كل ما يجري من حولك

تركيا – “إسرائيل”: تقاطُعٌ في سوريا.. وافتراقٌ أيضاً

22

متابعات..| تقرير*:

صدر أخيراً تقريرٌ أعدّته لجنة برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، يعقوب ناغل، بتكليف من رئاسة الحكومة، أفرد مساحةً كبيرة للعلاقات التركية – الإسرائيلية، محذّراً أولاً من تزايد خطر الصراع المباشر بين الجانبَين، بعدما أحكمت أنقرة قبضتها على سوريا، وثانياً من «الطموحات العثمانية» لتركيا، والتي تشكّل، وفقاً لمعدّي التقرير، تهديداً لإسرائيل «يفوق التهديد الإيراني». أمّا خريطة الطريق التي يقدّمها التقرير لتعزيز أمن إسرائيل في مواجهة التهديدات الجديدة، فلا تخصّ تركيا أو سوريا حصراً، بل تشمل كلّ الحدود الإسرائيلية، ولا سيما مع الأردن وأعداء الكيان كافة.

وقوبل التقرير الإسرائيلي بانتقادات من جانب الإعلام التركي؛ إذ عنونت صحيفة «يني شفق»: «لنستعدّ للحرب مع تركيا»، ورأت في افتتاحيتها أن «العلاقات الجيّدة بين تركيا ونظام الحكم الجديد في دمشق أدّت إلى إفساد الكيمياء الإسرائيلية»، وأن «إسرائيل، بعد سقوط النظام السوري السابق، باتت ترى في تركيا تهديداً أكبر من إيران، وقد ضاعفت من تواصلها مع حزب العمال الكردستاني، بل إن المدير العام للخارجية الإسرائيلية، آيدين بار تال، دعا إلى وقْف العمليات العسكرية التركية ضدّ الأكراد، والمجتمع الدولي إلى مضاعفة ضغوطه على الأتراك». كذلك، أوردت الصحف الأخرى عناوين مشابهة، فيما زعم فكرت آق فرات، في «آيدينلق»، أن «إسرائيل تنظر إلى إيران على أنها قوّة معادية، لكن هشّة. لكن أصل التهديد على إسرائيل هو تركيا، لأنها وفقاً للإسرئيليين، الأكثر قدرةً على عرقلة مشاريع تل أبيب للهيمنة على المنطقة. لذلك، وضع تقرير ناغل احتمال اصطدام إسرائيل بتركيا بعد السيطرة على سوريا».

تتوجُّس إسرائيل من سيطرة تيار «الإخوان المسلمين» على سوريا، وهو الذي يقف فكريّاً في صفّ واحد مع «حماس»

وفي نظرة إلى العلاقات التركية – الإسرائيلية بشكل عام، يمكن الحديث عن مرحلتَين: ما قبل التغيير في سوريا، وما بعده. بالنسبة إلى المرحلة الأولى، وإلى ما قبل سنة ونيف، كانت عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل تبلغ ذروتها، بلقاء الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في أواخر أيلول 2023، واتفاقهما على التعاون في مختلف المجالات، بما فيها الطاقة. وعندما وقعت عملية «طوفان الأقصى» بعد ذلك بأسبوعين فقط، كان موقف تركيا الأوّلي هو الوقوف على الحياد، وإدانة قتل «المدنيين» من قِبَل الطرفين. وعلى الرغم من تدرُّج الإدانة التركية لاحقاً للجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، غير أنها بقيت في الإطار النظري ولم تُترجم بإجراء عملي حقيقي، من مثل خفض العلاقات الديبلوماسية بإسرائيل، أو قطع التجارة معها.

