الشَّـعْـب سيفُ الانتصار
أنس القاضي
الثورة مستمرة..
خروجُ الشَّـعْـبِ الـيَـمَـني بتلك الصورة الأسطورية يُجسِّدُ المقولةَ الشهيرةَ للشهيد الثائر تشي جيفارا: “ما زال الأغبياء يظنون بأن الثورةَ قابلةٌ للهزيمة”. الجماهيرُ الشَّـعْـبيَّة التي خَلّقت تلك الملحمة الثورية في باب الـيَـمَـن وفي وجه قوى الاستعمار بزعامة أمريكا الإمبريالية مُهندسةِ هذا العُـدْوَان وراعيتِهِ، هي جماهيرُ الثورة الشَّـعْـبيَّة، الثورة التي تتغلغلُ بين الجماهير وتستنهض أحرار الشَّـعْـب، الثورة التي تنتقل اليوم نقلاً طبيعياً بمهامها كما في كُلّ حركات التحرر الوطني في العالم، من إسقاط ركائزِ الاستعمارِ في الداخل (سلطة الفساد والجرُع بحالتنا الـيَـمَـنية)، إلَى مواجَهةِ القوى الاستعمارية المسئولة عن الأوضاع السابقة، التي مَا زَالَت امتداداتُ دمارها وخرابها قائمةً في الجمهورية، مما يعني بأن الثورة ما زالت مُستمرةً كنقيضٍ موضوعيٍّ لها وكرد فعلي شعبي واعٍ، وستظلُّ مُستمرةً حتى تحقّقَ التحوُّلَ الثوري في الداخل، والاستقلال الوطني عَن السيطرة الاستعمارية الغربية وحلفها الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية العميلة في المنطقة.
تحوّلات الوعي لدى الجماهير (أمريكا تقتل الشَّـعْـب الـيَـمَـني)
كان واضحاً مِنذُ بداية العُـدْوَان بأنهُ أمريكي، مِن حيثُ الضوءِ السياسي ومِن حيثُ التسليح والدعم اللوجستي وغرف قيادة العمليات، ومِن حيثُ المصلحة المُباشرة لهذا العُـدْوَان وهوَ تركيعُ الـيَـمَـن وتأبيد السيطرة الأمريكية في حين كان هذا الوعيُ حاضراً لدى قائد الثورة الشَّـعْـبيَّة الذي صرَّح بهِ في أول خِطاب بعد العُـدْوَان في العام المُنصرم بأن العدوان أمريكي إسرائيلي وأن السعُوديّة فيه مُجرد أداة قذرة، هذا الوعي كان موجوداً أَيْـضاً في أوساط النُّخبة السياسية والشريحة المثقفة والعناصر الطليعية الثورية في المجتمع، إلَّا أن وعيَ المجتمع ككل كان قاصراً عنهُ، وكأن إفهام الجماهير في بداية العُـدْوَان بأن مَن يقف خلف العُـدْوَان بشكل مُباشر هو أمريكا، سيجعلهم يَظنون بأن أَنْـصَـار الله يُريدون إثباتَ شعارِهم ومشروعهم المعادي للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، ولكن استمرارَ العُـدْوَان بهذا الإجْـرَام وما خرجت بهِ البيت الأبيض من تصريحات تثبت فيه دورها في تزعم هذا العُـدْوَان وغيرها من الحقائق سواءً صفقات السلاح أَوْ إدانة صُحف ومنظمات حقوقية أمريكية للإدارة الأمريكية بتورُّطِها بالعُـدْوَان على الـيَـمَـن، كُلّ هذه المُعطيات أنضجت وعي الجماهير الـيَـمَـنية التي تُدرك اليوم أن أمريكا مَن تقف خلف هذا العُـدْوَان، وجسدت وعيها هذا في المسيرة الشَّـعْـبيَّة تحت شعار أمريكا تقتل الـيَـمَـنيين، جاء نضوج وعي الجماهير في هذا المرحلة تطوراً موضوعياً لحركة الفكر المرافقة للثورات وحركة المجتمع، وعلى هذا الأساس أساس أن أمريكا عدوة الشَّـعْـب الـيَـمَـني وعدوة كُلّ أحرار العالم ومَن تقتل الـيَـمَـنيين تحدّد الجماهير حركتها النضالية سواءٌ المُسلحة كما هي حالياً في مواجهة العُـدْوَان، أَوْ خياراتها السياسية في مرحلة السِّلم، ولم يَعد بإمكان إرجاع الجماهير وقيادات الجيش عَن هذا الوعي، وكما قال كارل ماركس: “الوعي يتحول إلَى قوةٍ مادية حينَ يُصبح في يد الجماهير”. وبهذه القوة سنواجهُ المشاريعَ الاستعمارية، ونقفُ بجانب المقاومة العربية، ونتضامَنُ مع أحرار العالم والشعوب المُستضعفة.
