كل ما يجري من حولك

تحدياتُ إعادة الإعمار تتقدّم.. الدمار يغطّي 86% من غزة

37

متابعات..| تقرير*:

رغم إعلان وقف إطلاق النار، والذي ألقى بظلال الفرح والأمل على سكان قطاع غزة، فإن هذه الفرحة بدت كأنها مسروقة وسط مشاهد الدمار الهائل الذي أحال مدن الغزيين وأحياءهم إلى أكوام من الركام. وبحسب تقديرات محلية ودولية، فإن إزالة الركام وإعادة البناء لن تكون مهمة عابرة، بل ربما تتحول إلى معركة جديدة قد تمتدّ لسنوات طويلة. ووفقاً للاتفاق المعلَن، فإن هذه العملية ستتوزّع على ثلاث مراحل، أولاها إعادة تأهيل البنية التحتية وإزالة الركام، وثانيتها وضع خطط شاملة لإعادة الإعمار، وثالثتها تنفيذ هذه الخطط، بهدف إعادة بناء المنازل والمباني والمرافق.

حرب جديدة بعد الحرب
تقف أم محمد محروس (41 عاماً) وسط بقايا منزلها الذي دمرته الحرب، مراقبةً بصمت أنقاض أحلامها، فيما أبناؤها الستة يتناثرون حولها كطيور صغيرة تبحث عن مأوى، بعدما استشهد والدهم في الغارات العنيفة على غزة. «الحرب لم تنتهِ هنا»؛ تقول بصوت يخنقه الألم لـ«الأخبار»، مضيفةً أن «الحرب الحقيقية بدأت الآن… حرب التشرد». ثم تشير بيدها إلى كومة من الركام وتتابع: «كيف أشرح لهم أن هذا المكان الذي كنا نعيش فيه أصبح مجرد أطلال؟ كيف أخبرهم أننا بلا مأوى، بلا أمل قريب؟». وتعبّر محروس عن خشيتها من المستقبل، قائلةً: «ما أخشاه أن تصبح سنوات التشرد القادمة أصعب من الحرب نفسها. أن يكبر أطفالي بين الخيام، بلا منزل، بلا أمان، بلا مستقبل. إذا لم يتحرك العالم الآن لإعادة إعمار غزة، فسيكون هذا الدمار مقدمة لحرب من نوع آخر». ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الحرب، أكثر من 160 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، و193 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي، بحسب ما أفاد به المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، «الأخبار»، مضيفاً أن «الخسائر الأولية المباشرة للحرب بلغت نحو 37 مليار دولار، مع دمار شامل في 86% من القطاع».

مستقبل تحت الركام
على أنقاض مباني الجامعة الإسلامية في غزة، والتي كانت مفعمة بالحياة، يقف محمود الترك، طالب السنة الأولى في كلية الطب، متأملاً الخراب الذي حوّل أحلامه إلى مجرد ذكرى. كانت تلك الجامعة بوابته إلى المستقبل، وحلمه الذي سعى إليه وسط ضيق الحال والحصار، لكنها الآن أضحت ركاماً لا يملك سوى الحسرات أمامه. «كيف يمكنني أن أكمل تعليمي؟»؛ يسأل الترك بصوت يختلط فيه الغضب واليأس، مشيراً إلى أن «هذه الجامعة كانت أملي الوحيد في تغيير واقعي، في أن أدرس وأتخرج وأبني مستقبلي، لكن اليوم كل شيء انهار»، مضيفاً أنه «كلما سمعت صوت القصف كنت أغمض عيني وأدعو أن لا يصل إلى هنا، إلى مكان أحلامنا… لكن القصف لم يرحم شيئاً». ويعتقد أن «إعادة بناء الجامعات يجب أن تكون أولوية»، معتبراً «(أننا) نحن الطلاب، مستقبل هذا الوطن، وإذا ضاع تعليمنا، فإن مستقبلنا سيضيع معه. كيف سأصبح مهندساً أو طبيباً أو معلماً إذا لم تكن هناك جامعات؟». ويناشد محمود الجهات الدولية والمحلية وكل من يستطيع المساهمة، أن يتدخلوا بسرعة لإنقاذ التعليم في غزة، قائلاً: «لسنا بحاجة فقط إلى إعادة بناء الجدران، نحن بحاجة إلى إعادة بناء الحلم، إلى إعادة بناء الإنسان. لا تجعلونا نخسر مرتين؛ مرة بسبب الحرب، ومرة بسبب إهمال المستقبل». وبحسب الثوابتة، فقد دمر جيش الاحتلال كلياً وجزئياً جميع مؤسسات التعليم العالي في القطاع، والبالغ عددها 12 جامعة، مشيراً إلى أن هذا الدمار الشامل ألحق خسائر مادية جسيمة بقطاع التعليم، حيث قُدّرت الأضرار التي لحقت بالجامعات بأكثر من 200 مليون دولار. وبالإضافة إلى ذلك، حُرم نحو 88 ألف طالب وطالبة من مواصلة تعليمهم الجامعي بسبب تدمير البنية التحتية التعليمية.

