كل ما يجري من حولك

عطوان يكشفُ أسبابَ تصدُّرَ الحوثي والسيستاني قائمة الاغتيالات وما هي المعلومات التي حصلت عليها الكيان الإسرائيلية عن مكان تواجدهم؟ متى بدء الهجوم وما هو مشروع “رأس الأخطبوط”

1٬439

لماذا يتصدر السيستاني قائمة الاغتيالات الإسرائيلية؟ وهل بدأت صواريخ حزب الله مرحلة عدم استثناء المدنيين في “غزوة” كريات شمونة؟ ما هي الأسباب التي تدفع بايدن للتردّد في المشاركة في الهجوم على “رأس الاخطبوط” حتى الآن؟

عبد الباري عطوان

تصريح يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي الذي جاء على لسانه قبل بضعة أَيَّـام، وقال فيه “ان إسرائيل تقاتل أخطبوطا رأسه في طهران واذرعه في لبنان واليمن وسورية والعراق والضفة وغزة”، والمح إلى أنه يجب ضرب اذرعه وإضعافها، ولكن هذا لا يعني عدم الذهاب إلى الرأس في طهران وقطعه، هذا التصريح يأتي التجسيد الأدق للاستراتيجية الإسرائيلية الحالية المتمثلة في تصعيد الحرب في لبنان وغزة، وتنفيذ التهديدات بتوجيه ضربات قوية لتدمير المنشآت النووية والنفطية الإيرانية ردا على الهجوم الإيراني غير المسبوق (الوعد الصادق 2) بمئتي صاروخ فرط صوت قبل أَيَّـام وأصابت معظم القواعد الجوية الإسرائيلية وفشلت أحدث منظومات الدفاع الجوي والأرضي الأمريكية المتطورة في اعتراضها وإسقاطها.

هناك تطوران رئيسيان يعكسان المخطّط العسكري والسياسي الإسرائيلي الذي سيتم ترجمته كليًّا أَو متدحرجا في الأيّام القليلة القادمة، نذكرهما ثم نتحدث عن النتائج المترتبة عليهما، إلى جانب فرص النجاح والفشل:

الأول: نشر القناة التلفزيونية الرابعة المقربة من بنيامين نتنياهو وحزبه صورة تتضمن قادة أذرع الاخطبوط الإيراني، (حسب وصف القناة)، الموضوعين على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية وعلى رأسهم السيد علي السيستاني المرجعية الإسلامية الشيعية العراقية، جنبا إلى جنب مع السيد عبد الملك الحوثي قائد حركة “أنصار الله” اليمنية، ويحيى السنوار زعيم حركة حماس ومهندس “طوفان الأقصى” العظيم، والشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله، والجنرال علي قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأخيرًا السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ورأس الاخطبوط، حسب التوصيف الإسرائيلي.

الثاني: جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى المشاركة في هجوم موسع بالصواريخ والطائرات بتدمير إيران عسكريًّا واقتصاديًّا وبما يؤدي إلى إضعاف نظامها، وتحريك المعارضة للاستيلاء على السلطة، وعسكريًّا من خلال تدمير منشآتها النووية وقواعدها ومعاملها الحربية، واقتصاديًّا من خلال تعطيل صناعتها النفطية والغازية، وتدمير آبارها، وكل المصافي الرئيسية وبما يؤدي في نهاية الأمر إلى تجفيف شريانها المالي ومصادر الدخل الرئيسية.

***

نظريا، وعلى الورق، يبدو هذان التطوران براقين، ولكن عند النظر اليهما من زاوية التطبيق الميداني العملياتي، واحتمالات رد الطرف الآخر، ووضع إمْكَانياته الضخمة في عين الاعتبار، يمكن القول أن الصورة ليست وردية على الإطلاق، وربما أكثر سوادا مما تتوقعه آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية وحلفاؤها في واشنطن وبعض العواصم الغربية الأُخرى.

