كل ما يجري من حولك

هكذا يتنقل الغزيون.. الكارو بديلاً (وحيداً) من المركبات

27

متابعات..| تقرير:

على طريق جانبي في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تقف الشابة نور السالمي (27 عاماً) بينما تحاول صعود عربة «كارو» محملة بأكياس دقيق وعبوات ماء. وتقول السالمي لـ«الأخبار»: «لم أكن أتصوّر يوماً أنني سأركب عربة كارو للتنقل، لكن بعد انعدام الوقود وتدمير الطرق والسيارات بفعل القصف الإسرائيلي، باتت الكارو الوسيلة الوحيدة المتاحة». وتضيف السالمي التي نزحت من بيت لاهيا شمال القطاع إلى خان يونس: «أكثر ما يؤرقني هو أنني أشعر بانعدام الأمان على هذه العربات، إذ إن السقوط منها أمر شائع، والحوادث التي تسببها الاحتكاكات مع عربات أخرى أصبحت يومية. مع ذلك، لا خيار أمامنا سوى التعايش مع هذه المخاطر».

وبالفعل، مع اشتداد القصف الإسرائيلي، ونزوح آلاف العائلات بسبب أوامر الإخلاء المستمرة، في مقابل تدمير البنية التحتية، واستمرار منع جيش العدو إدخال الوقود إلى القطاع منذ أكثر من 15 شهراً، أصبحت عربات «الكارو» وسيلة النقل الأساسية في غزة، إن لم تكن الوحيدة. ويقول أحمد الزعبي (29 عاماً)، أحد النازحين من مخيم البريج شرق القطاع إلى مدينة دير البلح في الوسط، لـ«الأخبار»: «عندما غادرنا منازلنا تحت القصف، حملتنا عربات الكارو لمسافات طويلة. كانت رحلة شاقة ومؤلمة، لكننا ممتنون للسائقين الذين تحملوا المخاطر لنقلنا إلى أماكن أكثر أمناً».

يُظهر الغزيون قدرتهم على التكيف مع الظروف القاسية

هكذا، يُظهر الغزيون قدرتهم على التكيف مع الظروف القاسية، سواء عبر استخدام «الكارو» أو حلول أخرى كالمشي لمسافات طويلة. لكن عادة ما تشكل العربات مصدر إقلاق للمارة، خاصة في الأسواق الشعبية. إذ تقول سناء العرقان (42 عاماً)، النازحة من مدينة غزة إلى دير البلح وسط القطاع، لـ«الأخبار»، إنها تخشى على حياتها بسبب مرور عربات الكارو من جوارها أثناء تسوّقها، «فهذه العربات غير مصحوبة بأي أجهزة إنذار تشير إلى قدومها، وعادة ما لا يسيطر عليها سائقوها فتتسبّب في حوادث كثيرة». وتشير إلى أن الواقع المأساوي في غزة أجبر الأسر على دفع أطفالها الصغار إلى قيادة هذه العربات في الشوارع، الأمر الذي يزيد من مخاطرها على المارة، مضيفة أنه «قبل أيام قليلة، وبينما أتسوق، دفعتني عربة كارو من خلفي، وكادت تصيبني بجروح كبيرة ولكن الله لطف بي، وعندما استدرتُ غاضبة بحثاً عن سائقها وجدت طفلاً لا يتجاوز عمره العشر سنوات».

«الكارو» كمصدر رزق
ولم تكن هذه العربات مجرد وسيلة لنقل البضائع والركاب، بل أصبحت مصدر رزق للكثير من الأسر التي فقدت معيليها أو وظائفها بسبب الحرب. بالقرب من سوق خان يونس، يروي سائق «الكارو»، فايز أبو شقرة (35 عاماً)، معاناته اليومية في توفير احتياجات حصانه للعمل. يقول أبو شقرة لـ«الأخبار»: «لقد بدأت العمل على الكارو بعد أن فقدت مصدر رزقي كمزارع. كنت أعتقد أن هذا العمل سيؤمن قوت يومي، لكن الحقيقة أنني أعمل الآن فقط لتأمين علف الحصان». ويشير إلى أن تكلفة الأعلاف ارتفعت بشكل كبير خلال الحرب، إذ وصل سعر رطل الشعير إلى 30 شيكلاً بعد أن كان لا يتجاوز 12 شيكلاً قبل الحرب، ما يجعل تغذية الدواب تحدياً يومياً، قائلاً: «أحياناً أضطر إلى العمل طوال اليوم مقابل أجر بالكاد يكفي لشراء العلف. إذا توقفت عن العمل، سأفقد وسيلة النقل الوحيدة التي أعتمد عليها، ولن أتمكن من إعالة أسرتي». وإلى جانب الصعوبات المرتبطة بتوفير الأعلاف، يواجه أبو شقرة مشكلات أخرى، منها تعرض الحيوانات للإرهاق الشديد بسبب ساعات العمل الطويلة.

وعلى ما يبدو، فإن «الكارو» ستبقى بديلاً حتى بعد انتهاء الحرب التي تسببت في تدمير جزء كبير من المركبات؛ إذ وفقاً لتقديرات وزارة النقل والمواصلات، تجاوزت خسائر قطاع النقل في غزة 3 مليارات دولار، تشمل الأضرار اللاحقة بالبنية التحتية ومركبات المواطنين. وبحسب الوزارة، فقد دمرت قوات الاحتلال نحو 55 ألف مركبة، أي ما يعادل 60% من المركبات المرخصة في غزة. وفي أحد الأحياء المدمرة غرب خان يونس، جلس السائق أبو يوسف الحسن (42 عاماً)، وهو يتأمل حطام سيارة الأجرة التي كانت مصدر رزقه الأساسي. ويقول أبو يوسف بحزن لـ«الأخبار»: «كنت أعمل كسائق أجرة منذ أكثر من 15 عاماً. في يومٍ واحد فقط، دمرت دبابة إسرائيلية سيارتي أثناء توقفها أمام المنزل، لتقضي على كل ما أملك». ويحاول أبو يوسف البحث عن بدائل لإعالة أسرته، لكنه يواجه تحديات كبيرة؛ إذ «لا أستطيع شراء سيارة جديدة بسبب ارتفاع أسعارها. فكرت في العمل على عربة كارو، لكن تكلفة الحصان والعربة تفوق قدرتي المالية»، بحسب ما يضيف.

* الأخبار البيروتية

You might also like