أكثر من مائتي عامل أصبحوا بلا عمل في مصنع شهاب.. العدوان يستهدف المصانع مجدداً؛ لتركيع الشعب اقتصادياً
متابعات../
في كُلّ يومٍ يمُــرُّ من عُمُرِ هذا العدوان البربري، يتفنَّنُ مجرموه في صناعة الدمار الذي أرادوه لهذا الوطن وأبنائه، معمّقين أخاديدَ الويلات في صدور وذاكرة الإنسان اليَمَني، فضمن عناقيد حقدهم الأسود، إصرارهم على استهداف الشعب اليَمَني بكُلّ الوسائل التي تؤدي إلى الموت، ابتداءً من القتل السريع واختتاماً بالإماتة جُوْعاً وإذلالاً.
وفي سلسلة استهدافِ العدوان الأمريكي السعودي للبنى الاقتصادية، صبّت طائراتهم ليلة السبت حِمَمَ الحقد؛ لتدمِّـرَ مصنعاً تابعاً لشركة الكبوس، ومصنعاً تابعاً لمجموعة شركات شهاب، محدثةً أضراراً في كلا المصنعين، ولم يكتفِ مجرمو العدوان بهذا القدر، بل واصلوا الإمعانَ في إجْــرَامهم، ليغيروا مرّةً أخرى على مصنع شهاب ظهرَ اليوم التالي، والمكان مكتظٌ بعُمَّال المصنع الذين كانوا يقومون بمحاولاتٍ آملةٍ لإنقاذِ ونقل ما تبقى من معدات المصنع الذي يمثّل لهم مصدر رزق أسرهم، وبثلاثة صواريخ متتابعةٍ، قَضَّت طائراتُ الحقد الأمريكي السعودي على ذاك الأمل، وأصبح مصيرُ أكثر من مائتي عاملٍ بعدَ أن سلبهم العدوان ما كان يعيلُ عائلاتهم، بيد الخالق الرازق.
مصنعُ شهاب لم يكُن مخزناً للسلاح، وساحاتُه الشاسعةُ لم تكن مسرحاً لإطلاق الصواريخ الباليستية، كما يروّج أذنابُ ومرتزقة وعملاء هذا العدوان الإجْــرَامي؛ لتبريرِ هذا الاستهداف بمقولتهم الشهيرة “أكيد ما يضرب الطيران إلّا إذا فيه شيء”، يقول المواطن محمد صالح الحرازي والذي يقطُنُ في منزلٍ قريبٍ من المصنع وهو يحدثنا عن الجريمة: “كنا في البيت آمنين بأمان الله، ولم نسمع إلّا صوتَ الصاروخ يتبعه انفجار شديد القوة مع تحليقٍ قريب للطيران، فتهشمت زجاجات نوافذ بيتنا، عرفنا أن موقع الانفجار قريب وعندما خرجنا إلى الشارع وجدنا ألسنة اللهب وعاصفةٌ من الدخان في مصنع شهاب، فاستغربنا لماذا يقصفون المصنع؟ ليس موقعاً عسكرياً ولا مخازن للسلاح ولا يوجد فيه أي شيء يبرر لهم الاستهداف، ولا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل، هل يظنُّ أبناءُ الصهاينة والأمريكان أننا سنخافُ ونركع لهم، كلا والله سنظل صامدين لو استهدفوا بيوتنا بيتاً بيتاً، ولو دمروا كُلّ شيء في اليَمَن، لن نركع لهم؛ لأن زمانَ الخضوع قد ولّى بلا رجعة ونحن لهم بالمرصاد”.
إذن لم يكن هناك شيءٌ، سوى مصنعٍ لصناعة الكلينيكس ومخازن للمواد الغذائية وسيارات نقلٍ تابعةٍ للشركة تنقل البضائع.
