أمريكا تعوِّضُ عماها الاستخباري في اليمن بفضاء «ستارلينك»
متابعات| تقرير*:
بالتوازي مع الحروب العسكرية في العالم والشرق الأوسط، ومنه اليمن، تتطوّر أشكال أُخرى مرادفة من الصراعات، مثل الهجمات السيبرانية التي تزداد شراستها وتفوق مخاطرها مخاطر الهجمات التقليدية.
وبات ملف الأمن السيبراني بالغ الأهميّة، وهو مكوّن أَسَاسي في منظومة الأمن القومي لجميع دول العالم، وخَاصَّة الدول المتقدّمة؛ فكلما تزايد اعتماد الدولة على التحوّل الرقمي، تعاظمت مخاطر الأمن السيبراني، وبات عليها التحوّط ممّا يمكن أن تحدثه الهجمات السيبرانية من مخاطر وخسائر.
وفي ظل اتضاح تلك الحقيقة، وفي وقت متزامن تقريبًا، أعلنت كُـلّ من الحكومة الموالية للتحالف السعوديّ – الإماراتي، والسفارة الأمريكية في اليمن، ومالك منصة «إكس»، إيلون ماسك، أن «مؤسّسة الاتصالات اليمنية» التابعة لما يسمّى «الشرعية»، فعّلت خدمة «ستارلينك» الفضائية للإنترنت، بشكل رسمي.
ويبدو أن هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة الولايات المتحدة تعويض فشلها في ليّ ذراع اليمن بالآلة العسكرية والحصار الذي تتعرّض له البلاد منذ سنوات.
ولذا، اعتبرت صنعاء أن حكومة عدن تعرّض البلد للمخاطر وتهدّد الأمن القومي له.
وإذ يبدو لافتاً أن اليمن، البلد الفقير، قد أصبح أول دولة في الشرق الأوسط تحظى بهذه الخدمة، فقد مهّدت «المؤسّسة اليمنية للاتصالات»، قبل نحو أسبوع، لما جرى بالقول إنها ستعلن قريباً عن أسعار الأجهزة والباقات الخَاصَّة بخدمة «ستارلينك» في المحافظات الخاضعة للاحتلال السعوديّ – الإماراتي.
وبموجب الترخيص، فإن المؤسّسة ستكون هي الوكيل الرسمي لتقديم خدمات الإنترنت الفضائي في البلاد، غير أن تفاصيل الاتّفاق بين الطرفين الأمريكي واليمني بقيت طيّ الكتمان.
ولم تمضِ سوى ساعات قليلة، حتى هنأت السفارة الأمريكية، اليمن، بالإنجاز «لكونه أول دولة في الشرق الأوسط تتمتّع بإمْكَانية الوصول الكامل إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية من ستارلينك».
وقالت السفارة، في بيان، إن «هذا الإنجاز يوضح كيف يمكن للتكنولوجيا أن تفتح فرصاً جديدة وتدفع عجلة التقدّم».
وتسيطر حكومة صنعاء على قطاع الاتصالات، الذي يعدّ من أنجح القطاعات في البلد.
وطوال السنوات الماضية، حاولت القوى المنضوية في العدوان، سواء السعوديّة أَو الإمارات أَو وكلاؤهما المحليون، ممارسة ضغوط على صنعاء للتخلي عن القطاع المذكور أَو العمل على تقويضه.
وأثناء العدوان، تعرّضت مؤسّسات الاتصالات للكثير من الغارات والتدمير الممنهج بغية تصفيتها.
كما جرت محاولات لتعطيلها في العاصمة أكثر من مرة، وإنشاء العديد من الشركات المنافسة لها في عدن وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال.
وكان آخر تلك المحاولات، قرار الحكومة الموالية لـ«التحالف»، نقل مقارّ شركات الاتصالات من صنعاء إلى عدن قبل أشهر، وهو ما أُفشل بعدما هدّدت حركة «أنصار الله» بقصف مقارّ الاتصالات في السعوديّة.
وقبلها، أي في العام الماضي، جرت محاولة مماثلة حين وافق مجلس وزراء ما يسمّى «الشرعية» على مشروع الاتّفاقية الموقّعة بين «المؤسّسة العامة للاتصالات» وشركة «nx» الإماراتية – الإسرائيلية، والمتضمّنة منح ترخيص تقديم خدمات الهاتف النقال وتشغيل وترخيص الطيف التردّدي، ورفعها إلى «مجلس القيادة الرئاسي»، غير أنها أَيْـضاً لم تنجح؛ بسَببِ الفساد المستشري، والتنافس السعوديّ – الإماراتي على البلد؛ باعتبَار قطاع الاتصالات من صلب قطاعات النفوذ.
حكومة صنعاء هدّدت باتِّخاذ كُـلّ التدابير اللازمة لمنع تقديم خدمة «ستارلينك» في أية منطقة يمنيّة
أما ما جرى فعلياً أخيرًا، فهو يعني الاستحواذ على قطاع الإنترنت والاتصالات في مناطق سيطرة «التحالف»، جنوب اليمن وشرقه.
وتوقّف مراقبون عند التوقيت المريب لذلك، حَيثُ يخوض اليمن معركة إسناد فلسطين ويتعرّض لعدوان أمريكي – بريطاني على أراضيه، وطُرحت أسئلة من قبيل: ما علاقة الخطوة بالفشل الأمريكي في البحر الأحمر والتحَرّكات الأمريكية للتصعيد داخل اليمن؟ وما تداعيات عمل الشركة على خصوصية الناس في مناطق بثّها، وخُصُوصاً بعدما كشفت تقارير غربية تورطها في عمليات تجسّس؟ وتستلهم حكومة عدن ما قامت به من التجربة الأوكرانية التي استبدلت قطاع الاتصالات فيها بخدمة «ستارلينك»، فيما لا يخفي المقرّبون من تلك الحكومة النيّات المبيّتة من وراء القرار، ويضعونه في سياق الصراع مع حكومة صنعاء.
ووفق معلومات صنعاء، فإن الإدارة الأمريكية بدأت منذ أشهر تكوين بنك معلومات عن اليمن، بعدما ثبت فشلها الذريع سواء في البحر الأحمر أَو في إصابة أهداف عسكرية في العدوان على الأراضي اليمنية.
ورأى الخبراء والمسؤولون الأمريكيون أن أبرز أوجه الفشل المذكور يتمثّل في الخواء الاستخباري والاستعلامي.
بدورها، هدّدت حكومة صنعاء باتِّخاذ كُـلّ التدابير اللازمة لمنع تقديم خدمة «ستارلينك» في أية منطقة في اليمن.
وأدان مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السماح لشركة «ستارلينك» بتقديم خدمات الإنترنت الفضائي في المناطق المحتلّة.
واعتبر هذا الإجراء انتهاكاً صارخاً لسيادة اليمن وتهديداً كَبيراً لأمنه القومي، فضلاً عن أنه يضُرُّ بنسيجه الاجتماعي.
ورأى ناشطون، بدورهم، أن الخطوة الأمريكية تأتي ضمن ترتيبات لتكرار سيناريو لبنان ولو بطريقة أُخرى، بينما رأى آخرون أنها تندرج في إطار الترتيبات لتصعيد عسكري في اليمن؛ نظراً إلى مشاركة الشركة الأمريكية في تقديم الدعم العسكري لحلفاء الغرب في أوكرانيا.
* الأخبار البيروتية