معركة الشرعية
تحتَ لافتة إعادة الشرعية شُنَّ هَذا العُـدْوَان على الـيَـمَـن، مِن قبل أُسرة مُغتصبة ومتسلطة لا تملك شرعيةَ بقائها عائلة مالكة وحاكمة، ولرئيس خائن انتهت شرعيته التوافقية الحزبية، والسياسية الزمنية، وسقطت حصانتهُ الدستورية والأخلاقية، كُلّ أباطيل الشرعية التي ضجوا بها، تَسقط أمام جماهير الشَّـعْـب الـيَـمَـني (لا الإيراني ولا الكولومبي) التي خرجت في باب الـيَـمَـن بالعاصمة صنعاء، لتمثل الشرعية الثورية التي تحافظ على مؤسسات الدولة بقيادة اللجان الثورية، وتمثل الشرعية الشَّـعْـبيَّة في مواجهة العُـدْوَان وأعداء الشَّـعْـب التي تتجسد مادياً في قوات الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة، كما تجسد هذه المسيرة الشرعية الإنْسَانية في الحق بالوجود والحياة، بعد 11 شهراً من القصف والحصار على المُدن والأرياف الـيَـمَـنية. بينما حفنة المؤيدين للعُـدْوَان لا يملكون أن يخرجوا ربع هذه الجماهير، لا في العاصمة صنعاء ولا في غيرها.
هادي وبحاح وطاقم الاحتلال.. الشرعية في صنعاء والاحتلال في عدن
مِن بعد احتلال قوات الغزو المُشتركة ومرتزقة العالم على مناطق في الجنوب وعلى مدينة عدن، لم يتجسد على الأرض التي زعموها مُحررة أي شكل ومظهر للشرعية التي أدعوها، ولم نَرَ أي تجمع شعبي وجماهيري يُصبغ الشرعية على العُملاء، وكل ظهور للمدعوين بحاح وهادي كان يخلو مِن الوجود اليمني ويظهر العميلان بطاولاتٍ تحضرها القيادات العسكرية لقوات الغزو، ولجنود الغزو، وضباط الاحتلال وهم يستقبلون هادي تارةً وبحاح تارةً، مِمَّا ينفي أي شكل من أشكال الشرعية الشَّـعْـبيَّة أَوْ السياسية؛ لتقفَ خلفَ هؤلاء وتقوي موقفهم في هذا المناطق المُحتلة فِعلاً، والذين يستقوون فيها بقوات الاحتلال، والتي تعيشُ حالة فوضى أمنية، وتتسيّد فيهِ داعش وعصابات الإخوان المُجرمين، الذين يقومون بتصفية القوى الوطنية وكل الكوادر غير المُرتبطة بجماعاتهم، ما يهيءُ لديمومة سيطرة الغزاة على البلاد، ومِمَّا يُضعف أيَّة قوى وطنية في طريقها للقيام بدورها في مقاومة الاحتلال.
ولَم يعد يخفى على أحد أين تتجسد الشرعية الشَّـعْـبيَّة والسياسية للجمهورية الـيَـمَـنية، وأين الأمنُ والاستقرار الذي يحتاجُهُ المواطن، وأين تحضر الدولة بمؤسساتها وخدماتها رُغم العُـدْوَان والحِصار، هذه الشرعية التي نتحدث عنها، والتي نظّر لها كُلُّ علماء الاجتمَاع بمختلف مدارسهم الفكرية تتجسد في صنعاء عاصمة الجمهورية الـيَـمَـنية، ومختلف المُحافظات التي تأمّنها قوات الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة الـيَـمَـنية، لا في مناطق الغزاة وقوات الاحتلال وعصابات داعش والمُرتزقة من مختلف جنسيات وقارات العالم، وأَكْثَــرُ مِن ذلك مَا زَالَت الشرعية الثورية والسياسية في الجمهورية الـيَـمَـنية بقيادة اللجنة الثورية تُسدّد أجورَ العمال والموظفين إلَى المناطق التي يُسيطرُ عليها الغُزاة والمُرتزقة، فيما ركائزُ الاستعمار وعملاءُ العُـدْوَان يُباركون الغارات الأمريكية التي تهدم كُلّ قطاعات الإنتاج وكل المؤسسات الإنتاجية، التي توفّر لقمة العيش للمواطن الـيَـمَـني المُحاصر منذ عشرة أشهر من العُـدْوَان الأمريكي الصهيوني السعُوديّ.
