الصين تبدأُ بناءَ قطار يتجاوزُ سرعةَ الطائرة!
متابعات| رصد:
عام 2013 نشر إيلون ماسك اقتراحاً من 58 صفحة لوسيلة نقل جديدة وغير مسبوقة. ورأى هذا الملياردير، الذي منح الشهرة للسيارات الكهربائية من موقعه مديراً لـ”تيسلا”، وشرع بعهد جديد للسفر الخاص إلى الفضاء باعتباره صاحب شركة “سبايس إكس”، أن هناك طريقة أفضل للنقل الجماعي من القطارات والطائرات والحافلات.
وقد أطلق على الحل الذي اقترحه اسم “هايبرلوب ألفا” Hyperloop Alpha، كما ادعى أنه، مقارنة بالبدائل الراهنة، أكثر أماناً وسرعة وتوفيراً ونظافة، وأيضاً أكثر مقاومة للزلازل. وكتب في الورقة البيضاء [مصطلح متداول لأشكال العرض والتسويق لمشروع ما] التي ما زال بالإمكان قراءتها على موقع “تيسلا”: “إزاء عدم التوصل بعد لاكتشاف وسائل نقل لحظية [النقل الفوري البعيد المدى] عملانية، والتي ستكون مذهلة طبعاً (أرجو أن يقوم أحد بهذا الاكتشاف)، فإن الخيار الوحيد أمامنا للسفر فائق السرعة يتمثل ببناء أنبوب فوق الأرض أو تحتها، يحوي بيئة خاصة”.
وعلى رغم تقديمه بالتفصيل لمسار [هايبرلوب] مقترح بين لوس أنجليس وسان فرانسيسكو، فإن ماسك لم يسع أبداً إلى إنشائه فعلياً أو تمويله. بل جعل مفهوم التصميم مفتوح المصدر [متاح للقراءة والمساهمة من قبل الجميع]، مشجعاً الآخرين على المضي في تطويرها وتحقيقها على أرض الواقع. وبعد مضي أكثر من عقد على ذلك التصميم، وعلى الناحية المقابلة من الكوكب من المكان الذي صممت الفكرة فيه، ها هو الأنبوب الذي حلم به إيلون ماسك يقترب ربما من التحقق.
وتتصدر كبرى شركات تصنيع الصواريخ في الصين اليوم قائمة المرشحين لتقديم أول نظام نقل “هايبرلوب” في العالم، حيث قامت أخيراً بالكشف عن قطار أنبوب فراغي مغناطيسي قادر على السفر بسرعة 623 كيلومتراً في الساعة (387 ميلاً في الساعة)، أي ما يعادل تقريباً ضعف سرعة القطار الياباني فائق السرعة (الرصاصة)، مع زعم “الشركة الصينية لعلوم وصناعة الطيران” (اختصاراً “كاسيك”) China Aerospace Science and Industry Corporation (CASIC) أن مركبتها من طراز “تي فلايت” (T-Flight) قادرة على بلوغ سرعة تفوق الـ1000 كيلومتر في الساعة – أي أكثر من سرعة سفر الطائرات التجارية.
على أن هذه ليست المحاولة الأولى لإنشاء نظام “هايبرلوب”. فالحماسة الأولية التي أحاطت باقتراح إيلون ماسك “أدت إلى قيام عديد من الشركات الناشئة ذات التمويل الجيد بمحاولة تنفيذه، على رغم أن كلاً منها واجهت قيودا تكنولوجية وتنظيمية مختلفة.
وقد تمثلت إحدى أكبر المحاولات في هذا الإطار بمشروع “هايبرلوب وان” Hyperloop One، الذي جمع أكثر من 450 مليون دولار في سعيه لإقامة نظام النقل المستقبلي. وبعد توصله إلى عقد شراكات مع جهات مثل “دويتشه بان” Deutsche Bahn (شركة السكك الحديد الوطنية الألمانية) و”جنرال إلكتريك” General Electric، حققت مغامرة المشروع نجاحات في بداياتها، وذلك مع الإعلان عن مسار تجريبي قرب لاس فيغاس (الولايات المتحدة) سنة 2016.
وفي السنة التالية التحق المستثمر ومؤسس شركة طيران [فيرجن] ريتشارد برانسون بمجلس إدارة مشروع “هايبرلوب وان”، وضخ من استثمارات كانت كافية لإعادة تسمية المشروع بـ”فيرجن هايبرلوب” Virgin Hyperloop. وتحول التركيز الأولي من نقل المسافرين إلى الشحن، قبل أن تنهار المساعي بأكملها. إذ إنه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، نشرت “بلومبيرغ” تقريراً أفاد بأن الشركة أعلنت إفلاسها وتقوم بإجراءات الإغلاق.