لم يتوقف صلَفُ العدوان عند هذا الحد، فأثناءَ وجودنا في اليوم التالي من استهداف المصنع في ساحة المصنع لمعايَنة الأضرار الناجمة وتوثيقها، أغارت طائراتُ العدوان للمرة الثانية مستهدفةً ما تبقى من المصنع ومخازن أغذية تابعةٍ للشركة، فياض عمر شهاب أحد الشركاء في مجموعة شهاب، كان متواجداً بعد القصف، يجري هنا وهناك يبحث عن ضحايا ولكن بحمد الله لم يكُن هناك أي ضحايا سوى أَرْبَعة جرحى من العاملين في المصنع، حيث قال: “ما هذا الإجْــرَام!!، المصنع لا يوجد فيه أي شيء يستحقُّ الاستهدافَ غير مصدر رزق أكثر من 200 عامل، والآن كيف سيتمكن هؤلاء العمال من إطعام وإعالة أسرهم وأطفالهم؟، ما هو الذنبُ الذي اقترفه هؤلاء ليُحَارَبوا في قوتهم ورزقهم؟!”، وفي لهجةٍ يملؤها الغضبُ والاستهجانُ ندَّدَ فياض بالعدوان وبالعملاء والمرتزقة الذين باعوا وطنَهم، ويقومون بنشْر معلوماتٍ كاذبة حول المنشئات والمرافق، سواء الاقتصادية أو الحكومية؛ ليتم استهدافُها من قبل طيران العدوان على أنها مخازنُ سلاح أو أماكن تُطلق منها الصواريخ.. كما أضاف قائلاً: “نحن نعلم كما أن كُلّ أبناء الشعب يعلمون، بأن هذا الاستهداف ليس بسبب أخبار كاذبة، بل هو استهدافٌ وإجْــرَامٌ متعمَّدٌ؛ لتدمير اليَمَن بكلها، وقتل شعبها الأبي، وسنظل نحن أبناءَ الشعب بكل فئاتهم، صامدين في وجه هذا العدوان الأهوج، وبإذن الله سننتصر، وسنعاود البناء من جديد، والحياة من جديد”.
وأثناء تجولنا في أرجاء المكان وأدخنة ألسنة اللهب المتصاعد من بقايا المصنع والمخازن المحترقة التي تأبى الانطفاء وكأنها تنفّس عن غضبها من صلف هذا العدوان، يحتشد المئاتُ من المواطنين من سكان الحي يشاهدون النيرانَ وهي تلتهم مصنعاً لطالما ألفوا رؤيتَه عامراً ومزدحماً بالعاملين فيه، وسيارات الشحن في حركتها المعتادة دخولاً وخروجاً، تُصخِبُ الحيَّ بالضجيج، عبدالله علي الصلوي، كان يراقب من بعيد ولا زالت علاماتُ الخوف تعلو وجهَه بعد أَرْبَعة صواريخ أرعبته كبقية سكان المنطقة، وحين سألناه كيف ترى المشهد؟، قال: “أرى أقبح جرائم البشرية يرتكبها هذا العدوان، وقلبي يتقطع على عمال المصنع الذين ألفنا وجودَهم في الحارة وكأنهم أصبحوا جزءً من سكانها، ما هو مصيرهم الآن؟ نعرف الكثير منهم يعولون أسر وعائلات فكيف سيطعمونهم بعد أن احترق المكان الذي كان بالنسبة لهم المصدر الوحيد للرزق بالنسبة لهم؟!، هذا العدوان الهمجي الباغي يريد تجويع الناس وتجويع أطفالهم حتى يدمروا معنوياتهم ليخضع لهم فيما بعد ويسهل عليهم إذلاله كما يريدون، ولكن الله موجود مطّلع على هذا البغي وهذا الظلم، ولن يترك هذا الشعب الصابر المستضعف وحيداً”.
بهذه الكلمات وهذه المعنويات التي وجدناها لدى معظم ساكني المنطقة يشعر الواحد منا بأن شعباً عظيماً كهذا الشعب، كيف لهؤلاء الجبناء أن يهزموه؟ وهيهات أن يُهزم وهو على إيمانٍ مطلقٍ بربه وبإرادته الحرة الأبية.
هذا ويأتي استهدافُ مصنع شهاب ضمن سلسلة استهدافاتٍ لمصانع في العاصمة صنعاء وعدة محافظات؛ لتدمير البُنية الاقتصادية التحتية لليَمَن حتى لا يتبقى لهذا الوطن وشعبه أيَّةُ مقوماتٍ للصمود، وما استهدافُهم المتكرِّرُ مؤخراً، للمنشئات الاقتصادية والمصانع إلّا دليل على أن غايتَهم من هكذا استراتيجية استهدافٌ متعمد؛ لتسريع مَوْتِ اليَمَنيين جُوْعاً، فحصارُهم الخانقُ لليَمَن براً وجواً وبحراً لن تكتملَ دائرة الموت فيه إلّا بضرب مقومات الصمود داخل هذا البلد.
- صدى المسيرة- حسين الجنيد