كل ما يجري من حولك

الدولُ العربية مَعنية بالقلق عقبَ سقوط النظام في سوريا

26

متابعات..| تقرير*:

لعظيم الحدث السوري الذي فاجأ عدداً من الدول خاصة العربية منها، كانت أغلب المواقف خلال الساعات الأولى تأخذ منحى رمادياً على رغم مشاكلها السابقة مع الرئيس السابق بشار الأسد. اذ أن “الفرح” الطفولي الذي سيحتل اللحظات الأولى، سرعان ما ينجلي عند حكام الدول العربية المطبعة من ناحية، والدول الغربية التي لم تشفَ بعد من تسونامي داعش كسبب مباشر للمبالغ الطائلة التي دفعتها للجماعات الارهابية المسلحة في سوريا أوائل عام 2012. يدرك هؤلاء أن مرحلة “ما بعد الأسد” لن تكون “وردية ديموقراطية هادئة”، وسط مخاوف أن يمتد لهيب “الثورة” إلى الشعوب العربية المجاورة.

يلخص كبير المستشارين السابقين للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، كارستن ويلاند، المشهد من زاوية أخرى أيضاً، معتبراً أن “الإطاحة بالأسد من قبل الجماعات المتمردة السورية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، تشير إلى أكثر من مجرد انهيار نظام واحد. إنه ينذر بالتحولات في جميع أنحاء المنطقة، ويثير المخاوف بين القادة الاستبداديين، ويدق ناقوس الخطر بشأن استقرار سوريا وجيرانها”. موضحاً “قد ينظر بعض الديكتاتوريين في الشرق الأوسط إلى سوريا بخوف… لاحظ،  يعكس هذا الشعور القلق الذي يلوح عبر أروقة السلطة عبر الأنظمة الاستبدادية وهي تشهد مصير الأسد”.

وفي الوقت نفسه، يؤكد الخبراء أن ديناميكيات “القيادة الجديدة” تبشر بعدم استقرار  في كل مكان من تركيا والأردن إلى العراق والدول المجاورة أيضاً. فمصر على سبيل المثال، لم تصدر موقفاً رسمياً واضحاً بعد، ولم يعلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الوضع بشكل مباشر. وبعد ساعات من سيطرة المجموعات المسلحة السورية على دمشق، قالت وزارة الخارجية المصرية إنها تتابع الوضع “بأقصى قدر من الاهتمام، مؤكدة دعمها للشعب السوري وسيادة البلاد ووحدة أراضيها وتكامله”. بالمقابل، وضعت الأجهزة الأمنية في مصر البلاد خلال الساعات الماضية تحت “حالة تأهب قصوى” غير معلنة بعد سقوط الأسد، حيث لم يسمح بالاحتفالات أو الاحتجاجات المؤيدة لسوريا في أي مكان في مصر. كما كانت القوات المسلحة في حالة تأهب حيث جاءت أوامر مباشرة من الرئاسة بنشر قوات في شوارع مصر في حالة اندلاع أعمال شغب، أو حتى فوضى محتملة، حسبما قال مصدر داخل الرئاسة لصحيفة “العربي الجديد”، شريطة عدم الكشف عن هويته، لعدم السماح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام. وبحسب المصدر، فإن “السيسي يتابع الوضع على مدار الساعة، حيث أعرب عن مخاوف واضحة من احتمال اندلاع الاحتجاجات دعماً لسقوط الأسد، حتى في شكل احتفالات سواء من قبل السوريين أو المصريين أو كليهما”.

الواضح أن هناك شريحة واسعة من المهللين لسقوط الأسد، لكن تبقى هذه “المشاعر” محفوفة بالحذر والقلق وعدم اليقين. اذ أن المنطقة، بعد تغيير النظام في سوريا والاحتلال الاسرائيلي المتواصل للأراضي السورية أيضاً، مقبلة على مرحلة حرجة تتغير فيها حسابات القوى الدولية الكبرى بحسب تغيرات الميدان ومتطلبات “السوق” السياسي في المجتمع الدولي.

اذ أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الابيض، في توقيت حرج تشهده المنطقة، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية، إلى الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ولبنان وسوريا وصولاً إلى الجموح الصيني المتزايد الذي يشكل بدوره رأس الأولويات بالنسبة للإدارة الجديدة، ورغبة الدول الاقليمية والخليجية في رسم مسار مختلف عما كانت عليه خلال العقد الماضي، يجعل من التبنؤ بالخطوة التالية أمراً صعباً. واذا أرادت الولايات المتحدة من اسقاط الأسد فاتحةً للمرحلة المقبلة التي تكوّن بها “شرق اوسط جديد”، فعلى ما يبدو أن قلق تلك الدول سيكون مشروعاً بل ضرورياً ومصيرياً أيضاً.

* الخنادق

You might also like