ترامب لا «يفضّلُ» الإرهابيين.. تناقُضاتٌ أمريكية حيال سوريا
متابعات..| تقرير*:
على ضوء الإشارات المتضاربة الصادرة عن واشنطن إزاء التطورات الأخيرة على الساحة السورية، لا يزال من الصعب تخيّل السياسة التي سينتهجها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه سوريا، ولا سيما أنّ الأخير لمّح، في غير محطة، إلى نيّته سحب القوات الأميركية من سوريا، وعيّن، في المقابل، فور فوزه، صقوره الداعمين لإسرائيل لصياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، تلفت مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» إلى أنّ موقف واشنطن بشأن ما يحدث في سوريا يكشف «حالة الإرباك» التي طبعت السياسة الأميركية منذ بدء الحرب هناك قبل أكثر من عقد؛ ففي مقابلة مع شبكة «سي أن أن» الأميركية، أعرب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، عن مخاوفه بشأن «هيئة تحرير الشام»، مشيراً، في المقابل، إلى أنّ واشنطن لا تنظر إلى الأحداث في سوريا «من منظور سلبي»، قائلاً: «لن نتباكى عندما تتعرض حكومة بشار الأسد، المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله، لأنواع معينة من الضغوط». وتتابع المجلة أنّ آلية تعامل الإدارة الجمهورية القادمة هي محط «تخمين» بالنسبة إلى كثير من المراقبين، ولا سيما أنّ الرئيس المنتخب اختار أقوى المؤيدين لإسرائيل لشغل مناصب عليا في حكومته، ما يجعل من المرجح أنّ سياسته القادمة تجاه دمشق ستُحدَّد، إلى حدّ كبير، «بناءً على تفضيلات تل أبيب». وفي حال حصول ذلك، قد يتمثل نهج واشنطن في إضعاف الأسد، وربما الإطاحة به من السلطة، نظراً إلى تحالف الأخيرة مع طهران، التي تعدّ «العدو الأول بالنسبة إلى إسرائيل».
على أنّه على الضفة المقابلة، تشير تصريحات ترامب السابقة إلى أنه قد يختار اتباع مسار مختلف، ولا سيما أنّه من المتوقع، على نطاق واسع، أن يقود هو، بنفسه، السياسة الخارجية لبلاده، وهو ما دفعه إلى اختيار أقرب المقربين إليه لتولي تلك المناصب بالدرجة الأولى. وفي حديثه خلال حملته الانتخابية عام 2016، رأى ترامب أنّ «القوات السلفية الجهادية تشكل تهديداً أكبر على المصالح الأميركية من الأسد وإيران»، قائلاً: «أنا لا أحب الأسد على الإطلاق، لكن الأسد يقتل (داعش). روسيا تقتل (داعش) وإيران تقتل (داعش)». كما أن ترامب وصف، في وقت سابق، سوريا بأنّها «رمال، وموت»، وذلك لتدعيم وجهة نظره بضرورة سحب القوات الأميركية من هناك. وإذ يذكّر تقرير في «بوليتيكو» بتلك المواقف، فهو يدعو إلى التركيز على «التناقضات» في أوساط كبار مسؤولي إدارة ترامب بشأن سوريا؛ إذ سبق أن أكد تولسي غابرد، الذي اختاره الرئيس المنتخب لمنصب مدير المخابرات الوطنية، أنّ الأسد «ليس عدواً للولايات المتحدة»، في حين أنّ الشخصيتين اللتين اختارهما لمنصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، أي السناتور ماركو روبيو، والنائب مايك والتز، كانتا متشككتين في انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، ودعتا في المقابل، إلى مزيد من التدخل الأميركي بذريعة «إحباط عودة الجماعات الإرهابية، مثل (داعش)».
وصف ترامب سوريا سابقاً بأنّها «رمال وموت»، وذلك لتدعيم موقفه بشأن سحب القوات الأميركية منها
وفي محاولة لـ«استشراف» الوضع، يورد «معهد تشاتام هاوس» تقريراً يقر فيه بقدرات «هيئة تحرير الشام» غير «الكافية» لـ«الإطاحة» بالنظام السوري، ولا سيما أنها أصبحت تمتلك عدداً «محدوداً» من القوات. وإذ يحتمل تحوّل الهجوم إلى بداية «مرحلة جديدة مطولة من الحرب الأهلية السورية»، فهو يعتبر أنه عبر تلقي مساعدة من إيران وروسيا، «يمكن للأسد حتى تشديد قواته، وإصلاح خط المواجهة مع (هيئة تحرير الشام)، ودرء العدوان الذي تشنه (قوات سوريا الديموقراطية) التي يهيمن عليها الأكراد». ويستبعد التقرير إمكانية حصول «انقلاب» على نظام الأسد، نظراً إلى أنّ الأخير «محصن ضد الانقلابات»، ما يجعل حظوظ عدم انكشاف المتآمرين عليه ضعيفة. وفي حين يتبنى البعض نظريات حول أنّ روسيا وإيران ربما تسعيان «إلى استبدال الرئيس السوري»، فإنّ كثيرين يستبعدون وجهة النظر المتقدمة، ويعتبرون أنّ عزل الأسد بعيد كل البعد عن الواقع. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تضغط أنقرة وطهران وموسكو، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، من أجل إبرام صفقة كتلك التي تم الاتفاق عليها عام 2020، ولكن مع منطقة عازلة أكبر بكثير تديرها «هيئة تحرير الشام»، بما يشمل حلب. على أنّ الصفقة لن تكون «سريعة»، نظراً إلى أنّ روسيا وإيران ستتخذان إجراءات لمنع «انهيار النظام»، وكسب الوقت لشنّ هجوم مضاد في المستقبل ضدّ «الهيئة». وطبقاً للمصدر نفسه، ورغم أنّ أنقرة سعيدة، على الغالب، بالتطورات الأخيرة، إلا أنّها تتخوف أيضاً من أنّه كلما زادت نسبة الأراضي التي تسيطر عليها «الهيئة»، سيصبح زعيم الجماعة، الجولاني، أكثر «استقلالية»، ما قد يصعب مهمة الضغط عليه للقبول بوقف لإطلاق النار ومطالب أخرى. ويُضاف إلى ما تقدم، أنّ التنوع السكاني، في حلب تحديداً، سيشكل تحدياً كبيراً لحكم المنطقة، ولا سيما أنّ الوعود التي تقدمت بها «هيئة تحرير الشام» للأقليات هناك، قد تختفي مع الوقت.
* الأخبار اللبنانية