متابعات..| تقرير*:

«هيثم بن طارق السعيد (69 عاماً)، يقف على رأس سلطنة عُمان، الجارة المزدهرة لليمن وأحد الوسطاء المهمّين في الشرق الأوسط، والتي تعمل تحت الرادار. صعد إلى الحكم فقط قبل نحو خمس سنوات، عندما خلف ابن عمه الراحل، قابوس بن سعيد السعيد، الذي حكم عُمان نحو نصف قرن. يحتفظ بعلاقات جيّدة مع إيران والولايات المتحدة والحوثيين، ويقيم أيضاً علاقات سريّة مع إسرائيل». هكذا افتتح موقع «واينت» تقريره المطوّل حول السلطنة، والذي يبدو من خلاله أن عين إسرائيل متجهة إلى الدولة التي تتمتع بمكانة جيوسياسية مهمّة، في محاولة لاستقراء تموضعها في مستقبل المنطقة، وكيفية الاستفادة منه.
يبدأ التقرير اللافات في توقيته بسرد حيثيات صعود السلطان هيثم إلى الحكم، مشيراً إلى أن الأخير حافظ على «السياسات المحايدة وعدم تدخل السلطنة في الصراعات الإقليمية والدولية». ويلفت إلى أنه «في أيامه الأولى بعد تنصيبه سلطاناً، حاول هيثم تثبيت حكمه؛ إذ أعلن تعيين ابنه البكر ولياً للعهد، وبذلك عزّز مكانة عائلته». وفي هذا الإطار، يوضح يوئيل جوزانسكي، كبير الباحثين ورئيس برنامج الخليج في «معهد دراسات الأمن القومي»، أن «هيثم عيّن عملياً الجيل القادم، ولديه بالفعل وليّ عهد، وهذا يعطي نوعاً من الاستقرار، مشابهاً لبقية دول الخليج». ويتابع: «يواصل السلطان إلى حدّ كبير خط سلفه قابوس على المستوى الإقليمي، في ما يتعلق بالعلاقات مع إيران والوساطة الهادئة والسرية للغاية مع الأميركيين، فهو يدرك نقاط قوة عُمان وقدراتها. وما زرعه قابوس جناه هيثم».
ومن هنا، يعرج جوزانسكي على وضع عُمان الاقتصادي، مستدركاً بأن المشكلة التي تواجهها السلطنة، غير اعتمادها على النفط، هي «بالطبع اليمن والحوثيون الذين سيطروا على مناطق كبيرة منه». وفي هذا السياق، يشير عوزي رافي، وهو باحث بارز في مركز «ديان» و«مركز الدراسات الإيرانية» في جامعة تل أبيب، في حديثه مع «واينت»، إلى أنه «تاريخياً، وعملياً الآن، ثمة خوف كبير من أن يصبح اليمن وعاءً لكثير من المنظمات الخطيرة. ينبغي خفض التوتر هناك، تثبيت الاستقرار، لأن الأمر الأكثر ضرراً لعُمان هو يمن خطير على حدودها». وعلى رغم ذلك، كانت عمان ولا تزال «على تواصل جيد مع الحوثيين»، وفق جوزانسكي، الذي يضيف أن «الحوثيين يتلقّون العلاج الطبي في عُمان، وكانت هناك تقارير تفيد بأن التهريب يجري عبر أراضي العمانيين مع غَضّ طرف، وأنهم كانوا ينقلون المسؤولين الحوثيين الجرحى في طائرات عمانية». ويتابع أن العمانيين «ساعدوا السعوديين حقاً في محادثات التفاوض مع الحوثيين، كما أنهم يساعدون الأميركيين كثيراً في الوساطة».

باحثون إسرائيليون يرون أن مستقبل العلاقات مع السلطنة «يغزوه الضباب»

