تظاهُراتٌ ضدّ طقوسٍ يهوديةٍ تفصِلُ بين الجنسين يصِفُها نتنياهو بـ “العربدة اليسارية”
متابعات| تقرير*:
في العيد الذي من المفترض أن يتمّ فيه تجاوز الأزمات وإحياء الهوية اليهودية، يأتي قرار بن غفير بإقامة صلاة جماعية في “تل أبيب”، بالطبع حاملًا دوافع استفزازية ضد العلمانيين واليسار. فَصَلت هذه الصلاة بين الجنسين، وانطلقت تظاهرات يسارية وصفها نتنياهو على أنها “عربدة يسارية ضدّ اليهود”.
على غرار موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، انتقد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، التظاهرات ضد الصلوات ضمن فصل بين الجنسين. وقال: “في يوم الغفران رأينا مبغضين يحاولون طرد اليهودية من النطاق العام… سأقيم صلاة عشاء في ميدان ديزنغوف في تل أبيب يوم الخميس القادم”.
بدوره، وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المتظاهرين بأنهم “حارقو غلال”. كما تطرق وزير الداخلية والصحة موشيه أربل، إلى الأحداث، قائلا إن “مشاهد يوم الغفران تثير أسفا وحزنا عميقا. أبناء شعبنا اختاروا الانقسام، اليهودية والديمقراطية لم تعد موجودة. هذا ليس احتجاجا شرعيا بل فوضوية صرفة“. من جانبه، أدان وزير الاتصالات شلومو كرعي، المتظاهرين ضد الصلوات ضمن فصل بين الجنسين، قائلا: “أنتم أقلية مختلة تغني أغنية يأسها وبفظاظة ضمن عربدة منفلتة العقال. زمنكم انتهى، نحن سنستمر من هنا”.
صحيفة “هآرتس” اليسارية، اعتبرت في افتتاحيتها، أن ما حدث في ميدان “ديزنغوف” في “تل أبيب”، عشية “يوم الغفران” لا يرتبط بحرية الدين، موضحة أن أعضاء منظمة “رأس يهودي”، الذين يصرّون على الصلاة بفصل بين الإناث والذكور في النطاق العام، لا يعملون ببراءة، وما طلبوا إقامته ليس حفلا دينيا بل عمل سياسي. وأضافت الصحيفة إن “نتنياهو عاد إلى مهنته التحريضية عندما قال إن متظاهري يسار عربدوا ضد يهود… إنها معركة على طابع إسرائيل، والطريقة الوحيدة للانتصار فيها هي القتال على الأرض مثلما منع متظاهرون أمس الأول إقامة صلاة بالفصل بين الجنسين في تل أبيب، وحيفا وفي مدن أخرى. لا مكان للتسامح تجاه قوى تدفع التفوق اليهودي والذكوري. ممنوع السماح بأن تمر”.
وفي ردود الأفعال، أدان الحاخام الرئيس لإسرائيل، دافيد لاو، أحداث العنف التي جرت في تل أبيب، في “يوم الغفران”، ودعا الأطراف إلى الكف عن العداء والعنف قبل “فوات الأوان”. وقال الحاخام لاو: “سمعت بأسى كبير عن الأحداث التي وقعت حول الصلاة في أقدس يوم لشعب إسرائيل. اليوم الأكثر خصوصية في السنة (العبرية) تحوّل بسبب تحريض همجي من جهات كارهة للدين إلى يوم حزين. هناك من نسوا جوهر اليوم وواصلوا أمواج الكراهية الجارية. سكان من تل أبيب وصلوا إلى الصلاة وهم يريدون الصلاة وفق الشريعة من دون أن يفرضوا شيئا على أحد، ثم رأينا من يمنعون بقناع الحرية جمهورا عريضا جدا من الصلاة وفق تقاليده. الأحداث تذكّر بأيام قاسية في التاريخ اليهودي”. وأضاف إن “دولة إسرائيل التي أُقيمت كبيت للشعب اليهودي يجب أن تشكّل مكانا للحياة فيه مثلما تُلزم اليهودية. كل الذين يزعمون أن دولة إسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية، تذكّروا أن اليهودية لا تقل أهمية عن الديمقراطية. ليس عندي شك أن غالبية سكان تل أبيب مشمئزون من أعمال الشغب والاحتجاج ضد صلوات يوم الغفران في أنحاء المدينة، وأدعو كل المستمرين في تأجيج الأنفس: توقفوا، توقفوا قبل أن يفوت الأوان”.
أما زعيم اليسار في الكيان ورئيس المعارضة يائير لابيد، فقد انتقد إقامة صلوات تفصل بين الجنسين في المجال العام في تل أبيب. وكتب على فايسبوك: “منذ سنوات وأنا أقدّم يوم الغفران كمثال إلى أن اليهودية لا تحتاج إلى فرضها. أتت إلى هنا نوى خلاصية وعنصرية تحاول أن تفرض علينا صيغتها لليهودية. ووصلت النواة الحردلية (حريديم قومية) إلى الحي، وقررت جلب حربٍ علينا. يصرون على الفصل بين الجنسين، في الخارج أيضا.. وباسم التسامح يسعون في حيّنا إلى أن يقرروا هم ما المسموح وما الممنوع”. بدوره، قال رئيس “معسكر الدولة” بيني غانتس، بعد الأحداث: “في مكان يوجد فيه من يدهوروننا إلى حرب أخوة، مهمتنا جميعا هي منعها”. وأضاف غانتس: “على مدى 75 سنة نجحت الغالبية في التوصل إلى توافقات على النطاق العام في يوم الغفران. الآن، من قرر الفصل بيننا نجح في انتهاك هذا اليوم المقدس بإكراه وكراهية مجانية. لا أحد سوى رئيس الحكومة، أكبر مُحدث للكراهية، هو الذي يختار الآن تأجيج النيران. أدعو كل القادة إلى إبداء مسؤولية ووقف السجال والأعمال المثيرة للمماحكات”.
وهكذا تتكشف المزيد من التصدّعات مع كل استحقاق لدى الإسرائيليين، لكن ما يميّز هذا الاستحقاق بأنه في الميدان الديني، وهو ما يجعله الأكثر خطورة من بين لاستحقاقات السياسية والأمنية. حيث إنه تطوّرٌ خطير يمسّ بهوية الدولة. ومن المتوقع أن نرى المزيد من الشروخات في الاستحقاقات القادمة.
* الخنادق