كمية الأنقاض الناتجة من الدمار في غزة تُقدر بحوالى 37 مليون طن

زفاف تحت القصف
في مركز إيواء في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب قطاع غزة، تعيش سماح الخليل (21 عاماً) التي لم يمضِ على زواجها سوى أيام قليلة عندما اندلعت الحرب، وأجبرتها على النزوح من منزلها الصغير الذي زينته بيدها. تقول الخليل بحزن لـ«الأخبار»: «لم أفرح مثل باقي الفتيات المتزوجات، لم أعش لحظة هادئة، لم أجرب سكينة البيت أو دفء الأيام الأولى. بدلاً من ذلك، وجدت نفسي أهرب من القصف والنار، أنزح مع زوجي إلى دير البلح ثم إلى رفح وأخيراً إلى خان يونس بحثاً عن الأمان». وتشدد الخليل على ضرورة أن تكون إعادة إعمار غزة أولوية قصوى، قائلة: «أنا لن أنجب أطفالاً ليعانوا من التشرد وحياة الخيام، لا أريد أن أرى أطفالي يتنقلون بين مراكز الإيواء بحثاً عن المسكن. إعادة إعمار منزلنا ليست مجرد حجر أو سقف، بل هي أمل بحياة كريمة وفرصة للبدء من جديد. لا تتركوا غزة تختنق بالدمار… ساعدونا على أن نعيش».

وتشير أحدث التقارير إلى أن إعادة إعمار القطاع ستتطلب جهوداً هائلة وموارد مالية ضخمة؛ إذ وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، قد تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى ما بين 30 و40 مليار دولار، نظراً إلى حجم الدمار غير المسبوق الذي شهدته غزة، فيما كمية الأنقاض تُقدر بحوالى 37 مليون طن، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه تلك الجهود. كذلك، تفيد التقديرات بأن إعادة بناء المنازل المدمرة بالكامل قد تستغرق قرابة 80 عاماً، إذا استمرت وتيرة الإعمار بالنهج السابق نفسه، في حين أنه في أفضل السيناريوات، يمكن إتمام العملية بحلول عام 2040. وبالعودة إلى حديث الثوابتة، يوضح الأخير أن عملية إعادة الإعمار «ليست مجرد حاجة مادية، بل هي قضية إنسانية ملحة تمس كرامة السكان وحقهم في العيش في بيئة آمنة وكريمة».

ويلفت إلى أن «بقاء المنازل مدمّرة يعني استمرار معاناة السكان، وتجدد ذكريات الحرب وآلامها مع كل يوم يمر من دون تدخل عاجل»، مضيفاً أن «الحرب لا تنتهي بانتهاء القصف، بل تظلّ قائمة في حياة العائلات التي فقدت مأواها، ما يجعل إعادة الإعمار أولوية قصوى لإعادة الأمل والاستقرار إلى القطاع». ويشدد على «ضرورة عقد مؤتمر دولي عاجل يهدف إلى تسريع وتيرة إعادة الإعمار وتوفير التمويل اللازم لتعويض المتضررين»، داعياً «المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه غزة التي تعاني حصاراً خانقاً يزيد من تعقيد الأزمة»، ومطالباً بـ«وضع خطط عملية وشفافة لتنفيذ الإعمار بشكل سريع وشامل، ليتمكن السكان من تجاوز آثار الحرب المدمرة واستعادة حياتهم الطبيعية».

* الأخبار اللبنانية

كلقة إعادة إعمار قطاع غزة قد تصل إلى ما بين 30 و40 مليار دولار (أ ف ب)

You might also like