها عشرات القطع العسكرية وشنها مئات الضربات الجوية ضد اليمن.
ورغم إعلان صنعاء إيقاف استهداف السفن الأمريكية والبريطانية بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن الحظر اليمني لا يزال مفروضًا على الملاحة الإسرائيلية، ولن يُرفع إلا بعد إنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة بالكامل، وهو ما يعني أن الانسحاب الأمريكي تم دون تحقيق أي اختراق لصالح تل أبيب، ما يعكس تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
خسائر استراتيجية لواشنطن.. ونجاح يمني في فرض معادلات جديدة
يرى مراقبون أن واشنطن لم تفشل فقط في إعادة فتح خطوط الشحن الإسرائيلية في البحر الأحمر، بل اضطرت أيضًا إلى التراجع عسكريًا دون تحقيق نتائج ملموسة، ما يعكس مدى التغير في موازين القوى الإقليمية لصالح صنعاء، ويضعف قدرة واشنطن على الضغط المباشر لحماية المصالح الإسرائيلية.
وبهذا، يبدو أن الانسحاب الأمريكي لا يعكس فقط تحولًا استراتيجيًا، بل هو اعتراف غير مباشر بالعجز عن فرض معادلات جديدة في البحر الأحمر، ما يفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة قد تشمل تصعيدًا أمريكيًا بتمويل خليجي أو قبولًا أمريكيًا بمعادلة الردع التي فرضتها صنعاء.
المساء برس