كل ما يجري من حولك

“إسرائيلُ” تنقُلُ عدوانَها إلى الضفة: جنين هدفٌ لعملية «طويلة الأمد»

25

متابعات..|  تقرير*:

لم تمض سوى أيام قليلة على وقف إطلاق النار في غزة، حتى شرعت إسرائيل في عدوان واسع على الضفة الغربية، بدءاً من مخيم جنين، يشارك فيه الجيش وجهاز الأمن (الشاباك) وحرس الحدود. وفيما أفادت “القناة الـ 12” بأن الجيش دفع، أمس، بمزيد من القوات التابعة للواء “كفير” إلى المخيم، ذكرت “القناة الـ 14” أن “العملية في جنين انطلقت بقرار من المستوى السياسي بعد اجتماع الكابينت الجمعة”، وذلك بعد قراره “إدخال الضفة ضمن أهداف الحرب”، لافتةً، نقلاً عن مصدر عسكري، إلى أن العملية العسكرية الواسعة في شمال الضفة قد تستمرّ أشهراً”. وفي بيان أعقب بدء العملية التي سُمّيت “الأسوار الحديدية”، قال رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إنه “تحت إشراف مجلس الوزراء السياسي والأمني، أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، اليوم (أمس)، عملية عسكرية واسعة النطاق ومهمّة في جنين، وهذه خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حدّدناه، وهو تعزيز الأمن في الضفة الغربية. ونحن نتحرّك بشكل منهجي وحازم ضدّ المحور الإيراني أينما يرسل أسلحته – في غزة ولبنان وسوريا واليمن والضفة”.

وبدأت العملية بتسلُّل قوات خاصة إلى المخيّم، الذي كان تحت حصار أجهزة الأمن الفلسطينية التي تفاخر الناطق باسمها، أنور رجب، في بيان صباح أمس، بتحقيق إنجازات هناك، من بينها “تفكيك عبوات ناسفة كانت مزروعة”. ومع تسلّل القوات الإسرائيلية إلى المخيم، انسحب الأمن الفلسطيني من محيطه، بعد 45 يوماً على إطلاقه عمليته هناك. ووفقاً لمصادر “القناة الـ 12″، فإنه “قبل بدء عملية جنين، تلقّى مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية رسائل من مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول نيّة تنفيذ العملية، والآن تنسحب السلطة من هناك”. وعلى إثر ذلك، شنّت طائرات الاحتلال غارة في المخيم، وفتحت نيران رشاشاتها، بينما قامت المسيّرات بإلقاء قنابل على مناطق عدة فيه. وفي حصيلة أولية للعملية العسكرية، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن سقوط 10 شهداء وأكثر من 40 إصابة في المخيم، حيث استمرّت الاشتباكات العنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال، مساء أمس، فيما أُعلن، عبر الإعلام العبري، أن 4 جنود إسرائيليين أصيبوا بجروح متوسطة إلى خفيفة جرّاء انفجار عبوة ناسفة في جنين. كذلك، نفّذت قوات الاحتلال اقتحاماً لبلدة قباطية، لم تُعرف ملابساته حتى المساء.

من جهته، دعا رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، إلى الاستعداد لِما وصفها بـ”العمليات الكبيرة” التي قد تحدث في الضفة خلال الأيام المقبلة. وقال، في بيان: “مع العمليات الدفاعية المكثّفة في قطاع غزة، علينا أن نكون مستعدّين لعمليات كبيرة في الضفة الغربية في الأيام المقبلة، لاستباق الإرهابيين والقبض عليهم قبل وصولهم إلى الإسرائيليين”. وتأتي تصريحات هاليفي بعد دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، والتي بموجبها سيتمّ وقف الحرب مؤقتاً على القطاع، في مقابل إطلاق سراح أسرى إسرائيليين لدى المقاومة وتحرير أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، بينهم أصحاب مؤبدات ومحكوميات عالية.

ثمّة خشية من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وخاصة في ظلّ تصاعُد الغضب الشعبي من الإجراءات القمعية الإسرائيلية