نشرح أكثر ونقول أن عمليات الاغتيال الاستعراضية الإسرائيلية، رغم قسوتها، وآثارها النفسية والمعنوية والدعائية التي لا يمكن نكرانها، بدأت تعطي نتائج عكسية نلخصها في النقاط التالية:

أولا: نجاح “حزب الله” اللبناني في إعادة هيكلية قيادته العسكرية والسياسية، وتجاوز أزمة اغتيال سيد الشهداء حسن نصر الله زعيمه، وعدد من قادة الصف الأول لقواته بسرعة، وانعكس ذلك في تكثيف العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ لقصف العمق الإسرائيلي المحتلّ، وخَاصَّة في حيفا وتل ابيب وصفد وعكا ونهاريا، وتولي القيادات الشابة زمام القيادة، وملئ الفراغات الناجمة عن الاغتيالات بها جنبا إلى جنب مع القيادات المخضرمة الأُخرى، وتأكيد الشيخ قاسم تخطي الحزب للضربات الموجعة وأن الحزب لن يستجدي حلا.

ثانيا: فشل الجيش الإسرائيلي في اختراق الحدود اللبنانية ولو لبضعة أمتار؛ بسَببِ المقاومة الشرسة لكتائب “الرضوان” واستعداداتها العسكرية العالية جِـدًّا، الأمر الذي دفع بعض المحليين الإسرائيليين إلى التحذير من أن نجاح هذه الكتائب في منع التغلغل في الأراضي اللبنانية قد يمهد لخطواتها الأَسَاسية التي جرى تشكيلها؛ مِن أجلِها، أي اقتحام الجليل وتحريره.

ثالثا: كشفت الهجمات الصاروخية (20 صاروخا) المكثّـفة لقوات المقاومة الإسلامية في لبنان على مدينة كريات شمونة الاستيطانية في شمال فلسطين المحتلّة ربما بدء تطبيق معادلة الرد باستهداف المدنيين أَيْـضاً وليس العسكريين فقط، حَيثُ أصابت الصواريخ عدة منازل، وجرى قتل مستوطنين اثنين وإصابة آخرين، وتكرّر الأمر نفسه في حيفا ونهاريا، وهذا تحول لافت وغير مسبوق.

رابعا: تأكيد وليم بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي ايه) أن إيران تملك ما يكفي من كميات اليورانيوم المخصب لتركيب قنبلة نووية في غضون أسبوع، وهذا ما يجعل بلاده تتردّد في المشاركة الفعلية في أي ضربة إسرائيلية لإيران، علاوة على المخاطر الأُخرى وأبرزها ارتفاع أسعار النفط والغاز بنسب خيالية، وإغلاق مضيق هرمز وباب المندب، ووقف الملاحة التجارية الدولية، وخلق أزمة عالمية حادة في الطاقة، وفي ذروة موسم الشتاء القارس.

***

صحيح أن المخابرات الإسرائيلية نجحت في هجوم “البيجرات” السيبراني، وفي اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله، وبعض قادته العسكريين، ولكنها لم تنجح في تدمير قدرات حزب الله العسكرية، وحاضنته الشعبيّة، وهيكليته التنظيمية، والأهم من ذلك انها فشلت فشلا ذريعا في اغتيال المجاهد يحيى السنوار والقضاء على المقاومة وكتائبها، وتهجير مليونين من سكان القطاع.

التهديد باغتيال السيد علي السيستاني المرجع الشيعي العراقي، سينسف نتائج واحدة من أبرز الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، حَيثُ استثمرت ستة تريليونات دولار، وخسرت عشرات الآلاف من قواتها، إلى جانب سمعتها، وسيجعل من العراق الذراع الأقوى للمقاومة الإسلامية، وتحوله إلى دولة مواجهة عظمى، يمكن أن يقتحم مقاتلوها الحدود الأردنية والوصول إلى العمق الفلسطيني المحتلّ في عدة ساعات، ناهيك عن قدراتها البشرية والصاروخية والمسيرّاتية، وإرثها الثوري.

لا نبالغ إذَا قلنا في الختام أن غالانت (اذا بقي على رأس عمله) ومعلمه “المنهار” نتنياهو وكل جنرالاتهم العسكريين والأمنيين، لن ينجحوا في تحطيم رأس الاخطبوط ولا قطع أذرعه، ولا حتى اغتيال القادة الخمسة المدرجين في الصورة المذكورة آنفا، وحتى لو نجحوا بدائلهم جاهزة، وتحقّق حلمهم في الشهادة، وعلينا التذكير بأن فتوى واحدة من السيد السيستاني حسمت الحرب ضد “داعش” في العراق، وأن المقاومة العراقية هزمت وطردت 160 ألف جندي أمريكي وأنهت احتلالهم.. فالمعادلات تتغير الآن بسرعة في المنطقة، ومعها كُـلّ قواعد الاشتباك.. والأيّام بيننا.

You might also like