إلا أن هناك جهوداً أخرى مستمرة في هذا الإطار، من بينها “هايبرلوب ترانسبورتيشن تكنولوجيز Hyperloop Transportation Technologies (HyperloopTT) و”هاردت هايبرلوب”Hardt Hyperloop، اللتان تخططان إلى إنشاء مسارات تجريبية في أوروبا هذه السنة، لكن أحد أكبر العوائق المتبقية أمام تسويق التكنولوجيا هو عدم فهم المشرعين حول كيفية توافق نظام النقل الناشئ وغير المثبت مع البنية التحتية الحالية. كذلك ثمة مخاوف من أن ينتهي المطاف بمشروع جريء وطامح كما انتهى مشروع “مونوريل” Monorail [بصورة كارثية ومدمرة] في مسلسل “آل سيمبسونز” The Simpsons الشهير.
“هناك كثير من مشاعر النفور بسبب حجم المخاطر”، بحسب ما صرح ريتشارد غيديس، وهو أستاذ السياسات في جامعة كورنيل وأحد مؤسسي مشروع “شراكة الأبحاث المتطورة في مجال هايبرلوب” Hyperloop Advanced Research Partnership (HARP)، وذلك ضمن حديث مع موقع الأخبار “سمارت سيتيز دايف” Smart Cities Dive عام 2020، السنة التي قام فيها مشروع “فيرجن هايبرلوب” بتجربة ناجحة لكبسولة نقل مسافرين على مسار نيفادا (الولايات المتحدة) التجريبي. وأضاف “لا أحد يريد أن يقول أو يقر فعلاً بأن هذه التكنولوجيا آمنة للسفر البشري، ثم يقع بعد ذلك حادثة مريع. وهناك في كل الأحوال كثير من مشاعر النفور بسبب المخاطرة في إطار العمليات التنظيمية، لكن لو أخذنا بعين الاعتبار العنصر القائل إن هذه تكنولوجيا بالغة الحداثة وغير مجربة من قبل، فإن ذلك سيزيد حتى من بطء حركة تطورها”.
وذاك يفسر سبب تمكن الدول ذات الحكومات أحادية التوجه من تحمل مسارات تنفيذ مشاريع كهذه على مستويات كبرى ومن دون مقاومة حقيقية. السعودية والإمارات العربية المتحدة تدرسان مقترحات لمشاريع “هايبرلوب”، وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور غيديس لـ”اندبندنت” إن “الثروة الكبيرة لكلا البلدين، والجغرافيا المسطحة نسبياً، وطبيعة حكومتهما” تؤمن بمجموعها دفعاً كافياً للمضي في تنفيذ مشاريع كبيرة في هذا المسار.
أما “كاسيك” فلديها دعم الدولة والتمويل الكافي لتحقيق هكذا طموحات في فترة زمنية قصيرة نسبياً. والأكثر أهمية هنا في الإطار الصيني هو توفر الطلب أيضاً، وذلك مع التزايد المستمر للنسبة الحضرية من الكتلة السكانية التي باتت تقارب الآن 1.5 مليار نسمة منتشرين في مدن يتطلب السفر بالسيارات بينها قرابة 56 ساعة. أحد المسارات التي تقترحها “كاسيك” يمتد بين بكين ووهان ويمثل رحلة 1200 كيلومتر تتطلب اليوم 4 ساعات في القطار السريع. وتزعم الشركة أن مركبات الـ”تي فلايت” يمكن أن تقطع هذه المسافة بـ30 دقيقة، لكن الشركة لا تذكر شيئاً عن كلفة الرحلة.
وعلى ما يبدو فالعائق الوحيد المتبقي، يتمثل بالتكنولوجيا نفسها. فالسرعات الراهنة المسجلة في نماذج رحلات “تي فلايت” التجريبية التي تجريها شركة “كاسيك”، تكسر سلفاً الرقم القياسي لرحلات القطار المغناطيسي (فائق السرعة)، غير أنها لم تتحقق حتى الآن إلا على مسار تجريبي ومن دون ركاب على متن الرحلة. “العلم والتكنولوجيا يتطوران خطوة إثر خطوة وبعض جوانب هذا المشروع الصيني لا يزال يختبر حالات جديدة وغامضة”، يقول ماو كاي، المصمم الرئيس في “كاسيك” في مشروع “تي فلايت” في حديث مع “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” South China Morning Post عقب التجربة التي أجرتها شركته في الآونة الأخيرة، مضيفاً “كل خطوة تطرح تحدياً، فهذا نظام نقل معقد”.
اليوم مع تضاؤل الضجيج المثار حول نظام “هايبرلوب”، يتضاءل معه الأمل في إمكانية إنجازه في يوم من الأيام. فتعبير “هايبرلوب” في الأوساط التكنولوجية غدا كلمة مرادفة لمشاريع مبالغ بها ولا أمل لها في تبلورها على أرض الواقع. لكن على رغم المخاوف والشكوك ما زال وعد التوصل إلى وسائل نقل رخيصة وفعالة، مؤشراً إلى استمرار المحاولات والجهود.
ويختم البروفيسور غيديس “هايبرلوب له عديد من الفوائد المذهلة كنظام نقل جديد، بما فيها [توفير] استهلاك الطاقة والسرعة والأمان. إن رؤوس الأموال الضخمة والعدد الكبير من الأشخاص الأذكياء الذين يعملون على تطويره، يستبعدان عدم تحققه في النهاية”.