وبين مساء الإثنين وصباح الثلاثاء، ارتسم مشهد في غاية السوداوية يبدو أنه سيشكّل مستقبل الضفة في الفترة المقبلة، بعدما اعتبر جيش الاحتلال ومعه عصابات المستوطنين القرارات التي اتّخذها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمثابة ضوء أخضر لفعل ما يريدونه. وسارع الرئيس الجديد، في يومه الأول، إلى إلغاء أمر تنفيذي كان قد أصدره سلفه جو بايدن، وينصّ على فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتورّطين في أعمال عنف في الضفة، فكان أن شكره المستوطنون المبتهجون على طريقتهم، بشنّ هجوم واسع على عدد من القرى الفلسطينية في محافظة قلقيلية، حيث عمدوا إلى إحراق منازل ومركبات ومتاجر في هجومهم، مساء الإثنين، على بلدتَي الفندق وجينصافوط شرق المحافظة، ما أسفر عن إصابة 21 شخصاً، وأيضاً عن احتراق خمسة منازل ومشتل ومنجرة ومركبات، في مشهدٍ تكرّر في أكثر من منطقة. وفيما حظي المستوطنون بدعم وتغطية من قوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص الحيّ على الأهالي خلال تصدّيهم للهجوم، أفادت تقارير إسرائيلية بأن عنصر أمن إسرائيلي أطلق النار على مستوطنَيْن ملثّمَين، خلال العدوان على الفندق، بدعوى إحساسه بالخطر، واعتقاده بأنهما فلسطينيان، علماً أن التقارير لفتت إلى أن إصابة أحدهما حرجة، والأخرى متوسطة.

والمشهد الآخر الذي نامت عليه الضفة الغربية، كان إغلاق جيش الاحتلال البوابات العسكرية والحواجز بين المدن الفلسطينية، وهو ما اضطرّ المواطنين إلى المكوث لساعات طويلة على الحواجز من دون أن يتمكّنوا من الوصول إلى مناطقهم. وقبل الشروع في عدوانها، نصبت قوات الاحتلال أكثر من 20 بوابة حديدية عسكرية على مداخل مدن الضفة وقراها، ضمن سياسة تشديد الحصار عليها وتقطيع أوصالها وتحويلها إلى مناطق معزولة، وتقييد حركة الفلسطينيين وفرض عقوبات جماعية عليهم. وبدا المشهد للمراقب كتطبيق فعليّ لضمّ الضفة، التي بدت كأنّها سجن كبير تحتجز إسرائيل داخله ثلاثة ملايين نسمة، فيما كل محافظة عبارة عن غرفة منفصلة ومنعزلة عن المحافظات المجاورة، عبر الحواجز. وارتفع عدد البوابات الحديدية التي تغلق بها قوات الاحتلال مداخل البلدات والمدن إلى أكثر من 120، إضافةً إلى أكثر من 700 حاجز عسكري، باتت تشهد تشديداً في إجراءات المرور والتفتيش بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وبدت مخاوف الفلسطينيين في الضفة حقيقية وجدّية من تصعيد طويل الأمد يهدف الاحتلال من خلاله إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تصبّ في مصلحة تعظيم المشروع الاستيطاني. كما يعتقد المواطنون والمراقبون أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد يُستخدم ذريعةً لزيادة الضغط على الضفة؛ ذلك أن الإخفاق الإسرائيلي في تحقيق “نصر حاسم” في القطاع، مقابل شعور المقاومة بالنصر، قد يدفع نتنياهو وحكومته إلى توسيع عدوانهم على الضفة لتعزيز صورتهم داخليّاً، وارضاء أقطاب اليمين المتطرّف في الحكومة، ومن بينهم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي يمتلك رؤية واضحة في شأن توسيع الاستيطان في الضفة.

وفيما اعتادت إسرائيل دوماً تغطية عدوانها ومخطّطاتها بـ”مخاوف أمنية”، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن الأوساط الأمنية الإسرائيلية تخوّفها من أن يؤدي الإفراج عن الأسرى إلى تعزيز مكانة “حماس” على حساب السلطة الفلسطينية، وهو ما يدفع الاحتلال إلى تكثيف عملياته العسكرية في الضفة، بما في ذلك الاقتحامات والاعتقالات. وحذّرت الأوساط الأمنية من أن هذه السياسات قد تؤدّي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وخاصة في ظلّ تصاعُد الغضب الشعبي من الإجراءات القمعية، ومن بينها خطط لتوسيع نشاطات الجيش شمال الضفة، وسط استمرار الاقتحامات والاعتقالات اليومية. وبين هجمات المستوطنين التي باتت أكثر إرهاباً ودموية على بلدات الضفة وقراها، وغطاء سياسي دوليّ توفّره حكومات العالم ولا سيما الولايات المتحدة، للاحتلال، لفعل ما يحلو له في الأراضي المحتلة، وإطلاق جيش الاحتلال قواته وآلة دماره وقتله، يبدو أن الضفة مقبلة على فترات عصيبة، قد يكون كل ما شهده الفلسطينيون إلى الآن فيها غيضاً من فيضها.

* الأخبار البيروتية
You might also like