كل ما يجري من حولك

ابن سلمان – الشرع: الصورةُ الملتبسة

31

متابعات..| تقرير*

يختصر اللقاء بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، الكثير من الرمزيات والمفارقات التي يندر جمعها في صورة واحدة هذه الأيام، في الوقت الذي يزداد فيه الفرز في الشرق الأوسط حدّة، بعد التحوّلات التي شهدها في السنة الأخيرة. وربما كان التحوّل الأكبر هو ذلك الذي أُخضعت له «هيئة تحرير الشام» وغيرها من فصائل المعارضة السورية، والذي مكّنها من استغلال الفرصة التي توافرت لها للإطاحة ببشار الأسد، في لحظة انعدام وزن إقليمية كبيرة، يبدو أن المصادفات والأقدار أيضاً كان لها يد فيها.

ويتصرّف الشرع كَمَن التقط فرصة لا يريد أن يضيّعها، مهما كان ثمن الإمساك بها. فالرجل الذي كانت طبيعة انتمائه إلى تنظيم «القاعدة» تضعه في خانة المعادي لكل العالم، يتصرف الآن، وبعد وقت ليس بطويل على مبايعته زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أيمن الظواهري، كما لو أن ليس له أعداء في هذا العالم. لا بل إن أميركا وفرنسا وتركيا وروسيا وإسرائيل والسعودية وقطر والإمارات، كلها دول وأطراف يريدها أن تكون صديقة، أو داعمة، أو على الأقل محايدة وغير معادية، علماً أن التناقضات بين بعض هذه الدول، ستحيله عاجلاً أم آجلاً إلى خانة من الخانات التي تصنّف فيها أصدقاءها وأعداءها. وحتى إيران التي يحمّلها مسؤولية دعم النظام السابق ضد المعارضة في السنوات الماضية، لا يبدو منغلقاً تماماً على فتح خطوط معها، وإن كان غير مستعجل لذلك، لأن من يريد الحصول على دعمهم، المالي والسياسي، ممن هم قادرون على فعله، هم على الطرف النقيض من طهران. وعليه، هو قد يكون مستعداً لعلاقة مع إيران توفّر له ضمانة بأن لا تفعل شيئاً يقوّض حكمه على الأقل.

ما من شك في أن الوضع الاقتصادي المعدم الذي ورثه الشرع في سوريا، يحتّم عليه ألا يثير عداوات، لأن في تفكيره أن عدم القدرة على تلبية احتياجات السوريين الأساسية سيكون الخطر الأول على حكمه الناشئ. وفي ضوء ما تقدّم، تصبح الزيارة للسعودية بصفتها أول رحلة خارجية له، أمراً منطقياً جداً، لا بل إن حليفته الأساسية، تركيا، ومعها قطر، لا يزعجها ذلك، فهي مطمئنة إلى العلاقة البنيوية التي تربطها بقيادة سوريا الجديدة، والتي لا يبدو أن لدى الأخيرة قدرة على التحلّل منها في أي مدى منظور. ولا يضيرها أن تحصل تلك القيادة على دعم سعودي يخفّف العبء عن أنقرة التي تتحمّل بشكل أو آخر مسؤولية توفير الحد الأدنى من متطلّبات الشعب السوري، باعتبارها الوصي الجديد على البلاد، فضلاً عن كونها مضيفاً كبيراً للاجئين السوريين الذين ترغب في التخلّص منهم. ومن هنا، فإن السؤال هو ليس عن سبب زيارة الشرع، وإنما عن سبب استقبال ابن سلمان له؛ إذ كان من أهم دلالات الصورة التي جمعتهما، ما يتصل منها بالعلاقة الملتبسة بين المملكة وتنظيم «القاعدة» الذي كانت الرياض تحاربه، وفي الوقت نفسه تُتهم بأنها تدعمه، وبأنها، في كل الأحوال، وفرت البيئة العقائدية لوجوده، عبر تطبيقها الإسلام المتزمّت الذي يحاول ابن سلمان إبعاد المجتمع السعودي عنه، إلى حد المبالغة في تطويع المملكة وفقاً لكلّ ما هو معاكس للتزمّت المشار إليه.

الغالب أن ابن سلمان يعلم أنه ليس من الممكن إبعاد الشرع أو سوريا الجديدة عن تركيا، ولا يمكنه دفع القيادة الجديدة في دمشق حتى إلى إحداث توازن في العلاقات مع كل من الرياض وأنقرة. ولذلك، يبدو أن الشغل الشاغل له في العلاقة مع الشرع هو الكيد ضد الإمارات ورئيسها، محمد بن زايد، وليس بناء نفوذ سعودي مستدام، في ما يعدّ مؤشراً إلى أن النظام السعودي ما زال يدير سياسته الخارجية بمنطق المكائد وتصفية الحسابات وليس بعقلية الدولة ومصالحها؛ ولذا، يخسر في رهاناته مرة بعد أخرى. في هذا الجانب وحده، يمكن للشرع إفادة ابن سلمان؛ فهو ليس مقبولاً من جانب الإمارات التي تعاملت بمهانة مع وزير خارجية الأول، أسعد الشيباني، عندما ذهب إليها والتقى نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، ليتضح أن أبو ظبي ليست معنية بإقامة علاقات مع النظام السوري الجديد، وإنما بالوقوف ضده.

ومن هنا، نصح أحد المعارضين السعوديين الشرع بأن يستثمر في هذا المشهد الإقليمي لمصلحته، وأن يسعى إلى تحقيق مكاسب عبر مجاراة ابن سلمان في سياسة التطبيل وإظهاره كقائد للشرق الأوسط، بدلاً من ترك الأموال السعودية تتدفّق نحو الصهاينة بلا مقابل. وبالمناسبة، فإن إحدى مفارقات صورة الشرع وابن سلمان، أن المعارضين السعوديين الذين يغلب عليهم العنصر الإسلامي، هم من أشد كارهي نظام الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، والمتحمّسين للمعارضة وللشرع نفسه، ما يجعل الأخير ضيفاً غير متوقّع على ولي العهد السعودي. والواقع أن شيئاً واحداً أتقنه ابن سلمان من تجاربه منذ إمساكه بالحكم، هو أن السخاء في الدفع لا يكون إلا لمن يستطيع توفير الحماية الحقيقية، أي أميركا بقيادة دونالد ترامب التي استقبلها بشيك قدره 600 مليار دولار كاستثمارات. ولذا، فإن ما حصل عليه الشرع حتى الآن هو كمية من المواد الإغاثية التي تشتري بها المملكة رضا السوريين، فيما يبقى الدعم الحقيقي، رهناً بما سيؤول إليه التنافس على النفوذ في سوريا.

* الأخبار

You might also like