هكذا بدأت قصةُ مؤسِّس “ويكيليكس” وهل انتهت؟
متابعات| تقرير*:
جوليان أسانج هو ناشط وصحافي ومبرمج أسترالي، أسس موقع “ويكيليكس” الشهير، الذي نشر كثيراً من الوثائق، بما في ذلك التقارير الرسمية السرية أو المقيدة المتعلقة بالحرب والتجسس والفساد. والحائز على العديد من الجوائز لعمله الصحافي.
بداية حياته
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه الذين كانا يديران مسرحاً جوالاً. ورُزق بطفل وهو في سن الـ18، وسرعان ما خاض معارك قضائية بشأن حق حضانة الطفل.
وفَّر تطور الإنترنت لأسانج فرصة لاستخدام تفوقه في مجال الرياضيات؛ لكنه سبب له مصاعب؛ إذ واجه مع صديق له في عام 1995 اتهامات بارتكاب عشرات من أعمال القرصنة الإلكترونية. وألقي القبض عليه وأقر بذنبه. ودفع كفالة بعدة آلاف من الدولارات الأسترالية كي يظل خارج السجن، بشرط ألا يكرر فعلته.
وأمضى بعد ذلك 3 أعوام يعمل مع الباحثة الأكاديمية سويليت دريفوس؛ حيث كانت تجري أبحاثاً تتعلق بالجانب التخريبي الناشئ من الإنترنت، وأعد معها كتاب “العالم السفلي” الذي بات من أكثر المؤلفات المتعلقة بالكومبيوتر مبيعاً، وصفته الباحثة بأنه “باحث ماهر جداً” وشغوف “بمفهوم الأخلاق ومفاهيم العدالة، وما يجب على الحكومات فعله وعدم فعله”.
موقع “ويكيليكس”
أنشأ جوليان أسانج موقع “ويكيليكس” في عام 2006، مع مجموعة تتناغم مع أفكاره، مبتكراً ما يُطلق عليه “علبة رسائل ميتة” على الإنترنت، لمن يريد نشر أي تسريبات. ومنذ انطلاقة الموقع أصبحت حياته مليئة بالتنقّل إلى أماكن مؤقتة ومتغيرة. بالإضافة جهود جبّارة أودته في النهاية إلى السجن. وبحسب مجلة “نيويوركر”، لدى أسانج القدرة على أن يمضي أياماً عدة بلا طعام، منكبّاً على العمل، ومن دون نوم لساعات كافية.
قال أسانج لـ”بي بي سي” في عام 2011: “كان علينا أن نوزع الأصول، ونشفر كل شيء، وننقل الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الأفراد حول العالم، لإبقاء مصادرنا في أمان. ولتفادي قوانين الحماية في دول تشريعاتها القضائية مختلفة”.
عام 2010، بزخ نجم موقع “ويكيليكس” عالمياً، عندما نشر مئات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية للجيش الأمريكي بشأن حروب واشنطن في أفغانستان والعراق، بما فيها شريط ذاع صيته صُوّر من مروحية أمريكية استهدفت بالرصاص مجموعة من المدنيين في بغداد، كان من ضمنهم اثنان من العاملين لدى وكالة “رويترز”، إلى جانب مئات آلاف البرقيات الديبلوماسية من أرشيف مراسلات الخارجية الأمريكية.
تهم أسانج
كان أسانج مطلوباً من قبل السلطات الأميركية بتهم التجسس المرتبطة بنشر “ويكيليكس” مئات الآلاف من الوثائق العسكرية والحكومية الحساسة التي قدمتها محللة الاستخبارات العسكرية السابقة تشيلسي مانينغ، في عامي 2010 و2011. واتهمت الولايات المتحدة أسانج بتعريض حياة مصادر سرية للخطر، من خلال نشر البرقيات غير المفلترة.
واجه 18 تهمة لدوره المزعوم في الانتهاك، وواجه عقوبة تصل إلى 175 عاماً في السجن حداً أقصى. وطلبت السلطات البريطانية تطمينات من الولايات المتحدة بأنه لن يُحكَم عليه بالإعدام.
في هذا السياق، فتحت وزارة العدل تحقيقاً في “ويكيليكس”، وناقشت إدارة أوباما داخلياً، ما إذا كان يمكنها اتهام أسانج بارتكاب جريمة من دون خلق سابقة من شأنها الإضرار بحرية الصحافة. وأصدرت السويد مذكرة اعتقال بحقه فيما يتعلق بالتحقيق في اعتداء جنسي. وبدأت بطاقات الائتمان والبنوك برفض معالجة التبرعات لموقع “ويكيليكس”.
وفي عام 2012، طلب جوليان أسانج اللجوء، بعد أن خسر استئنافه لمذكرة الاعتقال السويدية في بريطانيا. منحته الإكوادور اللجوء بناءً على ادعائه الاضطهاد السياسي، والخوف من إمكانية إرساله إلى الولايات المتحدة. وقضى السنوات السبع متحصناً في السفارة.
وفي 2019، تم القبض على أسانج. بعد أن ألغت الإكوادور اللجوء، وتم سحب الحماية الديبلوماسية عنه، لدى تولي تيار يميني موالٍ لواشنطن الحكم في الدولة، ودعت الشرطة البريطانية لدخول السفارة واعتقاله لانتهاكه الكفالة. وقد كان من المفترض إطلاق سراحه عندئذٍ بسبب سقوط المطالبات السويدية الملفقة، لكن ممثلين عن الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، تقدموا بطلب لتسلمه من الحكومة البريطانية، وووثقوا لدى المحكمة مذكرة اتهام لأسانج تضمنت 18 تهمة غالبيتها وفقاً لقانون التجسس الأميركي، تحت عنوان، مؤامرة متعلقة بالقرصنة، بزعم محاولته مساعدة مانينغ وتشجيع المتسللين على سرقة أسرار أميركية، وإرسالها إلى “ويكيليكس”. وأخرى تتعلق بما إذا كان قد انتهك قانون التجسس من خلال التماس ونشر أسرار الأمن القومي الأميركي.
حكم عليه فوراً بالسجن لمدة 62 شهراً. واكتفى المدّعون العامون بتلك المدة ولم يطلبوا له المزيد من السجن، فأطلق سراحه بتاريخ 24/6/2024 ليأخذ الطائرة الخاصة إلى العاصمة الأسترالية كانبيرا.
رفض أسانج، وفقاً لطلب الحكومة الأسترالية، تلقي أسئلة من الصحافيين خلال هذه الإجراءات، لكن محاميه قالوا لهم خارج مقر المحكمة إن الادعاء على أسانج غير مسبوق واعتداء على حرية التعبير، معتبرين في الوقت نفسه أن الوقت قد حان لإنهاء المعركة وترك الرجل بسلام ليستأنف حياته مع عائلته.
تكشف مسيرة حياة جوليان أسانج عن شخص دؤوب على العمل، سيجهد لإكمال مسيرته المهنية، في سبيل إشراك الرأي العام العالمي بأسرار عالم السياسة، في وثائق تركت آثارها على الرأي العام العالمي والمحلّي ومحققتاً صوت الصحافة الحرّة الداعمة للديمقراطية في العالم. وهكذا سيبدأ أسانج صفحة جديدة من حياته، بعدما أقفل صراعاً قانونياً مفتوحاً مع السلطات الأميركية والبريطانية، بمعاناة امتدت لخمسة عشر عاماً، وكلّفته حريته.
* الخنادق