متابعات..|

على وقع تزايد الضغوط على رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من كل حدب وصوب، بسبب إصراره على إكمال مسلسل الحروب التي بدأها في غزة ولبنان، يجد الرجل نفسه معنياً باستحقاقات حرجة في الأمد المنظور، سواء على الصعيد الداخلي حيث يحاول، عبر فريقه القانوني، تبرير تهربه من حضور الجلسة المقررة مطلع الشهر المقبل أمام «محكمة القدس»، للإدلاء بشهادته في قضايا فساد تطاوله، بينها الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، أو على الصعيد الخارجي، حيث تشكل التبعات المحتملة لقرار صدور مذكرة توقيف بحقه أحد أبرز هواجسه على المستوى الدولي.

نتنياهو بين حساباته الخاصة ورؤى الجنرالات
وفي سياق تظهير إحدى أهم المعضلات التي تواجهها «إسرائيل نتنياهو»، استعرضت مجلة «ذي إيكونوميست» حقيقة الخلافات بين رئيس حكومة الاحتلال وقادة الجيش الإسرائيلي، سواء في ما يخصّ حربَي غزة ولبنان، أو التصعيد مع إيران، موضحة أنّه «لو كان الأمر بيد الجنرالات الإسرائيليين، لكان من الممكن أن تنتهي الحروب الثلاث التي خاضتها إسرائيل خلال الأشهر الماضية بحلول نهاية العام». وتشرح المجلة البريطانية أن تقديرات الجنرالات تستند إلى اقتناعهم بأن «معظم أهداف إسرائيل قد تحققت»، ومن أبرزها «استعادة قوة الردع الإسرائيلية، التي شوّهها الهجوم المفاجئ لحركة حماس في السابع من تشرين الأول من العام 2023»، إضافة إلى «تفكيك البنية العسكرية لحماس» في غزة، و«إجبار حزب الله على التراجع عن الحدود» مع لبنان، وأنّه «لا يمكن تحقيق تحرير الأسرى الإسرائيليين وضمان عدم عودة حزب الله إلى الحدود إلا من خلال اتفاقات وقف إطلاق النار».
وبحسب المجلة، فإن «هؤلاء الجنرالات لا يتورّعون، خلف الكواليس، عن إبداء امتعاضهم من أن موقف نتنياهو يعني الانخراط في حرب أبدية على جبهتين، ويعزّز من فرص التعرّض للمزيد من عمليات إطلاق الصواريخ من جانب إيران»، مشيرين إلى تبعات الحرب على أطراف الصراع كافة، ذلك أنّ «حماس» و«حزب الله» «لن يرغبا في المخاطرة باستجرار المزيد من الهجمات على غزة ولبنان لعقد قادم من الآن»، فيما إسرائيل نفسها باتت «تحتاج إلى الشروع في جهود إعادة البناء أيضاً». ووفق تقديرهم، فإنّه «لا يوجد سوى احتمال ضئيل لتحقيق» اختراق على صعيد التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق نار، وهو ما يرجع إلى «مماطلة» نتنياهو، وإصراره على تحقيق ما يسميه «النصر المطلق»، والذي يشمل عدم انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من غزة، وخاصةً من محورَي فيلادلفيا ونتساريم، والاحتفاظ بالحق في ضرب «حزب الله» أنّى شاءت تل أبيب. وتنقل المجلة عن أحد الجنرالات الإسرائيليين قوله إنّ «الجنود يخوضون الحروب، فيما يقرر الساسة متى يكون الانتصار»، مرجّحاً أن القيادة السياسية في إسرائيل تفضّل «استمرار حروب إسرائيل في غزة ولبنان وضد إيران حتى العام المقبل».

ثمّة أعباء جسيمة باتت ترتّبها حربا غزة ولبنان على الجيش الإسرائيلي

وأوضحت «ذي إيكونوميست» أن حسابات نتنياهو «لا تقتصر على الجانب العسكري»، لافتة إلى خشيته من تهديد شركائه داخل الائتلاف اليميني الحاكم بالانسحاب من الحكومة إذا ما وافق على الانسحاب من غزة أو لبنان. ولفتت المجلة إلى أنه، وفقاً للحسابات السياسية لنتنياهو، فإنّ «إنهاء الحرب سوف يعني انطلاق انتخابات مبكرة، وبدء إجراءات محاسبته على سياسته الفاشلة والتي كانت قائمة على احتواء حماس في غزة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى ما جرى في السابع من أكتوبر»، مستنتجة أنّ الأخير «يأمل، من خلال تأخير وقف إطلاق النار، بشراء الوقت الكافي الذي يتيح له التعافي، وتعزيز وضعيته» قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة. يضاف إلى ما تقدّم أنّ «قِلّة من الرؤساء الأميركيين أعطوا الكثير لإسرائيل بالقدر الذي أعطاها إياه جو بايدن، لكن نتنياهو لن يسمح للأخير بأن ينسب لنفسه أيّ قدر من الفضل في إنهاء الحرب». وفي انتظار تسلّم دونالد ترامب السلطة، تفترض المجلة أن الوقت الفاصل عن ذلك «ينطوي على احتمالات إطالة أمد الحرب».

