ضد “إسرائيل” في غزة.. ومعها في سوريا: «ازدواجيّو الأمة» يتصدّرون
متابعات..| تقرير*:
من المفارقات أن كثيرين ممن أيدوا حركة «حماس» في قتالها ضد الاحتلال في قطاع غزة، هم أنفسهم متحمسون بشدة لما يعتبرونه «ثورة سورية»، رغم أن الأخيرة، بنسختها الجديدة على الأقل، ليست ثورة ولا يبدو الشعب مرتاحاً إليها، وفقاً لما تعكسه الصور التي تبثها المعارضة من «المدن المحررة»، حيث لا يُلاحَظ ظهور تجمعات شعبية مؤيدة لها. ما يجري فعلياً هو تحرّك عسكري أقل ما يقال فيه إنه مشبوه في التوقيت، بدليل أن «ثوار سوريا» لم يصدر عنهم موقف واحد في الوقت الذي كانت فيه غزة تباد حرفياً، على يد جيش العدو، على مدى أكثر من عام. ليس هذا فقط، بل إن هؤلاء، ليس في خطابهم كلمة واحدة عن الجولان السوري المحتل، والمضموم إلى إسرائيل باعتراف من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في ولايته الأولى.
كما أن المثير للشبهة أن كل أطياف المعارضة في المعركتين السابقة والحالية لا تتطرّق بشكل مباشر إلى العلاقة مع إسرائيل، وإن كان كل ما تردّد على ألسنة عدد من قادتها يفيد بأنهم مستعدون للتطبيع معها. لكن في حالة «جبهة النصرة» التي تحوّلت إلى «هيئة تحرير الشام»، بقيادة «أبو محمد الجولاني»، ثمة ما هو أكثر من تلك الإيحاءات؛ إذ ثمة علاقة برزت خلال سنوات الحرب الأولى، عندما فتحت إسرائيل مستشفياتها لجرحى التنظيم، وساعدته بأشكال أخرى في المنطقة المحاذية للجولان المحتل. هذا كلّه لا يمكن أن يُقرأ إلا على أنه صك تنازل من قبل هذه الجماعات لإسرائيل عن الجولان، مقابل الحصول على دعم إسرائيلي وغربي للسيطرة على ما أمكن من محافظات سوريا ومدنها، خاصة أن إسرائيل ليست من النوع الذي يمكن أن ينتظر مفاجآت في مسألة بتلك الأهمية بالنسبة إليها.
كذلك، تنحصر الحماسة لتقدم المعارضة السورية – إلى جانب السوريين من معارضي النظام – بمغرّدي الخليج المقيمين في دول كالسعودية والإمارات وقطر، وهو ما يطرح أسئلة حول حقيقة موقف بعض تلك الدول التي تقيم علاقات رسمية مع دمشق، بينما ترعى هؤلاء رعاية كاملة. مَن في قطر، ومَن في حكمهم في الكويت مثلاً، أي ذوو الميول «الإخوانية»، لديهم مشكلة في مشاهدة إسرائيل ترتكب المجازر بحق أطفال غزة، إلا أنهم مستعدون للتغاضي عن علاقة المعارضة السورية بإسرائيل، وذلك كان الحال في سنوات الحرب الأولى. لكنْ ثمة نوع آخر من «المتأسلمين»، هم شركاء في تمرير الرسائل التي يريد داعمو المعارضة السورية تمريرها عبر رجال دين أو نشطاء تابعين. فمِن غير الممكن تصور أن يغرّد الشيخ عدنان العرعور، المقيم في المملكة، بسمومه الطائفية من دون رضى السلطة التي تملك حساسية خاصة تجاه رجال الدين المشتغلين في السياسة، والذين يقبع معظمهم في السجون منذ سنوات، ولا أن تقبل الإمارات بأن يصدر طائفي متطرف مثل عبد الجليل السعيد، فيديوات على يوتيوب انطلاقاً من أراضيها. لذلك تفسير واحد هو أن مثل هذه الدول تريد أن تنوع علاقاتها بين نظام تؤيد نموذجه، وبين رعاية عملية تحريض طائفي لا بأس أن يقوم بها بعض معارضي النظام، والهدف الوحيد منها الإضرار بالمقاومة ضد إسرائيل.
هذه الازدواجية بذاتها كفيلة بأن تبين أن ما يستهدفه داعمو الهجوم في سوريا هو المقاومة في لبنان، وليس النظام في سوريا، إلا بالدور الذي يقوم به في توفير ممر للسلاح إلى «حزب الله». ولذا، إن الرسائل التي تخرج من أراضي تلك الدول تسعى إلى طمانة الطائفة العلوية إلى أن معقلها في الساحل محفوظ ولن يقترب منه أحد، في وقت جرى فيه اعتماد لغة مختلفة تطمئن الأقليات، ولا سيما المسيحيين. وإذا جرت مفاوضات في مرحلة من مراحل الصراع، فسيكون إغلاق الممر المذكور أول الشروط المطلوبة من النظام الموافقة عليها، وهو ما تشجّع عليه بقوة دول الخليج، ويشكل أحد الأسباب الواضحة للعلاقة مع دمشق.
وفي مقابلته مع «سي أن أن»، والتي تُعد بذاتها مؤشراً إلى ما تريده إسرائيل والغرب من تفجير أحداث سوريا، يقول الجولاني إن «خيار أنظمة الخليج بالتقارب مع دمشق خطأ، لأن رهانها على فصلها عن طهران غير واقعي»، محاججاً بأن «النظام لا يملك خيار الانفصال عن إيران، في حين أن الأخيرة هي التي تملك هذا الخيار». وهذه هي بالضبط السياسة الأميركية التي منعت تلك الدول من تطوير علاقاتها بسوريا لتشمل الدعم الاقتصادي، بما يخفّف الحصار الغربي. ما لم يتطرّق إليه الجولاني هو أن دول الخليج تعتبر الجهاديين عدوها الأول وتخاف من انتصارهم في أي مكان، وترى في النظام حليفاً لها ضدهم، ولذا حاولت الاستثمار فيه. فحين فاز «الإخوان» في انتخابات مصر، جنّ جنون حكام تلك الدول، والذين دفعوا عشرات مليارات الدولارات للخلاص من «إخوان مصر» حتى لا تسقط عروشهم. وكأن إسرائيل تقول لهم اليوم: «لا تخافوا، من ساواك بنفسه، ما ظلمك».
* الأخبار اللبنانية