خلافاتٌ متعمّقةٌ في إسرائيل: نتنياهو يتحرَّى إفشال الصفقة
متابعات| تقرير*:
على وقع تجدّد مفاوضات صفقة التبادل بين إسرائيل «وحماس»، والتي قد تفضي إلى وقفٍ لإطلاق النار، رأى محلل الشؤون العسكرية في موقع «واينت»، رون بن يشاي، أن الجيش قد يصطدم بمعيقات على طريق تنفيذ «المرحلة الثالثة». فبعد أشهر من الحرب، يستعد الجيش للتعامل مع واقع جديد في القطاع، كان قد صممه بنفسه؛ حيث بات في وضعيتين قتاليتين: المرحلة الثالثة في الشمال وحتى محور «نتساريم»، والقتال المكثّف في رفح جنوباً، إذ بعدما انسحب من الأحياء والمدن شمالاً، يقوم مذّاك باقتحامات وغزوات موضعية بناءً على معلومات استخبارية، كتلك التي تقوم بها حالياً الفرقة 98 في حي الشجاعية. وهي مرحلة «يهدف من خلالها إلى استنزاف مقاتلي حماس بحيث لا يعود هؤلاء قادرين على تشكيل خطر على مستوطنات “غلاف غزة”»، فيما مقاتلو الحركة بدورهم يستنزفون عناصره كذلك.
ووفقاً لبن يشاي، فإن «حماس» لا تزال تحتفظ حتى الآن بمئات الصواريخ التي بمقدورها الوصول إلى أهداف إسرائيلية، فيما يهدف الجيش من خلال طريقة «جز العشب» التي يعتمدها حالياً، إلى العثور على منصات الإطلاق ومواقع هذه الصواريخ وإنتاجها، بهدف تدميرها. وعملياً فإن الهدف الأسمى الذي تنشده إسرائيل من المرحلة الثالثة، هو الحؤول دون تأهيل «حماس» صفوفها كحركة عسكرية، والتسبب لها بالضعف قدر الإمكان. على أن الهدف المذكور يصطدم بكثير من العراقيل؛ إذ وفقاً للمحلل، فإن «الوضع الحالي (إمكانية بدء المفاوضات) يمكّن من البدء في تنفيذ “خطة اليوم التالي”»، الهادفة إلى إنشاء بديل مدني من حكومة «حماس»؛ حيث تخطط إسرائيل لتوزيع المساعدات على المناطق التي تجتاحها كارثة إنسانية في شمال القطاع، مثل بيت لاهيا، وبيت حانون والعطاطرة، آملةً أن يدير السكان هناك شؤونهم بأنفسهم من خلال تشكيل لجان محلية، ومن ثم استنساخ هذا السيناريو في بقية المناطق، بعد أن يدقق الجيش في هويات العائدين إلى بيوتهم، ويقرر السماح لهم بالعودة إليها أو لا، على أن ترافق تلك اللجان قوات عربية ودولية. على أن هذه الخطة القابلة للتحقيق على الورق قد لا تكون كذلك في الواقع، وفقاً لما نقله المحلل عن مسؤولين إسرائيليين، والسبب أن «حماس لا تزال متواجدة في مختلف المناطق، وقد نجحت في إحباط أي محاولات إسرائيلية سابقة لاستبدالها، بينها المخاتير أو اللجان المحلية». كما أن الخطة المشار إليها لا تحظى بموافقة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يرفض أصلاً مناقشة «اليوم التالي» على خلفية تهديدات وزيري كتلة «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غيفر، وبالتالي «فإن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وحماس تعاود تنظيم صفوفها وتجنيد مقاتلين جدد». وبالمحصّلة فإن «السيناريو الذي تخشى منه إسرائيل وهو النموذج الصومالي، (الفوضى) ما فتئت ملامحه تتشكل في شمالي القطاع».
أتت الصفقة لتسكب زيتاً على نار الخلافات بين نتنياهو وقادة المؤسسة العسكرية
في غضون ذلك، يسعى بن غفير وسموتريتش، بوضوح، لإحباط أيّ إمكانية للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار، خصوصاً بعدما أيقنا أن نتنياهو قرّر إيفاد رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، إلى قطر لإجراء مفاوضات حول المقترح الذي ردّت عليه «حماس» بالإيجاب. فطبقاً لما تسرّب من جلسة المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، عاد بن غفير مكرراً تهديده لنتنياهو: «أعرف أنه بعد اجتماعنا مباشرة سيُعقد الاجتماع الحقيقي. فنحن مجرد ديكور هنا (في الكابينت)، وبعد أن ننهي ستجتمع أنت وغالانت مع رؤساء جهاز الأمن وتتفقون على الأمور»، مضيفاً: «إذا كنت ستتخذ قرارات بمفردك، فستتحمل المسؤولية. وبالتالي ستبقى وحيداً». وتابع: «لم ينتخبني نصف مليون شخص كي أجلس في الحكومة بينما من يقرر هم رؤساء جهاز الأمن. وأنا لا أهدد… ولكن هذا هو الواقع. وإذا كانوا سيقررون بمفردهم فلا يتوقعوا مني أن أحافظ على الحكومة».