وبالعودة إلى حديث رافي، فهو يرى أن عُمان «دولة تعرف جيّداً كيف تحافظ على العلاقات مع الجميع»؛ فالعُمانيون، بحسبه، «يدركون أنه لكونهم يتحدّثون مع الحوثيين والإيرانيين فهم مهمون جداً بنظر الولايات المتحدة والغرب. هم يتوسطون على الطريقة القطرية، ولكن أكثر على المستوى الوظيفي… وعمان هي بلد يراكم بهدوء الكثير من نقاط الائتمان». وفي الاتجاه نفسه، يلفت يناي إلى أن «عُمان حافظت دائماً على وضعها المُحايد ولم تشارك أبداً، على سبيل المثال، في العقوبات المفروضة على إيران. ولهذا السبب، يمكن لإيران استخدامها كواجهة خلفيّة لبيع النفط والسلع وإدارة النظام المصرفي». ويضيف أن «الأميركيين يحتاجون إلى عمان لتتوسط مقابل إيران، لأنه في نهاية الأمر ثمة احتكاك لا نهاية له في مضيق هرمز، الذي يربط خليج عُمان في المحيط الهندي مع الخليج الفارسي، وإذا أُغلق المضيق فإن جزءاً كبيراً من الطاقة العالمية اليومية لن يمر عبره».
لكنّ الأمور لا يبدو أنها ستظل على هذا النحو وفقاً للموقع؛ فبينما يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتساءل الجميع عمّا إذا كانت سياسة العقوبات الحازمة ستعود ضد إيران. وعن ذلك، يقول رافي: «إن كان ترامب سيفرض عقوبات قاسية على إيران، فإنه سيطلب من عُمان أن تحذو طريقه، وألّا تلعب بيدٍ خلفيّة. إلا أنه إن كان ثمة من يعتقد بأنه سيهاجم إيران أو يوقف قدراتها الإنتاجية، فعمان بإمكانها أن تكون قاعدة لتأهيل الصناعة الإيرانية سريعاً». ومن جهته، ينبّه يناي إلى أن «القاعدة الواضحة منذ مئة عام في الخليج هي أن النفط يجب أن يُضخ. الاستقرار الاقتصادي العُماني معلّق بضخ النفط، وحقيقة أن عُمان محايدة تهدّئ من مخاوف طهران والرياض».
وبحسبه، فإنه في ظل المحاولات للبقاء على الحياد، «يحتاج هيثم إلى المحافظة على التوازن القبلي. ففي عُمان، ثمة شيعة بينهم إيرانيون هاجروا ويعملون هناك. كما أن ثمة مجتمعات ليست صغيرة تحافظ على علاقتها مع بلدها الأم، ومَسْقط من جهتها، تشجّع التسامح بين الأديان والثقافات». ويتابع: «كل واحد من الأطراف بإمكانه استخدام القبائل الغربية في الصحراء، من أجل إثارة الشغب إن اختارت عُمان الوقوف في جانب واضح… الجمرة قائمة هناك طوال الوقت، والنظام يحرص على تهدئتها. فالمغزى الذي تعلّمه هيثم من الصراعات في المنطقة، هو الامتناع عن تحويل دولته إلى أداة سياسية». إضافة إلى ما تقدّم، فإن للتركيبة الطائفية الفريدة في عُمان «تأثيراً كبيراً على إرادة هيثم العمل كوسيط هادئ غير علني»؛ إذ إن «معظم سكان عُمان ينتمون إلى الفصيل الثالث في حجمه في الإسلام – الإباضية -، ويمكن بسهولة اعتبارهم كفاراً إذا أزعجوا أحدهم».
كذلك، يتطرق الموقع إلى «العلاقات غير الرسمية التي ربطت عُمان بإسرائيل»، وموقف السلطنة عقب توقيع «اتفاقيات أبراهام»، التي لم تسارع إلى التوقيع عليها، ثم فتحها الأجواء لمرور الطائرات الإسرائيلية قبل أن تعيد إغلاقها على إثر حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة. وهنا، يرى جوزانسكي أن «مستقبل العلاقات بين الجانبين يغزوه الضباب. فالأمر مرتبط بالموضوع الفلسطيني»، مبيّناً أن «العُمانيين قلقون من الموضوع. فهناك ميل إلى السير في الاتجاه المناهض لإسرائيل. بدأ الأمر قبل الحرب وتعاظم على إثرها. ولكن، إن أتى يوم واحتاجت فيه إسرائيل إلى وساطة مقابل إيران لسبب ما، فإن عُمان بإمكانها أن تكون العنوان لذلك».
وفي السياق نفسه، يشير رافي إلى أنه «في عهد هيثم كان هناك تراجع معين في العلاقات، حيث اتخذ السلطان موقف أقل انفتاحاً وأكثر انتقاداً تجاه إسرائيل مما كان عليه الأمر خلال فترة قابوس»، وهو ما يعزوه ليس فقط إلى تطورات الحرب، بل وأيضاً إلى علاقة عمان بإيران، وأهمية مضيق هرمز الذي تتحكم فيه الأخيرة. ويعتبر أن «السلطان هيثم يجد نفسه حالياً في وضع مثير جداً للاهتمام، خصوصاً عندما يعود ترامب؛ فهناك ترويج لإمكانية التطبيع بين إسرائيل والسعودية»، ولكن إن حدث ذلك، فإن عُمان «لن تتغيّر 180 درجة، فهي لن تهدم ما بنته طوال أعوام. إن حدث التغيّر، فإن عُمان ستكون في المنتصف» بحسبه. ويوضح أن «ترامب يريد استكمال اتفاقيات أبراهام، وعُمان أيضاً في القائمة بعد السعودية. ينطلق الأميركيون من افتراض أن السعودية هي مُغيّرة قواعد اللعبة من حيث قوّتها وحجمها، والاكتمال سيكون مع عُمان». ويختتم حديثه قائلاً إن «السلطنة تريد شرق أوسط مستقراً وهادئاً. ولا أعتقد بأن هذه الدولة ستذهب وتعقد صفقات مع الشيطان، لأنها تخشى أن يبتلعها في نهاية المطاف».

* الأخبار