الغرب «يكتشف» ازدواجيته: أول قرار ضد شخصيات من (العالم الحر)!
متابعات..|
توقّفت صحيفة «الغارديان» عند إدانة المسؤولين الأميركيين للقرار الصادر عن «المحكمة الجنائية الدولية»، واضعة ذلك في سياق سياسة «ازدواجية المعايير» التي لطالما دأبت عليها واشنطن، مذكّرة بأنّ الإدارة الأميركية الحالية كانت رحّبت، في عام 2023، بقرار مماثل صادر عن المحكمة نفسها بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى واقع المواجهة القانونية بين المحكمة وكيان الاحتلال، لافتة إلى أنّ «رفض إقرار إسرائيل، من جهتها، بصلاحية المحكمة في ملاحقة قادتها لكونها طرفاً غير موقّع على اتفاقية روما لعام 1998 (أسوة بالولايات المتحدة)، على الرغم من تقدمها في مناسبتين بدفوع قانونية (أمام المحكمة) تزعم أنها تقوّض الاتهامات الموجّهة إليها، يقابله إصرار الجنائية الدولية على أن رفض تل أبيب الانضمام إلى الاتفاقية، وبالتالي رفضها الخضوع لأحكامها، ليس عنصراً ضرورياً يعتدّ به» في هذا الخصوص. واعتبرت «الغارديان» أنّ «القرار قد يزيد الضغط الخارجي الذي يُمارَس على بنيامين نتنياهو، لحثّه على وقف الحرب في غزة»، خصوصاً أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، سبق أن اتّهمه في العلن بعدم بذل الجهد الكافي لوقف إطلاق النار في القطاع. ومع ذلك، رأت الصحيفة أنّ القرار قد «يعزز الموقف السياسي لنتنياهو في الداخل على المدى القصير، بالنظر إلى أنّ معظم الإسرائيليين يرفضون الإقرار باختصاص الجنائية الدولية (ضد إسرائيل)، ويعدّونه بمثابة تدخل في شؤونهم الداخلية».
أما صحيفة «الإندبندنت»، فاعتبرت أنّ ما بَدَرَ عن المحكمة يُعدّ «تصعيداً في المسار القانوني» الذي باتت ترتبه الحرب على القادة الإسرائيليين. وأشارت إلى ما قد ينجم عن هذا التصعيد من «تفاقم للعزلة (الدبلوماسية)» لنتنياهو ومسؤولين آخرين في حكومته، مع تحولهم إلى «مشتبه فيهم ومطلوبين دولياً». وذكّرت بتحذيرات سابقة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثية من «تفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية» في غزة بسبب الإجراءات الإسرائيلية، ومن جملتها رفض السماح لـ27 قافلة إغاثية من أصل 31، في الفترة الواقعة بين الأول والثامن عشر من الشهر الجاري، بالدخول إلى المناطق المحاصرة في شمال القطاع، فضلاً عن شبهات حول مسؤولية الجانب الإسرائيلي عن تعرض 109 من شاحنات الإمداد الإغاثي لغزة، نهاية الأسبوع الماضي، للسطو، على نحو جعل من القطاع «بيئة يستحيل العمل فيها»، في ظل «افتقارها الكامل إلى مظاهر الإدارة المدنية» وفق المفوّض العام لـ»الأونروا»، فيليب لازاريني. وأوضحت الصحيفة البريطانية أنّ افتقار «المحكمة الجنائية الدولية» إلى سلطة شرطية تتيح لها تنفيذ أوامر الاعتقال، يجعل أي احتمالات لمحاكمة نتنياهو أو غالانت في لاهاي مستبعدة، مستعرضةً سوابق في هذا الخصوص، وأبرزها قيام الرئيس الروسي، المطلوب بموجب مذكّرة اعتقال من المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، بزيارة منغوليا أخيراً، من دون تعرّضه للاعتقال، رغم كون الأخيرة إحدى الدول الـ124 الموقّعة على «اتفاقية روما».
اعتبرت صحيفة «الإندبندنت» أن ما بدر عن المحكمة يعدّ «تصعيداً في المسار القانوني»
وفي الاتجاه نفسه، أوضح موقع «ميدل ايست آي» أنّ الدول الموقّعة على «اتفاقية روما»، ومن بينها معظم بلدان الاتحاد الأوروبي، سوف يتعيّن عليها اعتقال المطلوبين (غالانت ونتنياهو) فور تواجدهما على أراضيها، وتسليمهما لـ»المحكمة الجنائية الدولية» لعدم إمكانية محاكمتهما غيابياً»، مستدركة بأن قرارات المحكمة المذكورة « تفتقر إلى أدوات التنفيذ القسري، لكونها تتعلق أساساً بـ(مدى) تعاون الدول الأعضاء في الاتفاقية لتنفيذ إجراءات اعتقال وتسليم المشتبه فيهم».
وفي معرض تعليقه على القرار الذي يُعد «سابقة في تاريخ المحكمة على مدى 22 عاماً من إنشائها، لكونه الأول بحق قيادات حليفة للغرب»، وصف المحامي الإيطالي، ترييستينو مارينييلو، الحدث بـ»التاريخي»، مثنياً على هيئة المحكمة «لثباتها ووقوفها في وجه الضغوط والتهديدات الصادرة عن الولايات المتحدة» التي هدفت إلى ثنيها عن إصدار الأوامر. وتابع مارينييلو، وهو أحد الممثّلين لجهة الادعاء عن الجانب الفلسطيني لدى «الجنائية الدولية»، أن إصرار المحكمة على مواصلة عملها في الدعوى المثارة ضد القادة الإسرائيليين رغم الضغوط، يشكل «خطوة مهمة لترسيخ شرعيتها ومصداقيتها»، معتبراً «(أننا في) يوم تاريخي لأي شخص يؤمن بالعدالة وبضرورة إنصاف كل ضحية بصرف النظر عن مدى قوة الجناة».
وفي سياق استعراض المدلولات السياسية للقرار القضائي، رأت صحيفة «واشنطن بوست»، بدورها، أن ما جرى يشكّل «توبيخاً علنياً لإسرائيل على أدائها في الحرب» على غزة، متوقفة عند «رفض المحكمة الجنائية الدولية تحدّي إسرائيل لولايتها القضائية على الوضع سواء في دولة فلسطين، أو على المواطنين الإسرائيليين»، فيما اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الحدث يشكل «ضربة غير معهودة لمكانة إسرائيل (على مستوى المنطقة والعالم)، على وقع اندفاعها إلى خوض حروب على جبهات متعدّدة، وتآكلاً لشرعيتها على الصعيد الدولي»، مضيفة أنّ القرار «يضع نتنياهو، الحليف الأوثق للولايات المتحدة، على قدم المساواة مع بوتين، المُلاحق بمذكّرة اعتقال مشابهة»، في إشارة إلى الرئيس الروسي الذي يُعد أحد أبرز خصوم واشنطن على الساحة الدولية.
* الأخبار