وعلى خلفية هذا التهديد، الذي يعكس في الواقع رفض عموم أحزاب اليمين المتطرف لوقف الحرب وفق ما عبّر عنه غالبيتهم أمس، فإن نتنياهو المتخوّف من سقوط حكومته والانتخابات المبكرة، «لا يزال يبحث عن طريقة تمكّنه من إحباط الصفقة من دون أن يظهر على أنه المسؤول عن إحباطها»، وفقاً للمحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، الذي رأى أن الجيش وقيادته الأمنية والعسكرية التي كان لها عادةً وزن في اتخاذ القرارات، باتوا الآن «يهانون في اجتماعات الكابينت (هجوم الوزراء على قيادة الأركان)». وصحيح، وفقاً لبرنياع، أن «رئيس هيئة الأركان (هرتسي هليفي)، يعتقد أن ما يفسده الكابينت، بالإمكان إصلاحه من خلال محادثات شخصية مع نتنياهو، وهو أمر ممكن إلى حد ما، غير أن ضعف الجيش (عدم قدرته على التأثير مقابل المستوى السياسي) هو نذير سوء للمختطفين وعائلاتهم ولكل من يرغب في التوصل إلى اتفاق يتيح لإسرائيل ترميم نفسها، لأنه ليس في الإمكان الاعتماد على وزراء الكابينت».
لكن مشكلة الجيش ليست محصورة في ذلك، بل تتعداه إلى أن هليفي نفسه «بات ضعيفاً داخل الجيش أيضاً»؛ والسبب أنه «بعد إعلان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، عن استقالته، قرّر هليفي تعيين قائد لواء العمليات في هجوم 7 أكتوبر، شلومي بيندر، في المنصب خلفاً لحاليفا. وأصر هليفي على القرار رغم المعارضة الواسعة داخل الجيش، لمسؤولية بيندر عن الإخفاق الذي أدى إلى الهجوم وكذلك عن الفوضى التي سادت في يوم الهجوم ذاته». وعلى ما يبدو، فإن قرار هليفي لم يكن في محله، بدليل أن «حاليفا يُطالب حالياً بتأجيل استقالته على إثر صدور نتائج التحقيقات الأولية التي وصلت إلى مكتب هيئة الأركان العامة، وتبيّن بحسبها أن ثمة مشكلة تتعلق ببيندر، ويجب استيضاح أمور بشأنه».
وعلى ما يظهر، فإن الخلافات بين نتنياهو وقادة المؤسسة العسكرية، وبينه وبين غالانت، والتي تفاقمت أخيراً، أتت الصفقة لتسكب زيتاً على نارها؛ إذ وفقاً لما نقله الصحافي اليميني، ينون ميغال، عن مسؤول في دائرة نتنياهو، فإن «غالانت هو أداة تخضع للنخبة ولرئيس هيئة الأركان العامة». وبحسب ميغال – وهو المذيع الوحيد الذي استضاف نتنياهو منذ بدء الحرب في مقابلة على قناة إسرائيلية (القناة 14) -، فإن غالانت «وكما عارض الإصلاح القضائي (وقد أدت معارضته إلى إقالة نتنياهو له، قبل أن يتراجع عن قراره)، وكما يعارض قانون التجنيد (الذي يطرحه نتنياهو)، يتصرف الآن تجاه الصفقة (التي يخشى بيبي التوصل لها)». والسبب لكل ذلك، كما يقول ميغال، هو أن «غالانت يسعى لإسقاط الحكومة. وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه». ومن الواضح أن ما تقدّم، والذي أورده ميغال في تغريدة على منصّة «إكس»، هو جزء من بروباغندا يدفع بها نتنياهو من طريق الإعلاميين والمؤثرين المؤيدين له، ضد غالانت، بهدف إقناع الجمهور الإسرائيلي بضرورة إحباط الصفقة.
وتقاطع ما تقدّم، مع ما أورده محلل الشؤون الحزبية لـ«القناة 12»، عميت سيغال، الذي كشف أن نتنياهو منع غالانت من أن يعقد اجتماعاً حول الصفقة مع رئيسي «الموساد»، دادي برنياع، و«الشاباك» رونين بار، «وطالب بعقد هذا الاجتماع في مكتبه»؛ إذ وفقاً لسيغال، وهو أيضاً صحافي يميني، فإن نتنياهو قال لغالانت: «بعد أن تجهّزوا كل شيء، ستحضرون المداولات لديّ. ومنذ اللحظة سأتابع بشكل رئيسي هذه الهيئة». ولكنّ «مسؤولين في دائرة نتنياهو قالوا إن غالانت يجد صعوبة في أن يرأسه أحد». وعلى إثر ذلك، «تفاقم التوتر بينهما، والسبب ليس فقط انعدام الثقة أو الإيغو، وإنما الهوة التي تتسع بينهما». وفي طريقه إلى إخراج نتنياهو من المسؤولية «كالشعرة من العجين»، حاول سيغال رمي المسؤولية على غالانت من خلال تظهيره على أنه يوافق على صفقة ليست جيّدة لإسرائيل، قائلاً: «غالانت يُسرّع الاتفاق الحالي، ولكن نتنياهو يعتقد أن حماس أدخلت إلى المقترح ألغاماً لا يمكن قبولها، ولذلك، بالنسبة إليه، فإن الضغط العسكري هو الذي يمكن أن يفضي إلى مقترح أفضل».
* الأخبار البيروتية