حقيقةُ موقف المجتمع في تعز والجنوب
لا يوجدُ حيادٌ في الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها المجتمعات وتمر بها الدول في مراحل الثورات أَوْ في حروب التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار، حتى الأفراد الذين يدعون الحياد بألسنتهم حاجاتهم الاجتمَاعية تُفرز نفسها في أحد المُعسكرين الوطني أَوْ الاستعماري، فهناك نموذجان سياسيان اجتمَاعيان أمنيان ماثلان ينزع الإنْسَان إلَى أحدهما حتى لو لم يُعبر عَن ذلك.
إن عدمَ حضور الجماهير الشَّـعْـبيَّة بجانب عملاء العُـدْوَان من هادي وبحاح، لا يعني انتفاءَ هذه الجماهير وتبخر موقفها، لا يعني بأيِّ حالٍ من الأحوال أن جزءً من الشَّـعْـب يمثّلون العدم! فغيابُها عن ساحة العملاء وقوات الغزو والاحتلال والمُرتزقة، يعني حضورها في الطرف النقيضِ وفي الموقف الطبيعي وهوَ بجانب قوات الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة وبجانب الدولة الـيَـمَـنية.
موقفُ المجتمع في مناطق سيطرة الغزاة والمرتزقة هوَ موقفُ الرفض لهذا الوجود الاستعماري القائم ولحالة الانفلات الأمني والوجود الإرهابي التي تُعاني منهُ هذهِ المناطق التي قتلت الناس في الشوارع ودمّرت الآثار الحضارية والدينية لمختلف المكونات المذهبية والدينية، ففي تعز ينزح المواطنون من مناطق المُرتزقة إلَى مناطق الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة لا العكس، وفي عَدن يحن المواطنون إلَى قوات الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة التي لم تعتدِ على أحد طوالَ وجودها في هذه المناطق حتى تقهقرها والتي فتحت مخازنَ الطعام لتجار الاحتكارات ووزعتهُ مجاناً على الشَّـعْـب الذي تأزَّم غذائياً، فيما العصابات الإجْـرَامية تنهبهُ اليوم، كما أن عوائلَ شخصيات القوى الوطنية من رجال الجيش ومناضلي الحراك الجنوبي الوطنيين في تشهد حالةَ نزوح ومغادرة لعدن وخاصة بعد إمعان المجرمين من داعش وعصابات الإخوان بمعونة قوات الاحتلال على اغتيال هذه القوى الوطنية التي يتناقض مشروعَها مع وجود داعش ومع وجود قوات غازية، وهذا هوَ موقفُ الحراك الجنوبي الذي يلتف حوله قطاع كبير من الشَّـعْـب، والذي يناضل لأجل استعادة حقوقه المنهوبة وإلى الحكم المحلي، ولم يكن يناضل لأجل قيام إمارات داعشية ولا لأجل حكم قوات الاحتلال وتسيد المرتزقة والغزاة، ولا لأجل العميل هادي الذي خرج من الجنوب في 86 خائناً بتهمة الخيانة العظمى محكوماً عليه بالإعدام من قبل ما كانت تُعرَفُ بالـيَـمَـن الشَّـعْـبيَّة، ثم دخلها بعد الوَحدة غازياً وناهباً مع عصابة 7/7، وهذه القوى الجنوبية الوطنية ينضجُ وعيَها وتُدرِكُ حقيقةَ المؤامَرة على الوطن، وما اغتيالُ كوادرها إلَّا لأن الغُزاةَ والمُحتلين أحسّوا بهذا الموقف الوطني وتخوّفوا منهُ، ويقومون اليوم بعمليات استباقية، له لكن المجتمع في جنوب الوطن سينبذُهم ويطردهم بمعاونةِ إخوته من مناطقِ الشمال كما طُردت الإمبراطورية البريطانية واستعمارها الذي ناهزَ مئة عام.