أثمان متعاظمة
على أن التعويل على الوقت ليس مجانياً؛ إذ ثمة أعباء جسيمة باتت ترتّبها حربا غزة ولبنان على الجيش الإسرائيلي، من أبرزها، وفق صحيفة «واشنطن بوست»، «العدد المتزايد من جنود الاحتياط الإسرائيليين ممّن اختاروا عدم الالتحاق بالخدمة»، وهو ما «يزيد من الضغوط على الجيش الإسرائيلي، على مستوى العديد، في خضم حرب لا تنفك تتوسع». وفي تحقيق نشرته الصحيفة الأميركية، أوردت شهادات لعدد من جنود الاحتياط الذين يخدمون في صفوف جيش الاحتلال، مشيرة إلى أنه في ضوء اعتماد الجيش الإسرائيلي تاريخياً في حروبه على عدد كبير من قوات الاحتياط، وقوات نظامية صغيرة الحجم نسبياً، لخوض ما كان يُعرف بالـ«حروب الخاطفة»، وتحوّل العدوان على غزة إلى إحدى «أطول الحروب» في تاريخ الكيان، وفي ظل استدعاء حوالي 350 ألف إسرائيلي من الاحتياط عقب عملية «طوفان الأقصى»، فإنّ «أزمة كبيرة يتشاركها نحو 80 ألف جندي احتياطي إسرائيلي ممن تركوا وظائفهم، وتعليمهم، أو يتهيّأون لذلك، بغرض الانتقال إلى الخطوط الأمامية في الحروب الطاحنة التي تخوضها إسرائيل في غزة ولبنان»، كاشفة أنّ «هناك توّجهاً لدى أعداد متزايدة من الإسرائيليين للتخلّف عن الخدمة العسكرية في صفوف الاحتياط».
كما عرّجت الصحيفة على رفض حكومة نتنياهو الموافقة على قرار يسمح بتجنيد طائفة «الحريديم»، إرضاءً لحلفائه من التيارات المتطرفة، في موازاة توجّه مقابل لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتمديد الخدمة الإلزامية في الجيش وزيادة الحد الأقصى لسنّ الاحتياط، معتبرة أن الأمر يحمل دلالات على وجود «نقص محتمل في عديد الجيش»، وعلى «أن الحدّ الأقصى (النفسي والبدني والاجتماعي) الذي يتحمله الجنود قد بلغ منتهاه».
وتطرقت «واشنطن بوست»، كذلك، إلى جانب إضافي من الأثمان التي بات يتكبّدها المجتمع الإسرائيلي بفعل حربَي غزة ولبنان، لافتة إلى أن «الجنود يتداولون في ما بينهم قصصاً عن حالات زواج لعناصر في الجيش يتهدّدها الطلاق، وكذلك عن أمهات يكافحن لتقليص ساعات عملهن لتلبية متطلباتهن العائلية بما يعنيه ذلك من انخفاض إنتاجيتهن في العمل، وعن رؤساء في العمل ينفد صبرهم حيال موظفيهم» ممّن طال أمد خدمتهم على الجبهات. كما استعرضت الصحيفة تردي الأوضاع الاقتصادية بفعل الحرب، مشيرة إلى أنّ «الشركات الصغيرة والناشئة أقفلت أبوابها، وخسرت رأس مالها، فيما يعكف العديد من الشركات الناجحة المحتملة على دراسة إمكانية نقل أعمالها إلى خارج» فلسطين المحتلة. وأوردت بيانات جاءت في دراسة أجراها «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» في القدس، تظهر أن متوسط العدد الشهري الإجمالي للموظفين المتغيّبين عن أعمالهم بغرض الخدمة في صفوف الاحتياط كان لا يتجاوز 3200 في فترة ما قبل الحرب، فيما وصل الرقم بعد الحرب إلى حوالي 130 ألف عامل شهرياً خلال الأشهر الأولى.
وفي هذا الإطار، يكشف رئيس برنامج السياسة الاقتصادية في مركز «تاوب للسياسات الاجتماعية في إسرائيل»، بنيامين بنتال، أنّ نسبة النموّ الاقتصادي في إسرائيل انخفضت بواقع 2 في المئة العام الماضي، متوقعاً انكماش الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الجاري، بنسبة 1.5 في المئة. بدورها، تقول جاييل تالشير، المحلّلة السياسية في «الجامعة العبرية»، إنّه «أينما نظرت، سواء إلى الأزمة الاقتصادية، أو إلى الثمن الذي يتكبّده جنود الاحتياط وعائلاتهم، فإنك ستلمح بالتأكيد أنّ المجتمع الإسرائيلي قد استُنفدت طاقته إلى الحدود القصوى».

* الأخبار