كل ما يجري من حولك

تركيا ترفعُ سقفَ طموحاتها.. «ثلاثية أستانا» تلتئمُ اليوم

38

متابعات..| تقرير*:

عاد خطاب الإملاء الذي مارسته تركيا على سوريا في بداية الأحداث عام 2011، إلى الظهور مجدّداً على إثر التطورات الأخيرة، عبر دعوة النظام إلى إدراك شروط المصالحة الداخلية، وفي مقدّمها تلبية «المطالب المشروعة للشعب السوري»، وتحميله مسؤولية انفجار الوضع، بسبب عدم اهتمامه بالمسار السياسي للحلّ. وفي المقابل، تتنصّل أنقرة بالكامل من مسؤوليتها في دعم الفصائل المسلحة، حتى إن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أعلن أن المرحلة الجديدة في سوريا «تُدار بهدوء»، وسط محاولات لتلميع صورة زعيم «هيئة تحرير الشام»، «أبو محمد الجولاني»، من جانب الولايات المتحدة وتركيا. ويأتي ذلك كله مع بدء ثلاثية أستانا اجتماعاتها، اليوم وغداً، في الدوحة، بمشاركة قطر.
وفي حوار مع صحيفة «حرييات»، قال رئيس «الائتلاف الوطني» المعارض، هادي البحرة، الذي كان رئيس وفد المعارضة في محادثات جنيف للسلام في سوريا عام 2016، إن «الأولوية الآن للعمليات العسكرية، والهدف منها جلْب الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طاولة التفاوض، والانتقال السياسي نحو النظام الديمقراطي، ومن ثمّ خلق بيئة مناسبة لعودة اللاجئين». وأضاف أن الهدف هو تطبيق القرار 2254 الذي أقرّه مجلس الأمن الدولي، في 18 كانون الأول 2015، لافتاً إلى أنه لا يتخوّف من اندلاع نزاعات مع «هيئة تحرير الشام»، فـ«الكلّ متّفق على تحرير سوريا، والمعارضة ستشكّل إدارة ذاتية لحكم حلب».
وإلى صحيفة «جمهورييات»، تحدّث رئيس «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف»، عبد الرحمن مصطفى، قائلاً إن تركيا «وفّرت للمعارضة الأرضية السياسية لعملياتها ضدّ قوات النظام»، مشيراً إلى أن «حلب وكل ريفها الشمالي الشرقي ما عدا منبج، قد تم تحريرهما للمرّة الأولى منذ بداية الحرب». كما لفت إلى أن «تركيا تقف إلى جانب الشعب السوري بالكامل وحتى النهاية، وإيران والقوى الحليفة لها تعرّضت للخسارة، فيما روسيا ليست في وارد التدخّل المؤثّر إلى جانب النظام».
وكتب سادات إرغين، بدوره، في «حرييات»، عن العلاقات التركية – الإيرانية، والتي قال إنها «وُضعت تحت الضغط الشديد» بعد اندلاع الأحداث. وبيّن أن محادثات وزير الخارجية الإيراني، عباس عرقجي، في أنقرة، «أظهرت التباين الكبير بين البلدين في الموقف من سوريا»، مشيراً إلى أن وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، اتّهم طهران بتجاهل الحقائق عندما قال لنظيره الإيراني إنه «سيكون من الخطأ في هذه المرحلة تفسير ما يحدث في سوريا على أنه تدخّل خارجي. وهذا خطأ مَن لا يريدون أن يفهموا الحقائق المرتبطة بسوريا». وأضاف فيدان: «كان من الخطأ تجاهل المطالب المشروعة للمعارضة، والنظام لم يشارك بإخلاص في العملية السياسية». ووفقاً لإرغين، فإن «الخلاف الأساسي بين تركيا وإيران مرتبط بأسباب الأزمة في سوريا. فطهران تردّ الأزمة إلى التدخّل الأميركي والإسرائيلي وتفجير الوضع عبر الجماعات المسلحة لحرف الأنظار عن الوضع في غزة وتغطية جرائم إسرائيل. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان خلف عمليات جبهة تحرير الشام ضدّ حلب وحماة وغيرهما من المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام».