أما بخصوص المرحلة الثانية، فقد تبيّن من خلال المواقف والممارسات التي سبقت سقوط النظام السوري وواكبته وتلته، أن تركيا وإسرائيل عملتا بشكل متّسق، وأن لكلّ منهما حساباته التي لم تصل ربما إلى حدّ توقّع حدوث ما حدث. ففي الأيام القليلة التي سبقت إسقاط الفصائل المعارضة لمدينة حلب، ومن ثم حماة، كانت الغارات الإسرائيلية تتركّز على مواقع الجيش السوري على امتداد خط حلب – حماة في عملية تدمير منظّمة لدفاعاته، وتلى ذلك بدء المعارضة السورية الهجوم على حلب. وخلال الأيام التي شهدت سقوط النظام وما بعدها، تكثّفت الغارات الجوية الإسرائيلية لتشمل تدمير كل مراكز الجيش السوري وقدراته، فيما تقدَّم الجيش الإسرائيلي لاحتلال المزيد من الأراضي السورية، وليصل إلى مقربة من دمشق، في ظلّ صمت كامل من السلطة الجديدة في سوريا، واكتفاء تركيا بدعوة إسرائيل إلى عدم تصعيد التوتر.

تقاطعات وافتراقات

اليوم، يحفل المشهد السوري المستجدّ بنقاط تقاطع وافتراق بين تركيا وإسرائيل. وأما التقاطع فيتجلّى في ما يأتي:
– أن الطرفَين كانا يريدان التخلُّص من النفوذ الإيراني في سوريا وسائر المنطقة.
– أن كليهما أيضاً يريدان تصفية ما تبقّى من تيارات قومية كان يمثّلها «حزب البعث».
– أن الطرفَين يخدمان بالسيطرة على سوريا، تعزيز النفوذ الأميركي فيها وفي المنطقة.

في المقابل، فإن الافتراق يكمن في ما يأتي:
– توجُّس إسرائيل من سيطرة تيار «الإخوان المسلمين» على سوريا، وهو الذي يقف فكريّاً في صفّ واحد مع حركة «حماس» في فلسطين. إذ تخشى تل أبيب من أن يشكّل هذا التغيير حالة ضغط على الأردن، حيث للجماعة حضور ملموس، وهو ما يمكن أن يؤثّر على العلاقات مع إسرائيل على امتداد الحدود المشتركة والطويلة، في حال تغيير النظام في عمّان لمصلحة «التيار الإخواني».

– تخشى إسرائيل من تزايد النفوذ التركي في سوريا، بما يهدّد مصالحها البحرية وفي مجال الطاقة في شرق المتوسط، ولا سيما أن أنقرة تطالب بترسيم المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة مع سوريا بما يتوافق مع مصالحها، وذلك على الرغم من عدم وجود سلطة شرعية منتخبة بعد في سوريا.

– تعمل تركيا، منذ سنوات، على محاولة إزالة التهديد الذي تمثّله «وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال سوريا، وهي تهدّدها يوميّاً بأن تحلّ نفسها أو تُدفَن مع سلاحها. كما تتّهم تركيا إسرائيل بدعم «حزب العمال الكردستاني»، والعمل على تقسيم سوريا.

– كذلك، تتهم تركيا إسرائيل، منذ ما قبل سقوط النظام في سوريا، بأن لها أطماعاً في المنطقة، ومنها في تركيا، وفقاً للنصوص التوراتية المزعومة.

وكان إردوغان بعد تصعيد إسرائيل هجومها على لبنان، قبل ثلاثة أشهر، قد قال إن تل أبيب تشكّل خطراً على بلاده، فيما طالبت المعارضة التركية رئيس الجمهورية بتوضيح قوله، وهو ما خلق حساسيات بين تركيا وإسرائيل. وتعتقد هذه الأخيرة، من جهتها، أن التطلُّع العثماني في المنطقة يمكن أن يشكّل خطراً عليها؛ فالمشروع العربي مضمحلّ كليّةً، والمشروع الإيراني يتراجع، ليكون المشروع الصهيوني وجهاً لوجه مع مشروع تركيا العثماني، والذي ينافس في المنطقة الإيرانيين والخليجيين والمصريين ويصارعهم، منذ وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة عام 2002.

* الأخبار البيروتية

You might also like