الكوادرُ الطبية بلا حماية: انعدامُ الأمن يهدّد المستشفيات
عُلقت على باب مشفى الأطفال الجامعي في دمشق لافتةٌ تؤكد فيها الإدارة أن المشفى مغلق حتى تأمين الحماية لكادره من قبل الأمن العام، في أعقاب وقوع العديد من الاعتداءات على العاملين فيه، والتي وصلت إلى حدّ التعرض جسدياً لهم. على أنّه بعد نحو ساعتين، وعلى إثر تعهد عناصر من «هيئة تحرير الشام» بـ«تأمين الحماية اللازمة للعاملين» في المستشفى، سارع الأطباء والممرضون إلى استكمال رعاية عملهم، ضمن الإمكانات المتاحة، علماً أنّ الحوادث المشار إليها كانت قد تكررت، خلال الفترة الماضية، في أكثر من مشفى حكومي، بسبب غياب عناصر الحرس عن الكثير من المباني الحكومية منذ سقوط نظام بشار الأسد.
وعلى الرغم من أنّ المشفى المركزي المشار إليه، وهو الوحيد المخصّص للأطفال في سوريا، يعاني من نقص كبير في الموارد والأدوات والكوادر، فهو لا يزال يستقبل يومياً، وبشكل مجاني، عدداً كبيراً من الحالات المرضية الإسعافية والعلاجية من مختلف المحافظات السورية. وفي الآونة الأخيرة، زاد سوء تعامل الكثير من أهالي المرضى، والذين استغلوا الفوضى التي أصابت المشافي الحكومية، ليزيدوا باعتداءاتهم اللفظية تجاه الموظفين، والتي وصلت حتى إلى التهديد بالقتل، من التحديات التي يواجهها المشفى.
وفي حديث إلى «الأخبار»، تتحدث الدكتورة ر. م، وهي طبيبة مقيمة في مشفى الأطفال، وكانت شاهدة على تفاصيل الحادثة الأخيرة، والتي قام خلالها أحد الأشخاص بالتهجم على المشفى، في أعقاب وفاة طفله في العناية المشدّدة، عن «أننا قدّمنا للطفل كل ما نستطيع فعله خلال استقباله في المشفى لمرتين متتاليتين، لكن حالته الصحية تفاقمت لسببين؛ الأول إخراجه على مسؤولية أهله في المرة الأولى قبل الشفاء التام، والثاني إصابته بـ(كوفيد – 19)». وتتابع: «ورغم تفهمنا للعبء النفسي لأهل الطفل طيلة فترة مكوثه في المشفى، إلا أنهم لم يقدّروا جهودنا ومحاولات إنقاذ طفلهم التي باءت بالفشل، فتصاعد الموقف حتى وصل بوالد الطفل إلى رمي جثة ابنه على مكتب مديرة المشفى، وصفعها وتكسير بعض الأثاث فيه».
قام الكادر الطبي في مشفى الأطفال بوقفة احتجاجية، مطالباً الأمن العام بتوفير الحماية له
وتعقيباً على ذلك، قام أفراد الكادر الطبي بوقفة احتجاجية، وأغلقوا باب الإسعاف لساعتين، مطالبين الأمن العام بتوفير الحماية لهم، ولا سيما أنّ الأخير لا يزال يتعامل مع «فورات» المراجعين بـ«اللين والمسايرة»، طبقاً للمصدر نفسه. وتردف الطبيبة أنّه في حال استمر النهج الحالي، فلن يكون هناك أي انضباط في المشافي، «وسيستمر مسلسل تعرّضنا اليومي للإهانات والاتهامات والاستفزاز والتقليل من شأننا، والذي تفاقم منذ سقوط النظام السابق»، مشيرة إلى أنه بعد الاحتجاج القصير، وتوقيف والد الطفل المتوفى، تابع الكادر الطبي عمله بشكل كامل.
وعلى الضفة نفسها، يروي أحد الأطباء المقيمين في مشفى «ابن النفيس الحكومي»، والذي رفض الكشف عن هويته، لـ«الأخبار»، تفاصيل حادثتين وقعتا الشهر الماضي في المشفى. وبدأت الأولى مع اعتداء مرافقي أحد المرضى لفظياً على طبيب مقيم خلال مناوبته ليلاً، بحجة أن والده لم يتحسّن بعد أربع ساعات من دخوله العناية المشددة، وكادت الأمور أن تتطور إلى الضرب، لولا انسحاب الطبيب بهدوء. أمّا الحادثة الثانية، فتمثّلت بتهديد والد طفل تعرض لحرق كهربائي الأطباء بـ«القتل»، في حال توفي ولده.
ويحذّر الطبيب من أنّ «وضع المناوبات الليلية في المشافي أصبح سيئاً جداً، وسط غياب تام للحماية»، مؤكداً أنّ «الموضوع بحاجة إلى حلّ وإلا ستعاني المشافي الحكومية من تسرب كبير في الكوادر». ويتابع: «المراجعون يعتقدون بأن الحرية التي نلناها بعد سنوات من القمع تسمح لهم بأن يعتدوا على طبيب ولو لفظياً»، مشيراً إلى أنّ «غياب عناصر الأمن التي كان يضعها النظام السابق في كل مشفى حكومي كسر لدى البعض احترام مهنة الطبيب وتفانيه في العمل الحكومي، والذي يتقاضى منه راتباً هزيلاً».
* الأخبار