أولوية تركيا هي ضمان السلام والاستقرار في إطار وحدة الأراضي السورية

أمّا السبب الثاني للخلاف، فهو تصريحات مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، والتي انتقد فيها أنقرة، قائلاً: «كان مفاجئاً أن تسقط تركيا في الفخ الذي نصبته أميركا وإسرائيل». ورأى إرغين أن ذلك «كلام كبير من مستشار الشخصية الأقوى في إيران. ولذا، نرى هذا الانزعاج الإيراني الكبير ممّا حدث في حلب، وهي التي قدّمت الدعم السياسي والعسكري للأسد خلال أعوام الحرب ليبقى واقفاً على قدميه؛ فأرسل حزب الله عناصره إلى سوريا، وأرسلت إيران قواتها أيضاً لتعضد الأسد، فيما كانت إسرائيل تقصف بصورة دورية التواجد العسكري الإيراني في سوريا». وأشار الكاتب إلى أن طهران لم تدعم عملية المصالحة بين إردوغان والأسد، بل «يمكن القول إنها عملت على عرقلتها، وفيدان كان صرّح في 22 تشرين الثاني الماضي، بأن التطبيع بين تركيا وسوريا ليس من أولويات إيران»، إذ «لعلّها كانت تعتبر أن التطبيع بين البلدين سيقلّل من الحاجة إليها في سوريا. فيدان كان يرى أن مسار أستانا مع روسيا وإيران لعب دوراً مهمّاً في وقف التوتر والنزاعات في سوريا عند نقطة معينة. لكنّ الهدوء الذي ساد، لم يُترجم لاحقاً إلى خطوات لحلّ سلمي. وبالتالي، خرجت أستانا عن كونها صالحة لإدارة الوضع. وهذا يعطي اجتماع الدوحة أهمية كبيرة حول الخطوات المقبلة في الأزمة السورية ومصير الاتفاقات. وفي ظلّ الضغط الذي تتعرّض له العلاقات التركية – الإيرانية، ستشكّل الأيام المقبلة اختباراً مثيراً للاتجاه الذي ستسلكه هذه العلاقات».
من جهته، كتب عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، عن العلاقات التركية – الإيرانية أيضاً، لافتاً إلى أن «أنقرة تحمّل دمشق وطهران مسؤولية انفجار الوضع في 27 تشرين الثاني الماضي. والتباين كان واضحاً مع زيارة عراقجي إلى أنقرة، إذ اتّهم تركيا بالمسؤولية عن الأحداث، ليردّ عليه فيدان بأن تركيا لا تقوم بعمليات عسكرية سرّية. ولكن من الطبيعي في ظلّ وجود حدود بطول 911 كيلومتراً مع سوريا، وتعرُّضنا لهجمات إرهابية، أن نكون معنيين بما يجري هناك. أنتم لا تساهمون أبداً في جهود تحقيق السلام في سوريا». وعدّد سيلفي عناصر الموقف التركي من سوريا على النحو التالي:
1- إن كل أنواع عدم الاستقرار في سوريا، بما في ذلك الإرهاب، تؤثّر على تركيا.
2- أولوية تركيا هي ضمان السلام والاستقرار في إطار وحدة الأراضي السورية.
3- بهذا المفهوم، تدعو تركيا إلى تلبية مطالب الشعب السوري «المشروعة».
4- ترى تركيا أن عملية أستانا يجب أن تولي هذا الأمر أولوية.
5- كما ترى ضرورة إعطاء أولوية لمنطقة إدلب باعتبارها منطقة خفض تصعيد.
6- تركيا لا تدعم التنظيمات المسلحة، لذا، فهي منزعجة ممّا يجري.
7- تدعو تركيا إلى منع تصاعد العنف كي يمكن مواجهة الخطر الإسرائيلي.
8- يدعو إردوغان سوريا إلى بدء الحوار السياسي.
9- تركيا مصمّمة على مكافحة إرهاب «حزب العمال الكردستاني» حتى النهاية.
10- إن أساس الحلّ هو تطبيق القرار 2254.
11- عودة اللاجئين طوعاً وبصورة آمنة إلى بلادهم.
في هذا الوقت، بدأ الإعلام الموالي حملةً لتلميع صورة الجولاني، وتقديمه على أنه معتدل يمكن له قيادة الحوار مع دمشق، على الرغم من أن منظّمته لا تزال مُدرجة ضمن قوائم الإرهاب التركية. وبحسب الكاتبة نيلغون تيكفيدان غوموش الموالية، فإن «السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، قال إن هيئة تحرير الشام تغيّرت وهي تدير ملايين الناس في إدلب. لم تعد الهيئة كالسابق. وعندما ضغطت أنا في عام 2012 لإدراجها ضمن قوائم الإرهاب، لم يكن ذلك عبثيّاً، كونها كانت أحد أفرع تنظيم القاعدة في سوريا والعراق». وأضافت الكاتبة أن «الذين يفكرون الآن في الغرب، بأن هيئة تحرير الشام أصبحت معتدلة وتتعاون مع بقية فصائل المعارضة قد ازداد عددهم. الهيئة والولايات المتحدة أمام فرصة للتعاون مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، فيما يزداد مأزق الأسد. الأمل هو في ثلاثية أستانا لتجد مخرجاً وحلّاً للأزمة».
أما سرتاتش إيش، في «جمهورييات»، فيرى أن «تركيا لا حليف لها في الشرق الأوسط، ولم ينجح حزب العدالة والتنمية في كسب أيّ حليف، على رغم الجهود الدبلوماسية التي بذلها. فقد تخلّى عنه حلفاؤه في حلف شمال الأطلسي. والولايات المتحدة تدعم حزب العمال الكردستاني. وعملية أستانا مع روسيا وإيران فشلت، ولا يمكن إنكار الخلاف مع هاتين الدولتين». لذلك، بحسب الكاتب، «لا يبقى لتركيا سوى سوريا الموحّدة. لكن هذا المطلب يضعف يوماً بعد يوم. والجميع في انتظار ترامب. المشكلة أن الممثلين للسياسة التركية تنقصهم منذ وقت طويل ثقافة الجيوبوليتيك».

* الأخبار اللبنانية

You might also like